الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (2) قوله: الذين يظاهرون : قد تقدم الخلاف في "يظاهرون" في سورة الأحزاب وكذا في "اللائي" فأغنى عن إعادته [ ص: 262 ] هنا وأبي هنا "يتظاهرون" وعنه أيضا "يتظهرون". وفي "الذين" وجهان، أحدهما: أنه مبتدأ، وخبره قوله: ما هن أمهاتهم . والثاني: أنه منصوب بـ "بصير" على مذهب سيبويه في جواز إعمال فعيل، قاله مكي، يعني أن سيبويه يعمل فعيلا من أمثلة المبالغة، وهو مذهب مطعون فيه على سيبويه ; لأنه استدل على إعماله بقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      4238 - حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طرابا وبات الليل لم ينم



                                                                                                                                                                                                                                      ورد عليه: بأن "موهنا" ظرف زمان، والظروف تعمل فيها روائح الأفعال. وللكلام في المسألة موضع هو أليق به من هنا ولكن المعنى يأبى ما قاله مكي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة: "أمهاتهم" بالنصب على اللغة الحجازية الفصحى كقوله: ما هذا بشرا وعاصم في رواية بالرفع على اللغة [ ص: 263 ] التميمية، وإن كانت هي القياس لعدم اختصاص الحرف. وقرأ عبد الله "بأمهاتهم" بزيادة الباء، وهي تحتمل اللغتين. وقال الزمخشري : "وزيادة الباء في لغة من ينصب". قلت: هذا هو مذهب أبي علي، يرى أن الباء لا تزاد إلا إذا كانت "ما" عاملة فلا تزاد في التميمية ولا في الحجازية إذا منع من عملها مانع نحو: "ما إن زيد بقائم". وهذا مردود بقول الفرزدق وهو تميمي:


                                                                                                                                                                                                                                      4239 - لعمرك ما معن بتارك حقه     ولا منسئ معن ولا متيسر



                                                                                                                                                                                                                                      وبقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      4240 - لعمرك ما إن أبو مالك     بواه ولا بضعيف قواه



                                                                                                                                                                                                                                      فزادها مع "ما" الواقع بعدها "إن".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: منكرا من القول وزورا نعتان لمصدر محذوف أي: قولا منكرا، وزورا أي: كذبا وبهتانا قاله مكي وفيه نظر; إذ يصير [ ص: 264 ] التقدير: ليقولون قولا منكرا من القول، فيصير قوله "من القول" لا فائدة فيه. والأولى أن يقال: نعتان لمفعول محذوف لفهم المعنى أي: ليقولون شيئا منكرا من القول لتفيد الصفة غير ما أفاده الموصوف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية