الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 304 ] ( تنبيه ) يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله يثبت ما يدعيه فتطالب القضاة المدعي بالإثبات لفهمهم أن ذلك جواب صحيح وفيه نظر ظاهر إذ طلب الإثبات لا يستلزم اعترافا ولا إنكارا فتعين أن لا يكتفى منه بذلك بل يلزم بالتصريح بالإنكار أو الإقرار ( فإن ادعى ) عليه ( عشرة ) مثلا ( فقال لا يلزمني العشرة لم يكف ) في الجواب ( حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف ) إن توجهت اليمين عليه ؛ لأن مدعي العشرة مدع بكل جزء منها فلا بد أن يطابق الإنكار واليمين دعواه وإنما يطابقانها إن نفى كل جزء منها ( فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فناكل ) عما دون العشرة ( فيحلف المدعي على استحقاق دون عشرة بجزء ) وإن قل من غير تجديد دعوى ( ويأخذه ) لما يأتي أن النكول مع اليمين كالإقرار نعم إن نكل المدعى عليه عن العشرة وقد اقتصر القاضي في تحليفه على عرض اليمين عليها فقط لم يحلف المدعي على استحقاق ما دونها إلا بعد تجديد دعوى ونكول الخصم ؛ لأنه إنما نكل عنها فلا يكون ناكلا عن بعضها هذا إن لم يسند المدعى به لعقد وإلا كأن ادعت أنه نكحها بخمسين وطالبته بها كفاه نفي العقد بها والحلف عليه فإن نكل لم تحلف هي على أنه نكحها بدون الخمسين [ ص: 305 ] لأنه ينافي دعواها أولا وهو النكاح بالخمسين فيجب مهر المثل ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار وله تحليفه ؛ لأنه لا يأمن أن يدعي عليه بما دفعه بعد وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعي .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : تنبيه يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله يثبت ما يدعيه إلخ ) ويقع أيضا أنه أعني المدعى عليه بعد الدعوى عليه بقول ما بقيت أتحاكم عندك أو ما بقيت أدعي عندك والوجه أنه يجعل بذلك منكرا ناكلا فيحلف المدعي ويستحق ولو تنازعا قبل الدعوى فطلب أحدهما الأصل أي : القاضي الكبير وطلب الآخر نائبه أجيب من طلب الأصل في وقت انتصابه للحكم م ر . ( قوله : نعم إن نكل ) كأنه أراد بالنكول الإنكار مع الحلف وإلا فالنكول عن اليمين يقتضي حلف المدعي على العشرة واستحقاقها . ( قوله : فإن نكل لم تحلف هي على أنه نكحها بدون الخمسين ) أي : بل إن حلفت يمين الرد قضي لها واستحقت الخمسين ؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار وإن لم تحلف لم تستحق شيئا ؛ لأن مجرد الدعوى [ ص: 305 ] مع نكول المدعى عليه لا يثبت شيئا هذا هو الموافق للقواعد فقول الشارح : فيجب مهر المثل . فيه نظر ظاهر سواء بنى ذلك على حلفها يمين الرد أو على عدمه لا يقال وجه قوله فيجب مهر المثل أن الزوج معترف بالنكاح ؛ لأنا نقول لا نسلم أنه معترف به ؛ لأن إنكاره أنه نكح بخمسين شامل لإنكاره نفس النكاح ولو سلم فمجرد الاعتراف بالنكاح لا يوجب مهر المثل بمجرد دعوى الزوجة كما يعلم بمراجعة ما تقدم في بحث الاختلاف قبيل الوليمة فراجعه وتأمله تعرفه ثم بحثت بجميع ذلك مع م ر فوافق عليه . ( قوله : وقد اقتصر القاضي في تحليفه على عرض اليمين عليها فقط ) أي : ولم يقل ولا شيء منها . ( قوله : لم تحلف هي إلخ ) قال في شرح البهجة إلا إذا استأنفت الدعوى عليه ببعض الخمسين فإنها تحلف لنكوله كما في الروضة وأصلها ا هـ



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله عليه ) إلى قول المتن وقيل في النهاية ، إلا قوله : فيجب مهر المثل وكذا في المغني إلا قوله : أو عفو في الثانية ، وقوله : وجواب دعوى ألف إلى ويكفي . ( قول المتن فقال : لا تلزمني إلخ ) وإن قال في جوابه : هي عندي أو ليس لك عندي شيء فذاك ظاهر . مغني . ( قول المتن حتى يقول ولا بعضها إلخ ) وإن ادعى دارا بيد غيره فأنكره ، فلا بد أن يقول في حلفه : ليست لك ولا شيء منها ، ولو ادعى أنه باعه إياها كفاه أنه لم يبعها مغني وروض مع شرحه .

                                                                                                                              ( قوله وإنما يطابقانها إلخ ) أي : وقوله لا يلزمني العشرة إنما هي نفي لمجموعها ، ولا يقتضي نفي كل جزء منها مغني . ( قول المتن فناكل ) ينبغي أن يكون محله في غير معذور لجهل أو دهش ، وإلا فهو مشكل فليتأمل وليحرر سيد عمر عبارة البجيرمي قوله : فناكل عما دونها ، في هذه العبارة بعض إجمال ؛ لأنه لا يكون ناكلا بمجرد حلفه على نفي العشرة ، بل لا بد بعد هذا الحلف أن يقول له القاضي : هذا غير كاف قل ولا بعضها ، فإن لم يحلف كذلك فناكل كل عما دونها شيخنا عزيزي ا هـ . ( قوله وإن قل ) شامل لما لا يتمول ، وهو ظاهر إن ادعى بقاء العين ، فإن كانت تالفة فلا ؛ لأنه لا مطالبة بما لا يتمول ع ش وفيه تأمل ؛ لأن المطلوب هنا إنما هو غير الأقل لا الأقل .

