[ ص: 87 ] كتاب الإقرار بالحقوق الإقرار : هو الاعتراف . والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب فقوله تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } إلى قوله تعالى : { قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } . وقال تعالى : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } وقال تعالى : { ألست بربكم قالوا بلى } . في آي كثيرة مثل هذا . وأما السنة فما روي أن ماعزا أقر بالزنى ، فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الغامدية ، وقال : { أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها } . وأما الإجماع ، فإن الأمة أجمعت على صحة الإقرار . واغد يا
ولأن الإقرار إخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة ، فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضر بها ، ولهذا كان آكد من الشهادة ، فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة ، وإنما تسمع إذا أنكر ، ولو كذب المدعي ببينة لم تسمع ، وإن كذب المقر ثم صدقه سمع .
( 3815 ) فصل : فأما الطفل ، والمجنون ، والمبرسم ، والنائم ، والمغمى عليه ، فلا يصح إقرارهم . لا نعلم في هذا خلافا . وقد قال عليه الصلاة والسلام : { ولا يصح الإقرار إلا من عاقل مختار . } . رفع القلم عن ثلاثة ; عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ
فنص على الثلاثة ، والمبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون والنائم . ولأنه قول من غائب العقل ، فلم يثبت له حكم ، كالبيع والطلاق . وأما ، فإن كان محجورا عليه ، لم يصح إقراره ، وإن كان مأذونا له ، صح إقراره في قدر ما أذن له فيه . قال الصبي المميز في رواية أحمد مهنا ، في فبيعه وشراؤه جائز . وإن أقر أنه اقتضى شيئا من ماله ، جاز بقدر ما أذن له وليه فيه . اليتيم : إذا أذن له في التجارة وهو يعقل البيع والشراء ،
وهذا قول . وقال أبي حنيفة أبو بكر وابن أبي موسى : إنما يصح إقراره فيما أذن له في التجارة فيه ، في الشيء اليسير . وقال لا يصح إقراره بحال ; لعموم الخبر ، ولأنه غير بالغ ، فأشبه الطفل ، ولأنه لا تقبل شهادته ولا روايته ، فأشبه الطفل . ولنا ، أنه عاقل مختار ، يصح تصرفه ، فصح إقراره ، كالبالغ ، وقد دللنا على صحة تصرفه فيما مضى ، والخبر محمول على رفع التكليف والإثم . فإن الشافعي ، فالقول قوله ، إلا أن تقوم بينة ببلوغه ; لأن الأصل الصغر . أقر مراهق غير مأذون له ، ثم اختلف هو والمقر له في بلوغه
ولا يحلف المقر ; لأننا حكمنا بعدم بلوغه ، إلا أن يختلفا بعد ثبوت بلوغه ، فعليه اليمين أنه حين أقر لم يكن بالغا . ومن ، فهو كالمجنون ، لا يسمع إقراره . بلا خلاف . وإن كان بمعصية ، كالسكران ، ومن زال عقله بسبب مباح أو معذور فيه . ويتخرج أن يصح بناء على وقوع طلاقه . وهو منصوص شرب ما يزيل عقله عامدا لغير حاجة ، لم يصح إقراره لأن أفعاله تجري مجرى الصاحي . الشافعي
ولنا أنه غير عاقل ، فلم يصح إقراره ، كالمجنون الذي سبب جنونه فعل محرم ، ولأن السكران لا يوثق بصحة ما يقول ، ولا تنتفي عنه التهمة فيما يخبر به ، فلم يوجد معنى الإقرار الموجب لقبول قوله .
