ذكر مدينة أبي كاليجار واسط ومسير جلال الدولة إلى الأهواز ونهبها ( وعود ملك واسط إليه )
في هذه السنة أصعد الملك إلى مدينة أبو كاليجار واسط فملكها ، وكان ابتداء ذلك أن ، صاحب الحلة والنيل ، ولم تكن الحلة بنيت ذلك الوقت ، خطب نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد في أعماله . لأبي كاليجار
وسببه أن أبا حسان المقلد بن أبي الأغر الحسن بن مزيد كان بينه وبين نور الدولة عداوة ، فاجتمع ، هو ومنيع أمير بني خفاجة ، وأرسلا إلى بغداذ يبذلان مالا [ ص: 713 ] يتجهز به العسكر لقتال نور الدولة ، فاشتد الأمر على نور الدولة ، فخطب به وراسله يطمعه في البلاد . لأبي كاليجار
ثم اتفق أنه ملك البصرة ، على ما ذكرناه ، فقوي طمعه ، فسار من الأهواز إلى واسط ، وبها ، ومعه جمع من الملك العزيز بن جلال الدولة الأتراك .
ففارقها العزيز ، وقصد النعمانية ، ففجر عليه نور الدولة البثوق من بلده ، فهلك كثير من أثقالهم ، وغرق جماعة منهم ، وخطب في البطيحة ، وورد إليه لأبي كاليجار نور الدولة .
وأرسل إلى أبو كاليجار قرواش ، صاحب الموصل ، وعنده الأثير عنبر ، يطلب ( منه أن ينحدر ) إلى العراق ليبقى جلال الدولة بين الفريقين . فانحدر إلى الكحيل ، فمات به الأثير عنبر ، ولم ينحدر معه قرواش ، وجمع جلال الدولة عساكره ، واستنجد أبا الشوك وغيره ، وانحدر إلى واسط ، ولم يكن بين العسكرين قتال ، وتتابعت الأمطار حتى هلكوا .
واشتد الأمر على جلال الدولة لفقره وقلة الأموال وغيره عنده ، فاستشار أصحابه فيما يفعل ، فأشاروا أن يقصدوا الأهواز وينهبها ، ويأخذ ما بها من أموال وعسكره . فسمع أبي كاليجار ذلك فاستشار أيضا أصحابه فقال بعضهم : ما عدل أبو كاليجار جلال الدولة عن القتل إلا لضعف فيه ، والرأي أن تسير إلى العراق فتأخذ من أموالهم ببغداذ أضعاف ما يأخذون منا ، فاتفقوا على ذلك فأتاهم جاسوس من أبي الشوك يخبر بمجيء عساكر إلى ( محمود بن سبكتكين طخر ، وأنهم ) يريدون العراق ، ويشير بالصلح ، واجتماع الكلمة على دفعهم عن البلاد . فأنفذ الكتاب إلى أبو كاليجار جلال الدولة ، وقد سار إلى الأهواز وأقام ينتظر الجواب ظنا منه أن جلال الدولة يعود بالكتاب ، فلم يلتفت جلال الدولة ومضى إلى الأهواز فنهبها ، وأخذ من دار الإمارة مائتي ألف دينار ، وأخذوا ما لا يحصى ، ودخل الأكراد والأعراب وغيرهم إلى البلد ، فأهلكوا الناس بالنهب والسبي ، وأخذت والدة أبي [ ص: 714 ] كاليجار وابنته وأم ولده وزوجته ، فماتت أمه ، وحمل من عداها إلى بغداذ .
ولما سمع الخبر سار ليلقى أبو كاليجار جلال الدولة فتخلف عنه ، خوفا على أهله وحلله من خفاجة ، والتقى دبيس بن مزيد ، أبو كاليجار وجلال الدولة آخر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين [ وأربعمائة ] ، فاقتتلوا ثلاثة أيام ، وانهزم ، وقتل من أصحابه ألفا رجل ، ووصل إلى أبو كاليجار الأهواز بأسوأ حال ، فأتاه العادل بن مافنة بمال ، فحسنت حاله .
وأما جلال الدولة فإنه عاد واستولى على واسط ، وجعل ابنه العزيز بها ، وأصعد إلى بغداذ ، ومدحه المرتضى ومهيار وغيرهما ، وهنأوه بالظفر .