الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (2) قوله: للكافرين : فيه أوجه، أحدها: أن يتعلق بـ "سأل" مضمنا معنى "دعا" كما تقدم، أي: دعا لهم بعذاب واقع. الثاني: أن يتعلق بـ "واقع" واللام للعلة، أي: نازل لأجلهم. الثالث: أن يتعلق بمحذوف صفة ثانية لـ "عذاب"، أي: كائن للكافرين. الرابع: أن [ ص: 448 ] يكون جوابا للسائل، فيكون خبر مبتدأ مضمر، أي: هو للكافرين. الخامس: أن تكون اللام بمعنى على، أي: واقع على الكافرين، ويؤيده قراءة أبي " على الكافرين"، وعلى هذا فهي متعلقة بـ "واقع" لا على الوجه الذي تقدم قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "فإن قلت: بم يتصل قوله "للكافرين"؟ قلت: هو على القول الأول متصل بعذاب صفة له، أي: بعذاب واقع كائن للكافرين، أو بالفعل، أي: دعا للكافرين بعذاب واقع، أو بواقع، أي: بعذاب نازل لأجلهم. وعلى الثاني: هو كلام مبتدأ، جوابا للسائل، أي: هو للكافرين". انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ : "وقال الزمخشري : أو بالفعل، أي: دعا للكافرين، ثم قال: وعلى الثاني - وهو ثاني ما ذكر في توجيهه للكافرين - قال: هو كلام مبتدأ جوابا للسائل، أي: هو للكافرين. وكان قد قرر أن "سأل" ضمن معنى "دعا" فعدي تعديته، كأنه قال: دعا داع بعذاب، من قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى: يدعون فيها بكل فاكهة . انتهى. فعلى ما قرره أنه متعلق بـ "دعا" يعني بـ "سأل"، [ ص: 449 ] فكيف يكون كلاما مبتدأ جوابا للسائل، أي: هو للكافرين؟ هذا لا يصح.

                                                                                                                                                                                                                                      هذا كلام الشيخ برمته، وقد غلط على أبي القاسم في فهمه عنه قوله: "وعلى الثاني إلى آخره"، فمن ثم جاء التخبيط الذي ذكره. والزمخشري إنما عنى بالثاني قوله: "وعن قتادة سأل سائل عن عذاب الله على من ينزل وبمن يقع، فنزلت، وسأل على هذا الوجه مضمن معنى عني واهتم"، فهذا هو الوجه الثاني المقابل للوجه الأول: وهو أن "سأل" مضمن معنى "دعا"، ولا أدري كيف تخبط على الشيخ حتى وقع فيما وقع، ونسب الزمخشري إلى الغلط، وأنه أخذ قول قتادة والحسن وأفسده؟ والترتيب الذي رتبه الزمخشري في تعلق اللام من أحسن ما يكون صناعة ومعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ليس له دافع يجوز أن يكون نعتا آخر لـ "عذاب"، وأن يكون مستأنفا، والأول أظهر، وأن يكون حالا من "عذاب" لتخصصه: إما بالعمل، وإما بالصفة، وأن يكون حالا من الضمير في "للكافرين" إن جعلناه نعتا لـ "عذاب".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية