في هذه السنة قبض عضد الدولة على أبي الفتح بن العميد ، وزير أبيه ، وسمل عينه الواحدة وقطع أنفه .
وكان سبب ذلك أن أبا الفتح لما كان ببغداذ مع ( عضد الدولة ، على ما شرحناه ، وسار ) عضد الدولة نحو فارس تقدم إلى أبي الفتح بتعجيل المسير عن بغداذ إلى الري ، [ ص: 348 ] فخالفه وأقام ، وأعجبه المقام ببغداذ ، وشرب مع بختيار ، ومال في هواه ، واقتنى ببغداذ أملاكا ودورا على عزم العود إليها إذا مات ركن الدولة ، ثم صار يكاتب بختيار بأشياء يكرهها عضد الدولة .
( وكان له نائب يعرضها على بختيار ، فكان ذلك النائب يكاتب بها عضد الدولة ) ساعة فساعة ، ( فلما ملك عضد الدولة ) بعد موت أبيه ، كتب إلى أخيه فخر الدولة بالري يأمره بالقبض عليه وعلى أهله وأصحابه ، ففعل ذلك ، وانقلع بيت العميد على يده كما ظنه أبوه الفضل .
وكان أبو الفتح ليلة قبض قد أمسى مسرورا ، فأحضر الندماء والمغنين ، وأظهر من الآلات الذهبية ، والزجاج المليح ، وأنواع الطيب ما ليس لأحد مثله ، وشربوا ، وعمل شعرا وغني له فيه وهو :
دعوت المنى ودعوت العلى فلما أجابا دعوت القدح وقلت لأيام شرخ الشباب
إلي فهذا أوان الفرح إذا بلغ المرء آماله
فليس له بعدها مقترح
فلما غني في الشعر استطابه ، وشرب عليه إلى أن سكر ، وقام وقال لغلمانه : اتركوا المجلس على ما هو عليه لنصطبح غدا ، وقال لندمائه : بكروا إلي غدا لنصطبح ، ولا تتأخروا . فانصرف الندماء ، ودخل هو إلى بيت منامه ، فلما كان السحر دعاه مؤيد الدولة فقبض عليه ، وأرسل إلى داره فأخذ جميع ما فيها ومن جملته ذلك المجلس بما فيه .