الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك أبي كاليجار مدينة واسط ومسير جلال الدولة إلى الأهواز ونهبها ( وعود واسط إليه )

في هذه السنة أصعد الملك أبو كاليجار إلى مدينة واسط فملكها ، وكان ابتداء ذلك أن نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد ، صاحب الحلة والنيل ، ولم تكن الحلة بنيت ذلك الوقت ، خطب لأبي كاليجار في أعماله .

وسببه أن أبا حسان المقلد بن أبي الأغر الحسن بن مزيد كان بينه وبين نور الدولة عداوة ، فاجتمع ، هو ومنيع أمير بني خفاجة ، وأرسلا إلى بغداذ يبذلان مالا [ ص: 713 ] يتجهز به العسكر لقتال نور الدولة ، فاشتد الأمر على نور الدولة ، فخطب لأبي كاليجار به وراسله يطمعه في البلاد .

ثم اتفق أنه ملك البصرة ، على ما ذكرناه ، فقوي طمعه ، فسار من الأهواز إلى واسط ، وبها الملك العزيز بن جلال الدولة ، ومعه جمع من الأتراك .

ففارقها العزيز ، وقصد النعمانية ، ففجر عليه نور الدولة البثوق من بلده ، فهلك كثير من أثقالهم ، وغرق جماعة منهم ، وخطب في البطيحة لأبي كاليجار ، وورد إليه نور الدولة .

وأرسل أبو كاليجار إلى قرواش ، صاحب الموصل ، وعنده الأثير عنبر ، يطلب ( منه أن ينحدر ) إلى العراق ليبقى جلال الدولة بين الفريقين . فانحدر إلى الكحيل ، فمات به الأثير عنبر ، ولم ينحدر معه قرواش ، وجمع جلال الدولة عساكره ، واستنجد أبا الشوك وغيره ، وانحدر إلى واسط ، ولم يكن بين العسكرين قتال ، وتتابعت الأمطار حتى هلكوا .

واشتد الأمر على جلال الدولة لفقره وقلة الأموال وغيره عنده ، فاستشار أصحابه فيما يفعل ، فأشاروا أن يقصدوا الأهواز وينهبها ، ويأخذ ما بها من أموال أبي كاليجار وعسكره . فسمع أبو كاليجار ذلك فاستشار أيضا أصحابه فقال بعضهم : ما عدل جلال الدولة عن القتل إلا لضعف فيه ، والرأي أن تسير إلى العراق فتأخذ من أموالهم ببغداذ أضعاف ما يأخذون منا ، فاتفقوا على ذلك فأتاهم جاسوس من أبي الشوك يخبر بمجيء عساكر محمود بن سبكتكين إلى ( طخر ، وأنهم ) يريدون العراق ، ويشير بالصلح ، واجتماع الكلمة على دفعهم عن البلاد . فأنفذ أبو كاليجار الكتاب إلى جلال الدولة ، وقد سار إلى الأهواز وأقام ينتظر الجواب ظنا منه أن جلال الدولة يعود بالكتاب ، فلم يلتفت جلال الدولة ومضى إلى الأهواز فنهبها ، وأخذ من دار الإمارة مائتي ألف دينار ، وأخذوا ما لا يحصى ، ودخل الأكراد والأعراب وغيرهم إلى البلد ، فأهلكوا الناس بالنهب والسبي ، وأخذت والدة أبي [ ص: 714 ] كاليجار وابنته وأم ولده وزوجته ، فماتت أمه ، وحمل من عداها إلى بغداذ .

ولما سمع أبو كاليجار الخبر سار ليلقى جلال الدولة فتخلف عنه دبيس بن مزيد ، خوفا على أهله وحلله من خفاجة ، والتقى أبو كاليجار ، وجلال الدولة آخر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين [ وأربعمائة ] ، فاقتتلوا ثلاثة أيام ، وانهزم أبو كاليجار ، وقتل من أصحابه ألفا رجل ، ووصل إلى الأهواز بأسوأ حال ، فأتاه العادل بن مافنة بمال ، فحسنت حاله .

وأما جلال الدولة فإنه عاد واستولى على واسط ، وجعل ابنه العزيز بها ، وأصعد إلى بغداذ ، ومدحه المرتضى ومهيار وغيرهما ، وهنأوه بالظفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية