ذكر ببغداذ الفتنة
في هذه السنة في ربيع الأول ، تجددت الفتنة ببغداذ بين السنة والشيعة .
وكان سبب ذلك أن الملقب بالمذكور أظهر العزم على الغزاة واستأذن الخليفة في ذلك ، فأذن له ، وكتب له منشور من دار الخلافة ، وأعطي علما ، فاجتمع له لفيف كثير ، فسار واجتاز بباب الشعير ، وطاق الحراني ، وبين يديه الرجال بالسلاح فصاحوا بذكر أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وقالوا : هذا يوم معاوية ، فنافرهم أهل الكرخ ورموهم ، وثارت الفتنة ونهبت دور اليهود لأنهم قيل عنهم إنهم أعانوا أهل الكرخ .
فلما كان الغد اجتمع السنة من الجانبين ، ومعهم كثير من الأتراك ، وقصدوا الكرخ ، فأحرقوا وهدموا الأسواق ، وأشرف أهل الكرخ على خطة عظيمة . وأنكر الخليفة ذلك إنكارا شديدا ، ونسب إليهم تخريق علامته التي مع الغزاة ، فركب الوزير ، فوقعت في صدره آجرة ، فسقطت عمامته ، وقتل من أهل الكرخ جماعة ، وأحرق وخرب في هذه الفتنة سوق العروس ، وسوق الصفارين ، وسوق الأنماط ، وسوق الدقاقين ، وغيرها ، واشتد الأمر ، فقتل العامة الكلالكي ، وكان ينظر في المعونة ، وأحرقوه .
[ ص: 749 ] ووقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه ، واقتتل أهل الكرخ ، ونهر طابق ، والقلائين ، وباب البصرة ، وفي الجانب الشرقي أهل سوق الثلاثاء ، وسوق يحيى ، وباب الطاق ، والأساكفة ، والرهادرة ، ودرب سليمان ، فقطع الجسر ليفرق بين الفريقين ، ودخل العيارون البلد ، وكثر الاستقفاء بها والعملات ليلا ونهارا . وأظهر الجند كراهة الملك جلال الدولة ، وأرادوا قطع خطبته ، ففرق فيهم مالا وحلف لهم فسكنوا ، ثم عاودوا الشكوى إلى الخليفة منه ، وطلبوا أن يأمر بقطع خطبته ، فلم يجبهم إلى ذلك فامتنع حينئذ جلال الدولة من الجلوس ، وضربه النوبة أوقات الصلوات ، وانصرف الطبالون لانقطاع الجاري لهم ، ودامت هذه الحال إلى عيد الفطر ، فلم يضرب بوق ، ولا طبل ، ولا أظهرت الزينة ، وزاد الاختلاط .
ثم حدث في شوال فتنة بين أصحاب الأكسية وأصحاب الخلعان ، وهما شيعة ، وزاد الشر ، ودام إلى ذي الحجة ، فنودي في الكرخ بإخراج العيارين ، فخرجوا ، واعترض أهل باب البصرة قوما ( من قم ) أرادوا زيارة مشهد علي والحسين ، عليهما السلام ، فقتلوا منهم ثلاثة نفر ، وامتنعت زيارة مشهد موسى بن جعفر .