ذكر بختيار بعد قبض الأتراك
لما فعل حال بختيار ما ذكرناه من قبض الأتراك ظفر بذخيرة لآزادرويه بجنديسابور ، فأخذها ، ثم رأى ما فعله الأتراك مع سبكتكين ، وأن بعضهم بسواد الأهواز قد عصوا عليه ، واضطرب عليه غلمانه الذين في داره ، وأتاه مشايخ الأتراك من البصرة ، فعاتبوه على ما فعل بهم ، وقال له عقلاء الديلم : لا بد لنا في الحرب من الأتراك يدفعون عنا بالنشاب ، فاضطرب رأي بختيار ، ثم أطلق آزادرويه ، وجعله صاحب الجيش موضع سبكتكين ، وظن أن الأتراك يأنسون به ، وأطلق المعتقلين وسار إلى والدته وإخوته بواسط ، وكتب إلى عمه ركن الدولة وإلى ابن عمه عضد الدولة يسألهما أن ينجداه ، ويكشفا ما نزل به ، وكتب إلى أبي تغلب بن حمدان يطلب منه أن يساعده بنفسه ، وأنه إذا فعل ذلك أسقط عنه المال الذي عليه ، وأرسل إلى عمران بن شاهين بالبطيحة خلعا وأسقط عنه باقي المال الذي اصطلحا عليه وخطب إليه إحدى بناته ، وطلب منه أن يسير إليه عسكرا .
[ ص: 323 ] فأما ركن الدولة عمه فإنه جهز عسكرا مع وزيره أبي الفتح بن العميد ، وكتب إلى ابنه عضد الدولة يأمر بالمسير إلى عمه والاجتماع مع . ابن العميد
وأما عضد الدولة فإنه وعد بالمسير ، وانتظر ببختيار الدوائر طمعا في ملك العراق .
وأما فإنه قال : أما إسقاط المال فنحن نعلم أنه لا أصل له ، وقد قبلته ، وأما الوصلة فإنني لا أتزوج أحدا إلا أن يكون الذكر من عندي ، وقد خطب إلي عمران بن شاهين العلويون ، وهم موالينا ، فما أجبتهم إلى ذلك ، وأما الخلع والفرس فإنني لست ممن يلبس ملبوسكم ، وقد ( قبلها ابني ) ، وأما إنقاذ عسكر فإن رجالي لا يسكنون إليكم لكثرة ما قتلوا منكم .
ثم ذكر ما عامله به هو وأبوه مرة بعد أخرى ، وقال : ومع هذا فلا بد أن يحتاج إلى أن يدخل بيتي مستجيرا بي ، والله ولأعاملنه بضد ما عاملني به هو وأبوه ، فكان كذلك .
وأما فإنه أجاب إلى المسارعة ، وأنفذ أخاه أبو تغلب بن حمدان أبا عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدان إلى تكريت في عسكر ، وانتظر انحدار الأتراك عن بغداذ ، فإن ظفروا ببختيار دخل بغداذ مالكا لها ، فلما انحدر الأتراك عن بغداذ سار أبو تغلب إليها ليوجب على بختيار الحجة في إسقاط المال الذي عليه ، ووصل إلى بغداذ والناس في بلاء عظيم مع العيارين ، فحمى البلد ، وكف أهل الفساد .
وأما الأتراك فإنهم انحدروا مع سبكتكين إلى واسط ، وأخذوا معهم ، الخليفة الطائع لله والمطيع أيضا وهو مخلوع ، فلما وصلوا إلى دير العاقول توفي بها المطيع لله ، ومرض سبكتكين فمات بها أيضا ، فحملا إلى بغداذ ، وقدم الأتراك عليهم الفتكين ، وهو [ ص: 324 ] من أكابر قوادهم وموالي معز الدولة ، وفرح بختيار بموت سبكتكين ، وظن أن أمر الأتراك ينحل وينتشر بموته ، فلما رأى انتظام أمورهم ساءه ذلك .
ثم إن الأتراك ساروا إليه ، وهو بواسط ، فنزلوا قريبا منه ، وصاروا يقاتلونه نوائب ، نحو خمسين يوما ، ولم تزل الحرب بين الأتراك وبختيار متصلة ، والظفر للأتراك في كل ذلك ، وحصروا بختيار ، واشتد عليه الحصار ، وأحدقوا به ، وصار خائفا يترقب ، وتابع إنفاذ الرسل إلى عضد الدولة بالحث والإسراع وكتب إليه : فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي وإلا فأدركني ولما أمزق
فلما رأى عضد الدولة ذلك ، وأن الأمر قد بلغ ببختيار ما كان يرجوه ، سار نحو العراق نجدة له في الظاهر ، وباطنه بضد ذلك .