الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وإن نذر المشي ) إلى الحرم أو جزء منه ( أو ) نذر ( أن يحج أو يعتمر ماشيا فالأظهر وجوب المشي ) من المكان الآتي بيانه إلى الفساد أو الفوات أو فراغ التحللين وإن بقي عليه رمي بعدهما أو فراغ جميع أركان العمرة وله الركوب في حوائجه خلال النسك وإنما لزمه المشي في ذلك ؛ لأنه التزم جعله وصفا للعبادة كما لو نذر أن يصلي قائما ، وكون الركوب أفضل لا ينافي ذلك لأن المشي قربة مقصودة في نفسها وهذا هو الشرط في النذر ، وأما انتفاء وجود أفضل من الملتزم فغير شرط اتفاقا فاندفع ما للشارح هنا وعجيب ممن زعم التنافي بين كون المشي مقصودا وكونه مفضولا

                                                                                                                              وفي خبر ضعيف على ما فيه { : من حج مكة ماشيا حتى يرجع إليها كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم الحسنة بمائة ألف حسنة } ومع كون الركوب أفضل لا يجزئ عن المشي فيلزم به دم تمتع كعكسه ؛ لأنهما جنسان متغايران فلم يجز أحدهما عن الآخر كذهب عن فضة وعكسه ويفرق بين هذا ونذر الصلاة قاعدا فإنه يجزئه القيام بأن القيام أو القعود من أجزاء الصلاة الملتزمة فأجزأ الفاضل عن المفضول ؛ لأنه وقع تبعا والمشي والركوب خارجان عن ماهية الحج وسببان متغايران إليه مقصودان فلم يجز أحدهما عن الآخر وأيضا فالقيام قعود وزيادة كما صرحوا به فوجد المنذور هنا بزيادة ولا كذلك في الركوب والذهب مثلا نعم يشكل على ذلك قولهم لو نذر شاة أجزأه بدلها بدنة ؛ لأنها أفضل وقد يفرق بأن الشارع جعل بعض البدنة مجزيا عن الشاة حتى في نحو الدماء الواجبة فإجزاء كلها أولى بخلاف الذهب عن الفضة وعكسه فإنه لم يعهد في نحو [ ص: 89 ] الزكاة فلم يجز أحدهما عن الآخر .

                                                                                                                              ولو أفسد نسكه أو فاته لم يلزمه فيه مشي بل في قضائه ؛ لأنه الواقع عن نذره ( فإن كان قال أحج ) أو أعتمر ( ماشيا ) أو عكسه ( ف ) يلزمه المشي ( من حيث يحرم ) من الميقات أو قبله وكذا من حيث عن له بعده فيما إذا جاوزه غير مريد نسكا ثم عن له فإن جاوزه مريدا غير محرم راكبا ، فينبغي لزوم دمين للمجاوزة والركوب تنزيلا لما وجب فعله منزلة فعله ثم رأيت كلام البلقيني الآتي وهو صريح فيما ذكرته ( ولو قال : أمشي إلى بيت الله ) بقيده السابق ( ف ) يلزمه المشي مع النسك ( من دويرة أهله في الأصح ) ؛ لأن قضية لفظه أن يخرج من بيته ماشيا ( وإذا أوجبنا المشي ) كما هو المعتمد ( فركب لعذر ) يبيح ترك القيام في الصلاة ( أجزأه ) نسكه عن نذره لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر من عجز عنه بالركوب ( وعليه دم ) كدم التمتع ( في الأظهر ) لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر أخت عقبة بن عامر أن تركب وتهدي هديا وحملوه على أنها عجزت كما هو الغالب وقيد البلقيني وجوب الدم بما إذا ركب بعد الإحرام مطلقا أو قبله وبعد مجاوزة الميقات مسيئا وإلا فلا إذ لا خلل في النسك يوجب دما وفارق ذلك ما لو نذر الصلاة قائما فقعد لعجز بأنه لم يعهد جبرها بمال ( أو ) ركب ( بلا عذر أجزأه على المشهور ) وإن عصى كترك الإحرام من الميقات ( وعليه دم ) على المشهور أيضا كدم التمتع ؛ لأنه إذا وجب مع العذر فمع عدمه أولى

