الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو قال : إن قدم زيد فلله علي صوم اليوم التالي ليوم قدومه ) من تلوته وتليته تبعته وتركته فهو ضد والتلو بالكسر ما يتلو الشيء والمراد بالتالي هنا التابع من غير فاصل ( وإن قدم عمرو فلله علي صوم أول خميس بعده ) أي يوم قدومه ( فقدما ) معا أو مرتبا ( في الأربعاء ) بتثليث الباء والمد ( وجب صوم يوم الخميس عن أول النذرين ) لسبقه ( ويقضي الآخر ) لتعذر الإتيان به في وقته نعم يصح مع الإثم صوم الخميس عن النذر الثاني ويقضي يوما آخر عن النذر الأول وفي المجموع ، لو قال إن قدم فعلي أن أصوم أمس يوم قدومه لم يصح نذره على المذهب ووقع لشارح أنه قال عنه : صح نذره على المذهب وغلط فيه ونظير ما ذكر ما لو قال إن شفى الله مريضي فعلي عتق هذا ثم قال إن قدم غائبي فعلي عتقه فحصل الشفاء والقدوم لكن في هذه آراء ، رأى القاضي كما فهمه في التوسط عنه عدم انعقاد النذر الثاني ويعتق عن الأول ورأى العبادي الانعقاد ويعتق عن السابق كما نقله القاضي عنه ولا يوجب الأخير شيئا فإن وقعا معا أقرع بينهما وثمرة الإقراع أن أي نذر خرجت القرعة له أعتقه عنه

                                                                                                                              ورأى البغوي أنه موقوف فإن وجدت الأولى عتق عنها وإلا فعن الثانية والذي يتجه ترجيحه هو الأخير ؛ لأن النذر يقبل التعليق حتى بالمعدوم وحينئذ فإذا علق بالقدوم لم يمكن إلغاؤه ؛ لاحتمال عدم العتق عن الأول ، والعتق يحتاط له ولا صحته الآن لمعارضة نذره الأول له وهو أولى بسبقه فوجب العمل بقضيته ما أمكن وإذا تعارضا لزم القول بوقفه وقف تبين فإن وجد الأول عتق عنه مطلقا وإلا عتق عن الثاني فإن قلت : صحة بيع المعلق عتقه بدخول مثلا ووقفه تؤيد صحة نذر الثاني حتى يترتب عليه ما ذكر عن العبادي قلت : يفرق بأن الدخول المعلق به أولا لا التزام فيه فجاز الرجوع عنه بنحو البيع بخلاف النذر هنا فإنه تعلق بالأول وهو لا يجوز الرجوع عنه ، ولا إبطاله وصحة نذر الثاني يلزمها ذلك بخلاف القول بالوقف فتعين ؛ لأن فيه وفاء بكل من الأول والثاني في الجملة فتأمله .

                                                                                                                              قيل ويؤخذ [ ص: 87 ] من صحة النذر الثاني صحة بيعه قبل وجود الصفة ا هـ وفيه نظر ؛ لأن النذر الثاني وإن قلنا بصحته لا يبطل العتق المستحق من أصله بخلاف البيع

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : ورأى العبادي الانعقاد ) كتب على رأي م ر . ( قوله : وهو لا يجوز الرجوع عنه إلخ ) هذا يدل على امتناع بيعه قبل وجود الصفة خلاف قوله الآتي نعم إلخ فليتأمل .

