الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4214 ) فصل : ويجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها . نص عليه أحمد . وهو قول سعيد بن المسيب ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، والنخعي ، والشعبي ، والثوري ، والشافعي وأصحاب الرأي . وذكر القاضي فيه رواية أخرى ، أنه لا يجوز ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن

                                                                                                                                            والمنافع لم تدخل في ضمانه . ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه ، فلم يجز ، كبيع المكيل والموزون قبل قبضه . والأول أصح ; لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع ، بدليل أنه يجوز التصرف فيها ، فجاز العقد عليها ، كبيع الثمرة على الشجرة . ويبطل قياس الرواية الأخرى لهذا الأصل . إذا ثبت هذا فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقامه ، أو دونه في الضرر ; لما تقدم . فأما إجارتها قبل قبضها فلا تجوز من غير المؤجر ، في أحد الوجهين

                                                                                                                                            وهذا قول أبي حنيفة ، والمشهور من قولي الشافعي ; لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة ، فاعتبر في جواز العقد عليها القبض ، كالأعيان . والآخر ، يجوز ، وهو قول بعض الشافعية ; لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه ، فلم يقف جواز التصرف عليه . فأما إجارتها قبل القبض من المؤجر ، فإذا قلنا : لا يجوز من غير المؤجر كان فيها هاهنا وجهان أحدهما لا يجوز ; لأنه عقد عليها قبل قبضها

                                                                                                                                            والثاني يجوز ; لأن القبض لا يتعذر عليه ، بخلاف الأجنبي . وأصلهما بيع الطعام قبل قبضه لا يصح من غير بائعه ، رواية واحدة وهل يصح من بائعه ؟ على روايتين . فأما إجارتها بعد قبضها من المؤجر ، فجائزة . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يجوز ; لأن ذلك يؤدي إلى تناقض الأحكام ، لأن التسليم مستحق على الكراء ، فإذا اكتراها صار مستحقا له ، فيصير مستحقا لما يستحق عليه ، وهذا تناقض . ولنا أن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد ، كالبيع ، وما ذكروه لا يصح ; لأن التسليم قد حصل ، وهذا المستحق له تسليم آخر

                                                                                                                                            ثم يبطل بالبيع ، فإنه يستحق عليه تسليم العين ، فإذا اشتراها استحق تسليمها . فإن قيل : التسليم هاهنا مستحق في جميع المدة ، بخلاف البيع . قلنا المستحق تسليم العين ، وقد حصل وليس عليه تسليم آخر ، غير أن العين من ضمان المؤجر ، فإذا تعذرت المنافع بتلف [ ص: 278 ] الدار أو غصبها ، رجع عليه ; لأنها تعذرت بسبب كان في ضمانه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية