( 4360 ) مسألة قال : ( وإحياء الأرض أن يحوط عليها حائطا ) ظاهر كلام ، أن الخرقي ، سواء أرادها للبناء ، أو للزرع ، أو حظيرة للغنم ، أو الخشب ، أو غير ذلك . ونص عليه تحويط الأرض إحياء لها ، في رواية أحمد علي بن سعيد ، فقال : الإحياء أن يحوط عليها حائطا ، أو يحفر فيها بئرا أو نهرا . ولا يعتبر في ذلك تسقيف ; وذلك لما روى الحسن ، عن سمرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } . رواه من أحاط حائطا على أرض ، فهي له أبو داود ، والإمام ، في " مسنده " . أحمد
ويروى عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . ولأن الحائط حاجز منيع ، فكان إحياء ، أشبه ما لو جعلها حظيرة للغنم . ويبين هذا أن القصد لا اعتبار به ، بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم ، فبناها بجص وآجر ، وقسمها بيوتا ، فإنه يملكها ، وهذا لا يصنع للغنم مثله . ولا بد أن يكون الحائط منيعا يمنع ما وراءه ، ويكون مما جرت العادة بمثله جابر
ويختلف باختلاف البلدان ، فلو كان مما جرت عادتهم بالحجارة وحدها ، كأهل حوران وفلسطين ، أو بالطين ، كالفطائر لأهل غوطة دمشق ، أو بالخشب أو بالقصب ، كأهل الغور ، كان ذلك إحياء . وإن بناه بأرفع مما جرت به عادته ، كان أولى . وقال : في صفة الإحياء روايتان إحداهما ما ذكرنا . والثانية الإحياء ما تعارفه الناس إحياء ; لأن الشرع ورد بتعليق الملك على الإحياء ، ولم يبينه ، ولا ذكر كيفيته ، فيجب الرجوع فيه إلى ما كان إحياء في العرف . القاضي
كما أنه لما ورد باعتبار القبض والحرز ، ولم يبين كيفيته ، كان المرجع فيه إلى العرف ، ولأن الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم ، لتعلق بمسماه عند أهل اللسان ، فكذلك يتعلق الحكم بالمسمى إحياء عند أهل العرف ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلق حكما على ما ليس إلى معرفته طريق ، فلما لم يبينه ، تعين العرف طريقا لمعرفته ، إذ ليس له طريق سواه . إذا ثبت هذا ، فإن الأرض تحيي دارا للسكنى ، وحظيرة ، ومزرعة ، فإحياء كل واحدة من ذلك بتهيئتها للانتفاع الذي أريدت له ، فأما الدار ، فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة ويسقفها ، لأنها لا تكون للسكنى إلا بذلك
وأما الحظيرة فإحياؤها بحائط جرت به عادة مثلها ، وليس من شرطها التسقيف ; لأن العادة ذلك من غير تسقيف ; وسواء أرادها حظيرة للماشية ، أو للخشب ، أو للحطب ، أو نحو ذلك . ولو خندق عليها خندقا ، لم يكن إحياء ; لأنه ليس بحائط ولا عمارة ، إنما هو حفر وتخريب . وإن خاطها بشوك وشبهه ، لم يكن إحياء ، وكان تحجرا ; لأن المسافر قد ينزل منزلا ، ويحوط على رحله بنحو من ذلك
ولو نزل منزلا ، فنصب به بيت شعر أو خيمة ، لم يكن إحياء . وإن أرادها للزراعة ، فبأن يهيئها لإمكان الزرع فيها ، فإن كانت لا تزرع إلا بالماء ، فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر ، وإن كانت مما لا يمكن زرعها لكثرة أحجارها ، كأرض [ ص: 345 ] الحجاز ، فبأن يقلع أحجارها وينقيها حتى تصلح للزرع ، وإن كانت غياضا وأشجارا ، كأرض الشعرى ، فبأن يقلع أشجارها ، ويزيل عروقها التي تمنع الزرع
وإن كانت مما لا يمكن زرعه إلا بحبس الماء عنها ، كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته ، فإحياؤها بسد الماء عنها ، وجعلها بحال يمكن زرعها ; لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام ، فكان إحياء ، كسوق الماء إلى الأرض التي لا ماء لها ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها ; لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها ، فلم يعتبر في الإحياء ، كسقيها ، وكالسكنى في البيوت ، ولا يحصل بذلك إذا فعله لمجرده ، لما ذكرنا
ولا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت . وبهذا قال ، فيما ذكرنا في الرواية الثانية ، إلا أن له وجها في أن حرثها وزرعها إحياء لها ، وأن ذلك معتبر في إحيائها ، ولا يتم بدونه ، وكذلك نصب الأبواب على البيوت ; لأنه مما جرت العادة به ، فأشبه التسقيف . ولا يصح هذا ; لما ذكرنا ، ولأن السكنى ممكنة بدون نصب الأبواب ، فأشبه تطيين سطوحها وتبييضها . الشافعي