                                                                                                                              . ( قوله : يلزمها ذلك ) قد يمنع بدليل العتق عن أول النذرين وفائدة صحة الثاني أنه إذا تعذر حصول الأول عتق عن الثاني . ( قوله : نعم يؤخذ إلخ ) اقتصر عليه شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله : أيضا نعم إلخ ) غير موجود في النسخة المصلح - [ ص: 87 ] عليها المتأخرة عن هذه ويحتمل سقوطه منها أو الرجوع عنه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن ولو قال إن قدم زيد فلله علي إلخ ) قال الأذرعي كلام الأئمة ناطق بأن هذا النذر المعلق بالقدوم نذر شكر على نعمة القدوم فلو كان قدومه لغرض فاسد للناذر كامرأة أجنبية يهواها أو أمرد يتعشقه أو نحوهما فالظاهر أنه لا ينعقد كنذر المعصية وهذا كما قال شيخنا سهو منشؤه اشتباه الملتزم بالمعلق به والذي يشترط كونه قربة الملتزم لا المعلق به والملتزم هنا الصوم وهو قربة فيصح نذره سواء كان المعلق به قربة أم لا ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله : تبعته وتركته ) هو تفسير لمطلق التلو وإلا فالمأخوذ منه هنا تلوته بمعنى تبعته خاصة ا هـ رشيدي . ( قوله : ووقع لشارح ) وهو ابن شهبة ا هـ مغني . ( قوله : قال عنه ) أي عن المجموع . ( قوله : لم يصح نذره على المذهب ) فيه أنه يمكن الوفاء به بأن يعلم يوم قدوم زيد فيصوم اليوم الذي قبله كما يصوم في نذر صوم يوم قدوم زيد ا هـ رشيدي زاد الحلبي إلا أن يقال أمس لا يتصور وجوده بالنسبة للمستقبل ؛ لأنه جعله متعلقا بجزاء الشرط فيكون مستقبلا بخلاف يوم قدوم زيد وحينئذ قوله : أمس مثل قوله اليوم الذي قبل يوم قدوم زيد حرر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وغلط فيه ) عبارة المغني قال شيخنا ما نقل عنه أي المجموع من أنه قال يصح نذره على المذهب سهو ا هـ ولعل نسخه أي المجموع مختلفة وبالجملة فالمعتمد الصحة ؛ لأنه قد يعلم ذلك بإخبار ثقة مثلا كما مر ا هـ أقول هذا خلاف صنيع صريح الشارح كالنهاية وشرحي الروض والمنهج من عدم صحة النذر . ( قوله : ونظير ما ذكر ) أي في المتن . ( قوله : لكن في هذه آراء إلخ ) والأرجح انعقاد النذر الثاني وعتقه عن السابق منهما ولا يجب للآخر شيء إذ لا يمكن القضاء فيه بخلاف الصوم فإن وقعا معا أقرع بينهما نهاية وهذا الذي في النهاية كان في أصل الشارح ثم ضرب عليه وأبدله بما ترى ا هـ سيد عمر أقول وعقب الأسنى كلام الروض الموافق لكلام النهاية بما نصه كذا نقله في الروضة عن فتاوى القاضي عن العبادي والذي فيها عنه أن النذر الثاني موقوف فإن شفي المريض قبل القدوم أو بعده أو معه بان أنه لم ينعقد والعبد مستحق العتق عن الأول وإن مات انعقد وأعتق العبد عنه وكذا ذكره البغوي في فتاويه ا هـ زاد المغني وهذا أوجه ولو نذر من يموت أولاده عتق رقيق إن عاش له ولد فعاش له ولد أكثر من أولاده الموتى ولو قليلا لزمه العتق ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : عن السابق ) أي من الشفاء والقدوم . ( قوله : كما نقله القاضي عنه ) قد مر آنفا عن الأسنى والمغني رده بأن ما في فتاوى القاضي عن العبادي موافق لما في فتاوى البغوي . ( قوله : الأولى ) وهي الشفاء . ( قوله : عتق ) الأولى هنا وفي نظيريه الآتيين أعتق من باب الأفعال . ( قوله : وإذا تعارضا ) أي الإلغاء والتصحيح . ( قوله : فإن وجد الأول ) وهو الشفاء . ( قوله : مطلقا ) أي سواء وجد الثاني معه أو قبله أو بعده . ( قوله : وإلا ) أي بأن مات المريض . ( قوله : صحة بيع المعلق عتقه إلخ ) كأن قال إن دخلت داري فأنت حر . ( قوله : ووقفه ) أي وصحة وقف المعلق إلخ . ( قوله : عنه ) أي عن تعليق العتق بالدخول .

                                                                                                                              ( قوله : بنحو البيع ) أي كالوقف . ( قوله : بالأول ) أي بالشفاء . ( قوله : وهو إلخ ) أي النذر . ( قوله : يلزمها ذلك ) قد يمنع بدليل العتق عن أول النذرين وفائدة صحة الثاني أنه إذا تعذر حصول الأول عتق عن الثاني ا هـ سم . ( قوله : ويؤخذ ) إلى قوله ا هـ في النهاية وكذا كان في أصل الشارح - [ ص: 87 ] أخذا من قول سم ما نصه قوله : نعم يؤخذ إلخ اقتصر عليه ش م ر وهو غير موجود في النسخ المصلح عليها المتأخرة عن هذه ويحتمل سقوطه منها والرجوع عنه ا هـ . ( قوله : وفيه نظر إلخ ) ويأتي في الفروع ما ملخصه أن البيع موقوف وقف تبين فإن وجدت الصفة تبين عدم صحة البيع ، وإلا كأن مات المريض تبين صحته




                                                                                                                              الخدمات العلمية