الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل هارون بن غريب

في هذه السنة قتل هارون بن غريب ، وكان سبب قتله أنه كان - كما ذكرنا - قد استعمله القاهر على ماه الكوفة ، وقصبتها الدينور ، وعلى ماسبذان وغيرها ، فلما خلع القاهر واستخلف الراضي ، رأى هارون أنه أحق بالدولة من غيره ; لقرابته من الراضي ، حيث هو ابن خال المقتدر ، فكاتب القواد ببغداذ يعدهم الإحسان والزيادة في الأرزاق ، ثم سار من الدينور إلى خانقين ، فعظم ذلك على ابن مقلة وابن ياقوت والحجرية والساجية ، واجتمعوا وشكوه إلى الراضي ، فأعلمهم أنه كاره له ، وأذن لهم في منعه ، فراسلوه أولا ، وبذلوا له طريق خراسان زيادة على ما في يده ، فلم يقنع به ، وتقدم إلى النهروان ، وشرع في جباية الأموال ، وظلم الناس وعسفهم ، وقويت شوكته .

فخرج إليه محمد بن ياقوت في سائر جيوش بغداذ ، ونزل قريبا منه ، ووقعت الطلائع بعضها على بعض ، وهرب بعض أصحاب محمد بن ياقوت إلى هارون ، وراسله محمد يستميله ، ويبذل له ، فلم يجب إلى ذلك ، وقال : لا بد من دخول بغداذ .

فلما كان ( يوم الثلاثاء ) لست بقين من جمادى الآخرة ، تزاحف العسكران ، واشتد القتال ، واستظهر أصحاب هارون لكثرتهم ، فانهزم أكثر أصحاب ابن ياقوت ونهب أكثر سوادهم ، وكثر فيهم الجراح والقتل ، فسار محمد بن ياقوت حتى قطع قنطرة نهر بين ، فبلغ ذلك هارون ، فسار نحو القنطرة منفردا عن أصحابه ، طمعا في قتل محمد بن [ ص: 25 ] ياقوت ، أو أسره ، فتقنطر به فرسه ، فسقط عنه في ساقية ، فلحقه غلام له اسمه يمن ، فضربه بالطبرزين حتى أثخنه ، وكسر عظامه ، ثم نزل إليه فذبحه ، ثم رفع رأسه وكبر ، فانهزم أصحابه وتفرقوا ، ودخل بعضهم بغداذ سرا ، ونهب سواد هارون ، وقتل جماعة من قواده وأسر جماعة .

وسار محمد إلى موضع جثة هارون ، فأمر بحملها إلى مضربه ، وأمر بغسله وتكفينه ، ثم صلى عليه ودفنه ، وأنفذ إلى داره من يحفظها من النهب ، ودخل بغداذ ورأس هارون بين يديه ورءوس جماعة من قواده ، فنصب ببغداذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية