الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3801 ) فصل : وإذا وكله في شراء سلعة موصوفة ، لم يجز أن يشتريها إلا سليمة لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة ، ولذلك جاز الرد بالعيب .

                                                                                                                                            فإن اشترى معيبا يعلم عيبه ، لم يلزم الموكل ; لأنه اشترى غير ما أذن [ ص: 81 ] له فيه ، وإن لم يعلم عيبه ، صح ، البيع ; لأنه إنما يلزمه شراء الصحيح في الظاهر ، لعجزه عن التحرز عن شراء معيب لا يعلم عيبه ، فإذا علم عيبه ملك رده ; لأنه قائم في الشراء مقام الموكل ، وللموكل رده أيضا ; لأن الملك له ، فإن حضر قبل رد الوكيل ، ورضي بالعيب ، لم يكن للوكيل رده ; لأن الحق له ، بخلاف المضارب ، فإن له الرد وإن رضي رب المال ; لأن له حقا فلا يسقط برضى غيره ، وإن لم يحضر ، فأراد الوكيل الرد ، فقال له البائع : توقف حتى يحضر الموكل ، فربما رضي بالعيب . لم يلزمه ذلك ; لأنه لا يأمن فوات الرد لهرب البائع ، وفوات الثمن بتلفه ، وإن أخره بناء على هذا القول ، فلم يرض به الموكل ، لم يسقط رده . وإن قلنا : الرد على الفور ; لأنه أخره بإذن البائع فيه .

                                                                                                                                            وإن قال البائع : موكلك قد علم العيب فرضيه . لم يقبل قوله إلا ببينة ، فإن لم يكن له بينة لم يستحلف الوكيل ، إلا أن يدعي علمه ، فيحلف على نفي العلم . وبهذا قال الشافعي . وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لا يستحلف ; لأنه لو حلف كان نائبا في اليمين ، وليس بصحيح ، فإنه لا نيابة هاهنا ، وإنما يحلف على نفي علمه ، وهذا لا ينوب فيه عن أحد .

                                                                                                                                            فإن رد الوكيل ، وحضر الموكل ، وقال : بلغني العيب ، ورضيت به . وصدقه البائع ، أو قامت به بينة ، لم يقع الرد موقعه ، وكان للموكل استرجاعه ، وللبائع رده عليه ; لأن رضاه به عزل الوكيل عن الرد ، بدليل أنه لو علمه لم يكن له الرد ، إلا أن نقول : إن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل . وإن رضي الوكيل المعيب ، أو أمسكه إمساكا ينقطع به الرد ، فحضر الموكل ، فأراد الرد ، فله ذلك إن صدقه البائع أن الشراء له ، أو قامت به بينة . وإن كذبه ولم تكن به بينة ، فحلفه البائع أنه لا يعلم أن الشراء له ، فليس له رده ; لأن الظاهر أن من اشترى شيئا فهو له ، ويلزم الوكيل ، وعليه غرامة الثمن . وهذا كله مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : للوكيل شراء المعيب ; لأن التوكيل في البيع مطلقا يدخل المعيب في إطلاقه ، ولأنه أمينه في الشراء ، فجاز له شراء المعيب ، كالمضارب . ولنا ، أن البيع بإطلاقه يقتضي الصحيح دون المعيب ، فكذلك الوكالة فيه ، ويفارق المضاربة من حيث إن المقصود فيها الربح ، والربح يحصل من المعيب كحصوله من الصحيح ، والمقصود من الوكالة شراء ما يقتني أو يدفع به حاجته ، وقد يكون العيب مانعا من قضاء الحاجة به ومن قنيته ، فلا يحصل المقصود .

                                                                                                                                            وقد ناقض أبو حنيفة أصله ; فإنه قال في قوله تعالى : { فتحرير رقبة } : لا تجوز العمياء ولا معيبة عيبا يضر بالعمل . وقال هاهنا : يجوز للوكيل شراء الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين والرجلين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية