الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 435 ] وفسد إن نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم خالصة ، أو مقوم بهما ، [ ص: 436 ] وأتمه إن دخل ، وإلا فإن لم يتمه : فسخ ، [ ص: 437 ] أو بما لا يملك كخمر وحر ، أو بإسقاطه ، أو كقصاص ، [ ص: 438 ] أو آبق ، أو دار فلان ، أو سمسرتها

التالي السابق


( وفسد ) النكاح ( إن نقص ) صداقه ( عن ربع دينار ) شرعي وزنه اثنتان وسبعون حبة من وسط الشعير ( أو ) عن ( ثلاثة دراهم ) شرعية وزن كل درهم خمسون وخمسا حبة منه ( خالصة ) من خلطها بغير الفضة ، وكذا ربع الدينار ولم يصرح به فيه لأن الغالب خلوصه ( أو ) عن عرض ( مقوم ) بضم الميم وفتح القاف والواو مشددة ( ب ) أحد ( هما ) أي ربع الدينار أو ثلاثة الدراهم ، فإن ساوت قيمته أحدهما يوم العقد صح النكاح به وإن نقصت عن الآخرة .

ابن عرفة وأكثر المهر لا حد له وقول عمر رضي الله تعالى عنه ورجوعه عنه لإنصافه قصة مشهورة . أبو عمر لم يختلفوا في أكثره لقوله تعالى { وآتيتم إحداهن قنطارا } الآية الباجي عن الجلاب لا أحب الإغراق في كثرته . قلت لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يمن المرأة تسهيل أمرها أو تيسير أمرها وقلة [ ص: 436 ] صداقها ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وأنا أقول من عندي ومن شؤمها تعسير أمرها وكثرة صداقها } ، أخرجه الحافظان الحاكم وابن حبان واللفظ له وذكر الحاكم أنه على شرط مسلم .

وأقله المشهور ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته أحدهما ، وقيل ما قيمته ثلاثة دراهم فقط . اللخمي هو قول ابن القاسم في نصاب السرقة قال ولابن وهب يجوز بالدرهم والسوط والنعلين ، وعزى المتيطي الثاني لابن شعبان ، وزاد عن ابن وهب في الواضحة يجوز بأدنى درهمين وبما تراضى عليه الأهلون ، وفي نكاحها الأول ولا يزوج الرجل عبده أمته إلا ببينة وصداق ، ومن نكح بأقل أقله أتمه وإلا فسخ فيها إن نكح بدرهمين أو ما يساويهما ، ولم يبن أتم ثلاثة دراهم وإلا فسخ . قلت لم أجزته ، قال لأن من الناس من أجاز هذا الصداق .

( وأتمه ) أي كمل الزوج ما ذكر ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو مقوما بأحدهما ( إن ) كان ( دخل ) بالزوجة قبل الاطلاع على نقص صداقه عما ذكر ولا يفسخ النكاح ( وإلا ) أي وإن لم يدخل خير بين إتمامه ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو مقوما بأحدهما وعدمه ، فإن أتمه فلا يفسخ ( فإن لم يتمه ) أي الزوج المهر ربع دينار إلخ ( فسخ ) النكاح بطلاق لأنه مختلف فيه ، ولزمه نصف ما سماه كما قدمه بقوله وسقط بالفسخ قبله الإنكاح بالدرهمين فنصفهما ، وهذا مخالف لسائر ما يحكم بفسخه قبل البناء من أنه لا يصح إلا بتجديد عقد ، ولا يخفى أن هذا المفهوم مناقض لمنطوق قوله وفسد إن نقص إلخ ، إذ مقتضاه فساده قطعا ابتداء .

وجواب المناقضة أن آخره مقيد لأوله ، أي محل فساده قبل البناء ينقصه مقيد بعدم إتمامه ، فإن أتمه فلا فساد ، وإن كان لا نظير له فيما فسد قبله فإطلاق الفساد عليه تجوز . وأما وجوب إتمامه بعده فظاهر ، وهو مخالف أيضا لما يثبت بعده بصداق المثل ، وملخصه أنه إن بنى لزمه إتمامه ، وإن لم يبن لزمه إتمامه إن أراد البناء ، فإن لم يرده [ ص: 437 ] فسخ إن عزم على عدم إتمامه وإلا فله الخيار ، إلا أن تقوم الزوجة بحقها لتضررها ببقائها على تلك الحالة . ابن عرفة وفي لزوم نصف الدرهمين في فسخه نقلا الباجي عن محمد مع جماعة من أصحابنا والجلاب مع التلمساني وجماعة من المتأخرين . ابن محرز صوب القابسي الأول وابن الكاتب الثاني لأنه فسخ يجبر بخلاف لو طلق لأنه مختار .

( أو ) تزوجها ( بما ) أي بشيء أو الذي ( لا يملك ) بضم المثناة وسكون الميم وفتح اللام أي لا يجوز ولا يصح تملكه شرعا ( كخمر ) وخنزير ولو لذمية تزوجها مسلم لأنها لا تملكها شرعا لخطابها بفروع الشريعة على الصحيح ، وإن لم نمنعها منها فلو قبضتها واستهلكتها فلها بالدخول مهر مثلها عند ابن القاسم ، ولا شيء عليها فيما قبضته واستهلكته . وقال أشهب لها ربع دينار وهو أحسن لقبضها حقها مستحلة له ، وهذا حق الله تعالى .

( وحر ) بضم الحاء المهملة وشد الراء ضد الرق ، فإن أنفقت قبل الفسخ رجعت بعوضها على الزوج كمن باع دارا بالنفقة عليه حياته ، ومثل ما لا يملك ما لا يباع كجلد ضحية وميتة مدبوغ وكلب صيد أو حراسة ، وعبارة الجواهر أو بما لا يباع . طفي وهي أشد من عبارة أو بما لا يملك لاقتضاء هذه الجواز بجلد الميتة المدبوغ وليس كذلك ا هـ . ويجاب بأن هذا تفصيل في المفهوم والله أعلم .

( أو ) وقع العقد ( ب ) شرط ( إسقاطه ) أي الصداق فيفسخ قبل البناء وفيه بعده صداق المثل ، فإن وقع العقد بصداق صحيح ثم أسقط فلا يفسد النكاح وسيأتي ، وإن وهبت له الصداق أو ما يصدقها به قبل البناء جبر على دفع أقله ما لم تقبضه ، ثم تهبه له وبعده أو بعضه ، فالموهوب كالعدم ( أو ) تزوجها بما ليس مالا ( ك ) إسقاط ( قصاص ) ثبت له عليها أو على غيرها بجناية عليه أو على وليه فيفسخ قبل البناء ، ويثبت بعده بصداق مثلها ولا رجوع له في القصاص بنى أم لا ، ويرجع بالدية ، وأدخلت الكاف قراءته لها قرآنا بعد العقد تسمعه أو يهدي ثوابه لها أو لنحو أمها . وأما لو استأجرته [ ص: 438 ] قبل العقد على القراءة بربع دينار أو ثلاثة دراهم أو مقوم بأحدهما وقرأ وترتب له ذلك في ذمتها فتزوجها به فالعقد صحيح وعتقه أمته على أن يجعله صداقها ويعقد عليها ، فإن وقع فسخ قبل الدخول ومضى بعده بصداق مثلها .

( أو ) تزوجها بما فيه غرر شديد كرقيق ( آبق ) بمد الهمز وكسر الموحدة أو بعير شارد أو جنين أو ثمر لم يبد صلاحه على التبقية ( أو دار فلان ) أو رقيقه أو عرضه يشتريه من فلان ويسلمه لها فلا يصح النكاح للغرر الشديد ، إذ قد لا يرضى فلان ببيع شيئه ولو بأضعاف قيمته ( أو ) يتزوجها ب ( سمسرتها ) أي الدار في بيعها إن كانت لها أو شرائها إن كانت لغيرها فلا يصح النكاح للغرر ، إذ قد يسمسر عليها ولا تباع . وأما إن سمسر لها على بيع شيء أو شرائه ولزمتها أجرته وكانت ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو مقوما بأحدهما فتزوجها بها فالنكاح صحيح




الخدمات العلمية