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : فالأظهر وجوب المشي ) قال في شرح الروض : وظاهر أن محل لزومه إذا كان قادرا عليه حالة النذر وإلا بأن لم يمكنه أو أمكنه بمشقة شديدة لم يلزمه ذكره الزركشي انتهى وظاهره انعقاد النذر عند عدم القدرة ، لكن لا يلزمه المشي . ( قوله : إلى الفساد أو الفوات ) أخرج ما بعدهما وسيأتي [ ص: 89 ] أول الصفحة الآتية ( قوله : لما ) أي : الإحرام ( قوله : وعليه دم ) هل يتكرر الركوب ؟ ( قوله : وإلا فلا ) هذا شامل لمسألة المشي إلى بيت الله .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن وإن نذر المشي أو أن يحج إلخ ) أي وهو قادر على المشي حين النذر ، أما العاجز فلا يلزمه مشي ولو قدر عليه بمشقة شديدة لم يلزمه أيضا كما ذكره الزركشي ا هـ مغني وفي سم بعد ذكر مثله عن الأسنى ما نصه وظاهره انعقاد النذر عند عدم القدرة لكن لا يلزمه مشي ا هـ . ( قوله : الآتي بيانه ) أي آنفا في المتن . ( قوله : إلى الفساد أو الفوات ) أخرج ما بعدهما وسيأتي قبيل المتن ا هـ سم . ( قوله : أو فراغ التحللين ) ويحصل ذلك برمي جمرة العقبة والحلق والطواف مع السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ا هـ ع ش . ( قوله : وإن بقي عليه رمي إلخ ) عبارة المغني ولا يجب عليه أن يستمر حتى يرمي ويبيت ؛ لأنهما خارجان من الحج خروج السلام الثاني ا هـ . ( قوله : رمى بعدهما ) أي لأيام التشريق ا هـ ع ش . ( قوله : في حوائجه ) لغرض تجارة أو غيرها ا هـ مغني . ( قوله : ؛ لأن المشي قربة إلخ ) لعل المراد أنه مقصود من حيث كونه إتيانا للحرم مثلا ا هـ رشيدي . ( قوله : وهذا هو الشرط إلخ ) أي وكونه قربة مقصودة في نفسها هو الشرط في صحة النذر ا هـ رشيدي . ( قوله : فيلزمه به ) أي بالمشي إذا نذر الركوب . ( قوله : كعكسه ) عبارة الروض فرع

                                                                                                                              لو نذر الركوب فمشى لزمه دم انتهت فانظر لو سافر في سفينة هل يقوم مقام الركوب حتى لا يلزمه دم مطلقا أو بشرط أن لا تزيد مؤنة الركوب أو تعبه أو لا يقوم مقامه مطلقا ا هـ سم أقول مقتضى تعليلهم أفضلية الركوب بأن فيه تحمل زيادة مؤنة في سبيل الله الاحتمال الثاني والله أعلم . ( قوله : كذهب عن فضة إلخ ) أي فيما إذا نذر التصدق بأحدهما . ( قوله : فأجزأ الفاضل إلخ ) فعل ففاعل . ( قوله : ؛ لأنه وقع تبعا ) يتأمل مع قوله من أجزاء الصلاة ا هـ رشيدي . ( قوله : إليه ) متعلق بسببان ا هـ رشيدي . ( قوله : فلم يجز أحدهما إلخ ) أي في الخروج عن عهدة النذر ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله : وأيضا فالقيام قعود وزيادة ) لعل وجهه أن القعود جعل النصف الأعلى منتصبا وهو حاصل بالقيام مع زيادة وهي انتصاب الساقين والفخذين معه ا هـ ع ش . ( قوله : في الركوب ) أي عن المشي وقوله : والذهب أي عن الفضة . ( قوله : على ذلك ) أي عدم إجزاء الركوب عن المشي . ( قوله : لو نذر شاة ) أي غير معينة . ( قوله : بعض البدنة ) وهو السبع ا هـ ع ش - [ ص: 89 ] قوله : فلم يجز أحدهما إلخ ) أي في الخروج عن عهدة النذر ا هـ رشيدي . ( قوله : ولو أفسد ) إلى قوله فإن جاوزه في المغني ا هـ ع ش . ( قوله : لم يلزمه فيه مشي ) أي فيما يتمه لأنه خرج بالفساد والفوات عن أن يجزئه عن نذره .

                                                                                                                              ( تنبيه ) لو قال : لله على رجلي الحج ماشيا لزمه إلا إن أراد إلزام رجليه خاصة وإن ألزم رقبته أو نفسه ذلك لزمه مطلقا ؛ لأنهما كنايتان عن الذات وإن قصد إلزامهما ا هـ مغني . ( قوله : ؛ لأنه الواقع ) أي بخلاف الفاسد فإنه لما لم يقع عن نذره لم يكن المشي فيه منذورا فلا يشكل عدم وجوب المشي فيه بوجوب المضي في فاسده ا هـ ع ش . ( قوله : أو اعتمر ) إلى قول المتن فإن تمكن في النهاية إلا قوله فإن جاوزه إلى المتن وقوله : وهو المعتمد وقوله : كما بينته إلى المتن . ( قول المتن فإن كان قال : أحج ماشيا إلخ ) أي وأطلق فإن صرح بالمشي من دويرة أهله لزمه المشي منها قبل إحرامه روض مع شرحه ومغني .

                                                                                                                              ( قوله : أو عكسه ) أي كأن قال أمشي حاجا أو معتمرا ع ش ومغني . ( قوله : تنزيلا لما إلخ ) أي الإحرام ا هـ سم . ( قوله : الآتي ) أي آنفا . ( قول المتن إلى بيت الله ) أو إلى الحرم ا هـ مغني . ( قوله : بقيده السابق ) وهو الحرام لفظا أو نية ا هـ ع ش . ( قوله : مع النسك ) أي مع لزومه فليس المراد أنه يلزمه التلبس بالنسك من دويرة أهله ا هـ رشيدي عبارة ع ش قوله : مع النسك أي من الميقات ا هـ . ( قول المتن في الأصح ) والثاني يمشي من حيث يحرم كما مر ا هـ مغني . ( قوله : يبيح ) إلى قول المتن وعليه دم في المغني . ( قوله : يبيح ترك القيام إلخ ) وهو حصول مشقة شديدة لا تحتمل عادة بالمشي ا هـ سيد عمر عبارة ع ش وإن لم يبح التيمم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أمر من عجز إلخ ) عبارة المغني والأسنى { رأى رجلا يهادى بين ابنيه فسأل عنه فقالوا نذر أن يحج ماشيا فقال : إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه وأمره أن يركب } ا هـ . ( قول المتن وعليه دم ) وينبغي أن يتكرر الدم بتكرر الركوب قياسا على اللبس بأن يتخلل بين الركوبين مشي ا هـ ع ش . ( قوله : أمر أخت عقبة إلخ ) أي وكانت نذرت المشي ا هـ ع ش . ( قوله : وقيد البلقيني إلخ ) يعني فيما لو قال : أمشي إلى بيت الله الحرام أما لو قال : أحج ماشيا فلا يأتي فيه قيد قال : ع ش وفيه نظر وسيأتي عن سم خلافه .

                                                                                                                              ( قوله : مطلقا ) أي من الميقات أو قبله ا هـ ع ش . ( قوله : وإلا فلا ) هذا شامل لمسألة أمشي إلى بيت الله ا هـ سم . ( قوله : وفارق ذلك إلخ ) رد لدليل مقابل الأظهر عبارة المغني والنهاية والثاني لا دم عليه كما لو نذر الصلاة قائما فصلى قاعدا للعجز وفرق الأول بأن الصلاة لا تجبر بالمال بخلاف الحج واحترز بقوله إذا أوجبنا المشي عما إذا لم نوجبه فإنه لا يجبر تركه بدم ا هـ . ( قوله : وإن عصى ) إلى قوله ولا عين في المغني إلا قوله ويخرج إلى المتن . ( قوله : وإن عصى ) عبارة المغني مع عصيانه ا هـ . ( قوله : على المشهور أيضا ) إشارة إلى الاعتراض عبارة المغني وقوله وعليه دم يقتضي أنه لا خلاف فيه وليس مرادا بل إنما يلزمه على المشهور فلو قدمه عليه عاد إليهما ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية