ذكر كرمان في هذه السنة ملك استيلاء عضد الدولة على عضد الدولة بلاد كرمان وكان سبب ذلك أن أبا علي بن إلياس كان صاحبها مدة طويلة على ما ذكرناه ثم إنه أصابه فالج خاف منه على نفسه فجمع أكابر أولاده وهم ثلاثة إليسع وإلياس وسليمان فاعتذر إلى إليسع من جفوة كانت منه له قديما وولاه الأمر ثم بعده أخاه [ ص: 276 ] إلياس وأمر سليمان بالعود إلى بلادهم وهي بلاد الصغد وأمره بأخذ أموال له هناك وقصد إبعاده عن إليسع لعداوة كانت بينهما . فسار من عند أبيه واستولى على السيرجان فلما بلغ أباه ذلك أنفذ إليه إليسع في جيش وأمره بمحاربته وإجلائه عن البلاد ولم يمكنه من قصد الصغد إن طلب ذلك فسار إليه وحصره واستظهر عليه إليسع بالسيرجان وملكها وأمر بنهبها فنهبت فسأله القاضي وأعيان البلد العفو عنهم فعفا . ثم إن جماعة من أصحاب والده خافوه ، فسعوا به إلى أبيه ، فقبض عليه وسجنه في قلعة له ، فمشت والدته إلى أخيه إلياس وقالت لها : إن صاحبنا قد فسخ ماكان عقده لولدي ، وبعده يفعل بولدك مثله ، ويخرج الملك عن آل إلياس ، والرأي أن تساعديني على تخليص ولدي ليعود الأمر إلى ماكان عليه .
وكان والده أبو علي تأخذه غشية في بعض الأوقات ، فيمكث زمانا طويلا لا يعقل ، فاتفقت المرأتان وجمعتا الجواري في وقت غشيته ، وأخرجن إليسع من حبسه ودلينه من ظهر القلعة إلى الأرض ، فكسر قيده وقصد العسكر ، فاستبشروا به وأطاعوه ، وهرب منه من كان أفسد حاله مع أبيه ، وأخذ بعضهم ، ونجا بعضهم ، وتقدم إلى القلعة ليحصرها .
فلما أفاق والده وعرف الصورة راسل ولده ، وسأله أن يكف عنه ويؤمنه على ماله وأهله حتى يسلم إليه القلعة وجميع أعمال كرمان ، ويرحل إلى خراسان ، ويكون عونا له هناك ، فأجابه إلى ذلك ، وسلم إليه القلعة وكثيرا من المال ، وأخذ معه ما أراد إلى خراسان وقصد بخارى ، فأكرمه الأمير منصور بن نوح ، وأحسن إليه وقربه منه ، فحمل منصورا على تجهيز العساكر إلى الري وقصد بني بويه ، على ما ذكرناه ، وأقام عنده إلى أن توفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة بعلة الفالج ، على ماذكرناه .
وكان ابنه سليمان ببخارى أيضا وأما إليسع فإنه صفت له كرمان ، فحمله ترف الشباب وجهله على مغالبة عضد الدولة على بعض حدود عمله ، وأتاه جماعة من أصحاب عضد الدولة وأحسن إليهم ، ثم عاد بعضهم إلى عضد الدولة ، فاتهم إليسع الباقين ، فعاقبهم ، ومثل بهم .
[ ص: 277 ] ثم إن جماعة من أصحابه استأمنوا إلى عضد الدولة ، فأحسن إليهم وأكرمهم ووصلهم ، فلما رأى أصحابه تباعد مابين الحالين تألبوا عليه وفارقوه متسللين إلى عضد الدولة ، وأتاه منهم في دفعة واحدة نحو ألف رجل من وجوه أصحابه ، فبقي في خاصته ، وفارقه معظم عسكره .
فلما رأى ذلك أخذ أمواله وأهله وسار بهم نحو بخارى لا يلوي على شيء ، وسار عضد الدولة إلى كرمان فاستوى عليها وملكها وأخذ ما بها من أموال آل إلياس ، وكان ذلك في شهر رمضان ، وأقطعها ولده أبا الفوارس ، وهو الذي لقب بعد ذلك شرف الدولة ، وملك العراق ، واستخلف ، عليها كورتكين بن جستان ، وعاد إلى فارس وراسله صاحب سجستان ، وخطب له بها ، وكان هذا أيضا من الوهن على بني سامان ومما طرق الطمع فيهم .
وأما إليسع فإنه لما وصل إلى بخارى أكرمه وأحسن إليه ، وصار يذم أهل سامان في قعودهم عن نصره ، وإعادته إلى ملكه ، فنفي عن بخارى إلى خوارزم .
وبلغ أبا علي بن سيمجور خبره ، فقصد ماله وأثقاله ، وكان خلفها ببعض نواحي خراسان ، فاستولى على ذلك جميعه ، وأصاب إليسع رمد شديد بخوارزم ، فأقلقه ، فحمله الضجر وعدم السعادة إلى أن قلع عينه الرمدة بيده ، وكان ذلك سبب هلاكه ، ولم يعد لآل إلياس بكرمان دولة ، وكان الذي أصابه لشؤم عصيان والده وثمرة عقوقه .