                                                                                                                              ( قوله نعم إن نكل المدعى عليه إلخ ) كأنه أراد بالنكول الإنكار مع الحلف ، وإلا فالنكول عن اليمين يقتضي حلف المدعي على العشرة واستحقاقها سم . وأقول : قوله : وإلا فالنكول إلخ إنما ينتج ما ادعاه لو لم يصح تاليه ، والحال لا محذور في التزام صحته ، فحاصل المقام أنه إذا أجاب المدعى عليه : بلا تلزمني العشرة ولا جزء منها ، واستحلفه القاضي على العشرة فقط فنكل عن الحلف عليها ، فللمدعي أن يحلف على استحقاقها من غير تجديد دعوى ، وليس له أن يحلف على استحقاق ما دونها ، إلا بعد تجديد دعوى ونكول المدعى عليه ، فهذا لا محذور فيه فليراجع ، ثم رأيت في الأنوار ما نصه : وإذا عرضه القاضي اليمين على العشرة ودونها فحلف على نفي العشرة ، واقتصر عليه فناكل عما دون العشرة ، وللمدعي الحلف على استحقاق ما دونها بقليل ، ولو نكل المدعى عليه من مطلق اليمين ، وأراد المدعي الحلف على بعض العشرة ، فإن عرض القاضي اليمين على العشرة وعلى كل جزء منها ، فله الحلف على بعضها ، وإن عرض على العشرة وحدها لم يكن له الحلف على بعضها ، بل يستأنف الدعوى للبعض الذي يريد الحلف عليه ا هـ . ويتضح بذلك عدم إرادة ما قاله المحشي سم . وأن كلام الشارح على ظاهره ولا محذور فيه ، والله أعلم .

                                                                                                                              ( قوله فقط ) أي : ولم يقل ولا شيء منها نهاية . ( قوله نكحها إلخ ) أي أو باعها داره روض ونهاية . ( قوله فإن نكل لم تحلف هي إلخ ) أي : بل إن حلفت يمين الرد قضي لها واستحقت الخمسين ؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار ، وإن لم تحلف لم تستحق شيئا ؛ لأن مجرد الدعوى مع نكول المدعى عليه لا يثبت شيئا ، هذا هو الموافق للقواعد ، فقول الشارح فيجب مهر المثل فيه نظر ظاهر ، سواء بنى ذلك على حلفها يمين الرد أو على عدمه لا يقال : وجه قوله : فيجب مهر المثل أن الزوج معترف بالنكاح ، لأنا نقول : لا نسلم أنه معترف به ؛ لأن إنكاره أنه نكح بخمسين شامل لإنكار نفس النكاح ، ولو سلم فمجرد الاعتراف بالنكاح لا يوجب مهر المثل بمجرد دعوى الزوجية ، كما يعلم بمراجعة ما تقدم في بحث الاختلاف قبيل الوليمة فراجعه وتأمله تعرفه . ثم بحثت بجميع ذلك مع م ر فوافق عليه ا هـ . سم . ولك أن تجيب : بحمل كلام الشارح على الاعتراف وتقدير إلا إن ثبت خلافه أخذا مما يأتي في دعوى ألف صداقا . ( قوله لم تحلف هي على أنه إلخ ) قال في شرح البهجة : إلا إذا استأنفت الدعوى عليه ببعض الخمسين ، فإنها تحلف عليه لنكوله كما في الروضة وأصلها سم . وعبارة الأسنى والنهاية : إلا بدعوى [ ص: 305 ] جديدة ونكول المدعى عليه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لأنه ينافي دعواها أولا ) ظاهره : أن حلفها المنفي أنه تزوجها بخمسة مثلا ، وحينئذ فقولهم : إلا بدعوى جديدة مشكل ؛ لأنها لا تخرج بها عن المنافاة ، والظاهر : أن المراد بالذي تحلف عليه بدعوى جديدة استحقاقها للخمسة مثلا ، لا أنه نكحها بالخمسة ، وعبارة الرافعي وإن استأنفت وادعت عليه ببعض الذي جرى النكاح عليه فيما زعمت جاز لها الحلف عليه انتهت . فقوله : ببعض الذي جرى النكاح عليه صريح فيما ذكرته ، فعلم أنه ليس لها أن تدعي بعد بأنه نكحها بأقل رشيدي وقوله عبارة الرافعي إلخ مثلها في الأنوار ، ومر آنفا مثلها أيضا عن سم عن شرح البهجة . ( قوله لم يلزمه قبوله ) مفهومه : جواز القبول وقوله : من غير إقرار أي : من المدعى عليه وقوله وله تحليفه أي : للمدعي ع ش . ( قوله فيلزمه الحاكم إلخ ) عبارة المغني : فله أن يحلفه ويقول له الحاكم : إما أن تقر بالحق أو يحلف المدعي بعد نكولك ا هـ . وقوله : بعد نكولك لا حاجة إليه ؛ لأن الكلام فيمن تحقق نكوله .

                                                                                                                              ( قوله بأن يقر وإلا حلف المدعي ) لعل علته ما مر قبله رشيدي




                                                                                                                              الخدمات العلمية