وأما فلا يصح [ ص: 88 ] إقراره بما أكره على الإقرار به . وهذا مذهب المكره لقول رسول الله : صلى الله عليه وسلم { الشافعي } ولأنه قول أكره عليه بغير حق ، فلم يصح كالبيع . وإن أقر بغير ما أكره عليه ، مثل أن رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . ، أو بنوع من المال ، فيقر بغيره ، أو على الإقرار بطلاق امرأة ، فأقر بطلاق أخرى ، أو أقر بعتق عبد ، صح ; لأنه أقر بما لم يكره عليه ، فصح ، كما لو أقر به ابتداء . ولو يكره على الإقرار لرجل ، فأقر لغيره صح بيعه . أكره على أداء مال ، فباع شيئا من ماله ليؤدي ذلك ،
نص عليه ; لأنه لم يكره على البيع . ومن لم يقبل قوله إلا ببينة ، سواء أقر عند السلطان أو عند غيره ; لأن الأصل عدم الإكراه ، إلا أن يكون هناك دلالة على الإكراه ، كالقيد والحبس والتوكيل به ، فيكون القول قوله مع يمينه ; لأن هذه الحال تدل على الإكراه . أقر بحق ، ثم ادعى أنه كان مكرها ،
ولو لم يقبل قوله إلا ببينة ; لأن الأصل السلامة حتى يعلم غيرها . ولو شهد الشهود بإقراره ، لم تفتقر صحة الشهادة إلى أن يقولوا طوعا في صحة عقله ; لأن الظاهر سلامة الحال وصحة الشهادة . وقد ذكرنا حكم ادعى أنه كان زائل العقل حال إقراره ، في أبوابه إقرار السفيه والمفلس والمريض
. وأما فيصح إقراره بالحد والقصاص فيما دون النفس ; لأن الحق له دون مولاه . ولا يصح إقرار المولى عليه ; لأن المولى لا يملك من العبد إلا المال . العبد
ويحتمل أن يصح إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ، ويجب المال دون القصاص ; لأن المال يتعلق برقبته ، وهي مال السيد ، فصح إقراره به ، كجناية الخطأ . وأما إقراره بما يوجب القصاص في النفس ، فالمنصوص عن أنه لا يقبل ، ويتبع به بعد العتق . وبه قال أحمد زفر والمزني وداود لأنه يسقط حق سيده بإقراره ، فأشبه الإقرار بقتل الخطأ ، ولأنه متهم في أنه يقر لرجل ليعفو عنه ، ويستحق أخذه ، فيتخلص بذلك من سيده . وابن جرير الطبري
واختار أنه يصح إقراره به . وهو قول أبو الخطاب أبي حنيفة ومالك لأنه أحد نوعي القصاص ، فصح إقراره به ، كما دون النفس . وبهذا الأصل ينتقض دليل الأول . وينبغي على هذا القول أن لا يصح عفو ولي الجناية على مال إلا باختيار سيده ، لئلا يفضي إلى إيجاب المال على سيده بإقرار غيره ، فلا يقبل إقرار العبد بجناية الخطأ ، ولا شبه العمد ، ولا بجناية عمد موجبها المال ، كالجائفة والمأمومة ، لأنه إيجاب حق في رقبته ، وذلك يتعلق بحق المولى . ويقبل إقرار المولى عليه ; لأنه إيجاب حق في ماله . والشافعي
وإن ، لم يقبل إقراره ، ويقبل إقرار المولى عليه ; لما ذكرنا . وإن كان موجبها القطع والمال ، فأقر بها العبد ، وجب قطعه ، ولم يجب المال ، سواء كان ما أقر بسرقته باقيا ، أو تالفا في يد السيد أو يد العبد . قال أقر بسرقة موجبها المال في أحمد فالدراهم لسيده ، ويقطع العبد ، ويتبع بذلك بعد العتق . عبد أقر بسرقة دراهم في يده أنه سرقها من رجل ، والرجل يدعي ذلك ، وسيده يكذبه : في وجوب المال في هذه الصورة وجهان . وللشافعي
ويحتمل أن لا يجب القطع ; لأن ذلك شبهة ، فيدرأ بها القطع ، لكونه حدا يدرأ بالشبهات . وهذا قول ; وذلك لأن العين التي يقر بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها ، فلا يثبت حكم القطع بها . وإن أبي حنيفة ، لم يقبل إقراره بالرق ; لأن الإقرار بالرق إقرار بالملك ، والعبد لا يقبل إقراره بحال ، ولأننا لو قبلنا إقراره ، أضررنا بسيده ، لأنه إذا شاء أقر لغير سيده ، فأبطل ملكه . وإن أقر به السيد لرجل ، وأقر هو لآخر ، فهو للذي أقر له السيد ; لأنه في يد السيد ، لا في يد نفسه ، ولأن [ ص: 89 ] السيد لو أقر به منفردا قبل . أقر العبد بسرقة لغير من هو في يده
ولو أقر العبد منفردا لم يقبل ، فإذا لم يقبل إقرار العبد منفردا فكيف يقبل مع معارضته لإقرار السيد ؟ . ولو قبل إقرار العبد ، لما قبل إقرار السيد ، كالحد وجناية العمد . وأما المكاتب فحكمه حكم الحر في صحة إقراره . ولو أقر بجناية خطأ صح إقراره ، فإن عجز بيع فيها إن لم يفده سيده . وقال يستسعى في الكتابة ، وإن عجز بطل إقراره بها ، سواء قضي بها أو لم يقض . وعن أبو حنيفة كقولنا . الشافعي
وعنه أنه مراعى إن أدى لزمه ، وإن عجز بطل . ولنا ، أنه إقرار لزمه في كتابته ، فلا يبطل بعجزه ، كالإقرار بالدين . وعلى أن المكاتب في يد نفسه فصح إقراره بالجناية ، كالحر . الشافعي