الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مسير أبي علي بن ماكولا إلى البصرة وقتله

لما استولى الملك جلال الدولة على واسط ، وجعل ولده فيها سير وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطائح والبصرة ليملكها ، فملك البطائح ، وسار إلى البصرة في [ ص: 738 ] الماء ، وأكثر من السفن والرجال .

وكان بالبصرة أبو منصور بختيار بن علي نائبا لأبي كاليجار ، فجهز جيشا في أربعمائة سفينة وجعل عليهم أبا عبد الله الشرابي الذي كان صاحب البطيحة ، وسيره ، فالتقى هو والوزير أبو علي ، فعند اللقاء والقتال هبت ريح شمال كانت على البصريين ومعونة للوزير ، فانهزم البصريون وعادوا إلى البصرة ، فعزم بختيار على الهرب إلى عبادان ، فمنعه من سلم عنده من عسكره ، فأقام متجلدا .

وأشار جماعة على الوزير أبي علي أن يعجل الانحدار ، ويغتنم الفرصة قبل أن يعود بختيار يجمع . فلما قاربهم ، وهو في ألف وثلاثمائة عدد من السفن سير بختيار ما عنده من السفن ، وهي نحو ثلاثين قطعة ، وفيها المقاتلة ، وكان قد سير عسكرا آخر في البر ، وكان له في فم نهر أبي الخصيب نحو خمسمائة قطعة فيها ماله ولجميع عسكره من المال والأثاث والأهل ، فلما تقدمت سفنه صاح من فيها ، وأجابه من في السفن التي فيها أهلوهم وأموالهم ، وورد عليهم العسكر الذين في البر ، فقال الوزير لمن أشار عليه بمعاجلة بختيار : ألستم زعمتم أنه في خف من العسكر ، وأن معاجلته أولى ، وأرى الدنيا مملوئة عساكر ؟ فهونوا عليه الأمر ، فغضب ، وأمر بإعادة السفن إلى الشاطئ ، إلى الغد ، ويعود إلى القتال .

فلما أعاد سفنه ظن أصحابه أنه قد انهزم ، فصاحوا : الهزيمة ! فكانت هي .

وقيل : " بل لما أعاد سفنه لحقهم من في سفن بختيار ، وصاحوا : الهزيمة ! الهزيمة ! وأجابهم من في البر من عسكر بختيار ، ومن في سفنهم التي فيها أموالهم ، فانهزم أبو علي حقا ، وتبعه أصحاب بختيار وأهل السواد ، ونزل بختيار في الماء ، واستصرخ الناس ، وسار في آثارهم يقتل ويأسر ، وهم يغرقون ، فلم يسلم من السفن كلها أكثر من خمسين قطعة .

وسار الوزير أبو علي منهزما ، فأخذ أسيرا ، وأحضر عند بختيار فأكرمه وعظمه ، وجلس بين يديه ، وقال له : ما الذي تشتهي أن أفعل معك قال : ترسلني إلى الملك [ ص: 739 ] أبي كاليجار . فأرسله إليه فأطلقه ، فاتفق أن غلاما له وجارية اجتمعا على فساد ، فعلم بهما ، وعرفا أنه قد علم حالهما ، فقتلاه بعد أسره بنحو من شهر .

وكان قد أحدث في ولايته رسوما جائرة وسن سننا سيئة منها جباية سوق الدقيق ، ومقالي الباذنجان ، وسميريات المشارع ، ودلالة ما يباع من الأمتعة ، وأجر الحمالين الذين يرفعون التمور إلى السفن ، وبما يعطيه الذباحون لليهود ، فجرى في ذلك مناوشة بين العامة والجند .

التالي السابق


الخدمات العلمية