الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3856 ) فصل : وإن قال له علي ألف ودرهم ، أو ألف وثوب ، أو قفيز حنطة . فالمجمل من جنس المفسر أيضا . وكذلك إن قال : ألف درهم وعشرة ، أو ألف ثوب وعشرون .

                                                                                                                                            وهذا قول القاضي ، وابن حامد ، وأبي ثور . وقال التميمي ، وأبو الخطاب : يرجع في تفسير المجمل إليه ، لأن الشيء يعطف على جنسه ، قال الله تعالى : { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } . ولأن الألف مبهم فرجع في تفسيره إلى المقر ، كما لو لم يعطف عليها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن عطف على المبهم مكيلا أو موزونا ، كان تفسيرا له ، وإن عطف مذروعا أو معدودا ، لم يكن تفسيرا ; لأن علي للإيجاب في الذمة ، فإن عطف عليه ما يثبت في الذمة بنفسه ، كان تفسيرا له كقوله : مائة وخمسون درهما . ولنا ، أن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الجملة الأخرى ، قال الله تعالى { : ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا } .

                                                                                                                                            وقال الله تعالى : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } . ولأنه ذكر مبهما مع مفسر لم يقم الدليل على أنه من غير جنسه ، فكان المبهم من جنس المفسر ، كما لو قال : مائة وخمسون درهما ، أو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا . يحققه أن المبهم يحتاج إلى التفسير ، وذكر التفسير في الجملة المقارنة له يصلح أن يفسره ، فوجب حمل الأمر على ذلك ، أما قوله : { أربعة أشهر وعشرا } .

                                                                                                                                            فإنه امتنع أن يكون العشر أشهرا لوجهين : أحدهما ، أن العشر بغير هاء عدد للمؤنث ، والأشهر مذكرة فلا يجوز أن تعد بغيرها . الثاني ، أنها لو كانت أشهرا لقال : أربعة عشر شهرا . بالتركيب ، لا بالعطف ، كما قال : { عليها تسعة عشر } .

                                                                                                                                            وقولهم : إن الألف مبهم . قلنا قد قرن به ما يدل على تفسيره ، فأشبه ما لو قال : مائة وخمسون درهما ، أو مائة ودرهم . عند أبي حنيفة . فإن قيل : إذا قال : مائة وخمسون درهما . فالدرهم ذكر للتفسير ، ولهذا لا يزداد به العدد ، فصلح تفسير الجميع ما قبله ، بخلاف قوله : مائة درهم .

                                                                                                                                            فإنه ذكر الدرهم للإيجاب ، لا للتفسير ، بدليل أنه [ ص: 106 ] زاد به العدد . قلنا : هو صالح للإيجاب والتفسير معا ، والحاجة داعية إلى التفسير ، فوجب حمل الأمر على ذلك ، صيانة لكلام المقر عن الإلباس والإبهام ، وصرفا له إلى البيان والإفهام . وقول أصحاب أبي حنيفة : إن " علي " للإيجاب . قلنا : فمتى عطف ما يجب بها على ما يجب ، وكان أحدهما مبهما والآخر مفسرا ، وأمكن تفسيره به ، وجب أن يكون المبهم من جنس المفسر ، فأما إن لم يمكن ، مثل أن يعطف عدد المذكر على المؤنث ، أو بالعكس ، ونحو ذلك ، فلا يكون أحدهما من جنس الآخر ، ويبقى المبهم على إبهامه ، كما لو قال : له علي أربعة دراهم وعشر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية