الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 133 ] ( ويتخذ ) ندبا ( مزكيا ) بصفته الآتية وأراد به الجنس ، وكذا ما بعده ؛ إذ لا يكفي واحد ( وكاتبا ) ؛ لأنه يحتاج إليه لكثرة أشغاله وكان له صلى الله عليه وسلم كتاب فوق الأربعين وإنما يندب هذا إن لم يطلب أجرا ، أو رزق من بيت المال ، وإلا لم يعينه ندبا . وقال القاضي : وجوبا ؛ لئلا يغالي في الأجرة ويأتي ذلك في المترجمين ، والمسمعين .

                                                                                                                              ( ويشترط كونه ) أي : الكاتب حرا ذكرا ( مسلما عدلا ) لتؤمن خيانته ( عارفا بكتابة محاضر وسجلات ) وسيأتي الفرق بينهما ، وقد يترادفان على مطلق المكتوب وسائر الكتب الحكمية ؛ لأن الجاهل بذلك يفسد ما يكتبه ( ويستحب ) فيه ( فتحه ) فيما يكتبه أي : زيادته من التوسع في معرفة الشروط ومواقع اللفظ ، والتحرز عن الموهم ، والمختل ؛ لئلا يؤتى من الجهل . ومن اشترط فقهه أراد المعرفة بما لا بد منه من أحكام الكتابة وعفة عن الطمع ؛ لئلا يستمال ( ووفور عقل ) اكتسابي ليزيد ذكاؤه وفطنته فلا يخدع ( وجودة خط ) وإيضاحه مع ضبط الحروف وترتيبها وتضييقها ؛ لئلا يقع فيها إلحاق ، وتبيينها حتى لا تشتبه نحو سبعة بتسعة ، ومعرفته بحساب المواريث وغيرها لاضطراره إليه وفصاحته وعلمه بلغات الخصوم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : هذا إن لم يطلب أجرا ) وإلا يندب اتخاذه كالقاسم ، والمقوم [ ص: 134 ] والمترجم ، والمسمع ، والمزكي م ر ش .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن : ويتخذ مزكيا ) أي لشدة الحاجة إليه ليعرف حال من يجهل ؛ لأنه لا يمكنه البحث عنهم . ا هـ . مغني . ( قوله : بصفته الآتية ) أي : في آخر الباب . ا هـ . مغني . ( قوله : إذ لا يكفي واحد ) فيه تغليب بالنسبة للكاتب فمعناه بالنسبة إليه أنه لا يجب الاقتصار على واحد . ا هـ . رشيدي . ( قوله : وإنما يندب هذا ) أي : اتخاذ الكاتب ( قوله : وإلا لم يعينه إلخ ) عبارة النهاية ، وإلا لم يندب اتخاذه إلا إن تعين كالقاسم ، والمقوم ، والمترجم ، والمسمع ، والمزكي لئلا يغالوا في الأجرة . ا هـ . ( قوله : لئلا يغالي في الأجرة ) ( فروع ) للقاضي ، وإن وجد كفايته أخذ كفايته وعياله من نفقتهم وكسوتهم وغيرهما مما يليق بحالهم من بيت المال ليتفرغ للقضاء إلا أن يتعين للقضاء ، ووجد ما يكفيه وعياله فلا يجوز له أخذ شيء ؛ لأنه يؤدي فرضا تعين عليه وهو واجد للكفاية ، ويسن لمن لم يتعين إذا كان مكتفيا ترك الأخذ . ومحل جواز الأخذ للمكتفي ولغيره إذا لم يوجد متطوع بالقضاء صالح له ، وإلا فلا يجوز كما صرح به الماوردي ، ولا يجوز أن يرزق القاضي من خاص مال الإمام ، أو غيره من الآحاد ، ولا يجوز له قبوله وفارق نظيره في المؤذن بأن ذاك لا يورث فيه تهمة ولا ميلا ؛ لأن عمله لا يختلف وفي المفتي بأن القاضي أجدر بالاحتياط منه ولا يجوز عقد الإجارة على القضاء كما مر في بابها وأجرة الكاتب ولو كان القاضي وثمن الورق الذي يكتب فيه المحاضر ، والسجلات وغيرهما من بيت المال ، فإن لم يكن فيه مال ، أو احتيج إليه لما هو أهم فعلى من له العمل من مدع ومدعى عليه إن شاء كتابة ما جرى في خصومته ، وإلا فلا يجبر على ذلك ، لكن يعلمه القاضي أنه إذا لم يكتب ما جرى فقد ينسى شهادة الشهود وحكم نفسه .

                                                                                                                              وللإمام أن يأخذ من بيت المال لنفسه ما يليق به من خيل وغلمان ودار واسعة ، ولا يلزمه الاقتصار على ما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، والخلفاء الراشدون ، والصحابة رضي الله عنهم أجمعين ؛ لبعد العهد عن زمن النبوة التي كانت سببا للنصر بالرعب في القلوب فلو اقتصر اليوم على ذلك لم يطع وتعطلت الأمور ، ويرزق الإمام أيضا من بيت المال كل من كان عمله مصلحة عامة للمسلمين كالأمير ، والمفتي ، والمحتسب ، والمؤذن وإمام الصلاة ومعلم القرآن وغيره من العلوم الشرعية ، والقاسم ، والمقوم ، والمترجم وكاتب الصكوك ، فإن لم يكن في بيت المال شيء لم يندب أن يعين قاسما ولا كاتبا ولا مقوما ولا مترجما ولا مسمعا وذلك ؛ لئلا يغالوا بالأجرة مغني وروض مع شرحه وكذا في النهاية إلا قولهما : ولا يجوز له إلى ولا يجوز عقد الإجارة قال ع ش : قوله : وعياله هل المراد منهم من تلزمه مؤنتهم ، أو كل من في نفقته ، وإن كان ينفق عليهم مروءة كعمته وخالته مثلا فيه نظر ، وقياس ما اعتمده في قسم الصدقات بالنسبة لمن يأخذ الزكاة الأول ، وقد يقال وهو الأقرب : إنه يأخذ ما يحتاج إليه ولو لمن لا تلزمه نفقته ، ويفرق بأن هذا في مقابلة عمل قد يقطعه عن الكسب بخلاف الزكاة فإنها لمحض المواساة .

                                                                                                                              وقوله : ولا يجوز أن يرزق إلخ لعل المراد أنه لا يجب على الإمام أن يعطي من خاص ماله ولا الآحاد ، أما لو دفع أحدهما تبرعا لم يمتنع قبوله وقوله ، ويرزق الإمام إلخ أي : وجوبا وإن وجد ما يكفيه قياسا على القاضي ؛ لأن ما يأخذ في مقابلة عمله فلو لم يعط ربما ترك العمل فتتعطل مصالح المؤمنين وقياس ما مر عن الماوردي أن محله في المكتفي إذا لم يوجد متطوع بالعمل غيره وقوله : من العلوم الشرعية أي : التي لها تعلق بالشرع فيشمل الفقه ، والحديث ، والتفسير ، وما كان آلة لها . ا هـ . كلام ع ش وقوله : لعل المراد إلخ يعلم رده مما مر عن المغني ، والأسنى آنفا ( قوله : ويأتي ذلك ) أي : قوله : وإنما يندب إلخ . ( قوله : في المترجمين إلخ ) بصيغة التثنية . ( قوله : وسائر الكتب إلخ ) عطف على محاضر . ( قوله : أي : زيادته ) أي : الفقه وقوله : من التوسع إلخ بيان للزيادة .

                                                                                                                              ( قوله : لئلا يؤتى ) أي : يدخل عليه الخلل . ا هـ . ع ش . ( قوله : وعفة إلخ ) عطف على فقه . ( قوله : اكتسابي ) أي : أما التكليفي فشرط كما مر . ا هـ . مغني ( قوله : وفطنته ) عطف تفسير . ا هـ . ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية