ذكر الراضي بالله خلافة
هو أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله ، ولما قبض القاهر سألوا الخدم عن المكان الذي فيه أبو العباس بن المقتدر ، فدلوهم عليه ، وكان هو ووالدته محبوسين ، فقصدوه ، [ ص: 20 ] وفتحوا عليه ودخلوا فسلموا عليه بالخلافة ، وأخرجوه وأجلسوه على سرير القاهر يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى ، ولقبوه بالراضي بالله ، وبايعه القواد والناس ، وأمر بإحضار علي بن عيسى وأخيه عبد الرحمن ، وصدر عن رأيهما فيما يفعله ، واستشارهما وأراد علي بن عيسى على الوزارة ، فامتنع لكبره ، وعجزه ، وضعفه ، وأشار . بابن مقلة
ثم إن سيما قال للراضي : إن الوقت لا يحتمل أخلاق علي ، أليق بالوقت ، فكتب له أمانا وأحضره واستوزره ، فلما وزر ، أحسن إلى كل من أساء إليه ، وأحسن سيرته ، وقال : عاهدت الله عند استتاري بذلك ، فوفى به ، وأحضر الشهود والقضاة ، وأرسلهم إلى وابن مقلة القاهر ; ليشهدوا عليه بالخلع ، فلم يفعل ، فسمل من ليلته ، فبقي أعمى لا يبصر .
وأرسل ابن مقلة إلى الخصيبي وعيسى المتطبب بالأمان ، فظهرا وأحسن إليهما ، واستعمل الخصيبي وولاه ، واستعمل على الشرطة الراضي بالله بدرا الخرشني ، واستعمل ابن مقلة أبا الفضل بن جعفر بن الفرات ، في جمادى الأولى ، نائبا عنه على سائر العمال بالموصل ، وقردى ، وبازبدي ، وماردين ، وطور عبدين ، وديار الجزيرة ، وديار بكر ، وطريق الفرات ، والثغور الجزرية والشامية ، وأجناد الشام ، وديار مصر ، يصرف من يرى ، ويستعمل من يرى في الخراج ، والمعاون ، والنفقات ، والبريد وغير ذلك .
وأرسل إلى يستدعيه ليوليه الحجبة ، وكان قد استولى على محمد بن رائق الأهواز [ ص: 21 ] وأعمالها ، ودفع عنها ابن ياقوت ، ( ولم يبق بيد ابن ياقوت ) من تلك الولاية إلا السوس ، وجنديسابور ، وهو يريد المسير إلى أصبهان أميرا عليها ، على ما ذكرناه ، وكان ذلك آخر أيام القاهر ، فلما ولي الراضي ، واستحضره ، سار إلى واسط ، وأرسل محمد بن ياقوت يخطب الحجبة ، فأجيب إليها ، فسار في أثر ، وبلغ ابن رائق الخبر ، فلم يقف وسار من ابن رائق واسط مصعدا إلى بغداذ يسابق ابن ياقوت ، فلما وصل إلى المدائن ، لقيه توقيع الراضي يأمره بترك دخول بغداذ ، وتقليده الحرب والمعاون بواسط ، مضافا إلى ما بيده من البصرة وغيرها ، فعاد منحدرا في دجلة ، ولقيه ابن ياقوت مصعدا فيها أيضا ، فسلم بعضهم على بعض ، وأصعد ابن ياقوت إلى بغداذ فتولى الحجبة على ما نذكره .