الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 19 ] وفي النذر المبهم ، [ ص: 20 ] اليمين ، والكفارة ، والمنعقدة على بر بإن فعلت ، ولا فعلت ، أو حنث بلأفعلن أو إن لم أفعل ; [ ص: 21 ] إن لم يؤجل : إطعام عشرة مساكين : لكل مد ، [ ص: 22 ] وندب بغير المدينة : زيادة ثلثه أو نصفه ، أو رطلان خبزا بأدم : كشبعهم [ ص: 23 ] أو كسوتهم : للرجل ثوب ، وللمرأة درع وخمار ، ولو غير وسط أهله ، والرضيع كالكبير فيهما ، [ ص: 24 ] أو عتق رقبة : كالظهار ، ثم صوم ثلاثة أيام ، ولا تجزئ ملفقة [ ص: 25 - 27 ] ومكرر لمسكين وناقص : كعشرين لكل نصف ، إلا أن يكمل ، وهل إن بقي ؟ تأويلان ، وله نزعه ، إن بين بالقرعة ، [ ص: 28 ] وجاز لثانية إن أخرج ، وإلا كره ، وإن كيمين وظهار ، وأجزأت قبل حنثه ، [ ص: 29 - 30 ] ووجبت به [ ص: 31 ] إن لم يكره ببر

التالي السابق


( وفي النذر ) أي التزام المندوب ( المبهم ) بضم الميم وسكون الموحدة وفتح الهاء أي الذي لم يعين الناذر فيه نوع العبادة الذي يوفي نذره منه كلله عليه نذرا وإن فعلت أو [ ص: 20 ] إن لم أفعل كذا فلله علي نذر أو فعليه نذر ، أو إن فعل أو إن لم يفعل فعليه نذر ( و ) في التزام ( اليمين ) كلله عليه يمين أو عليه يمين أو إن فعل أو إن لم يفعل كذا فلله عليه يمين أو فعليه يمين . ابن عاشر هذا مقيد بأن لا يجري العرف في اليمين بالطلاق ، فإن جرى به لزم وبه جرت الفتيا في بلدنا فاس ا هـ . البناني والطلاق اللازم بها رجعي كما أفتى به الونشريسي والقصار وعبد القادر وغيرهم .

( و ) في التزام ( الكفارة ) كلله عليه أو عليه كفارة أو إن فعل أو لم يفعل فلله عليه أو فعليه كفارة ( و ) في اليمين التي تقدم تعريفها ( المنعقدة ) احترز به عن الغموس الماضية واللغو الماضية أو الحالية ( على بر ) بكسر الموحدة وشد الراء أي عدم فعل وترك المصورة ( بإن ) بكسر فسكون أي لا ( فعلت ) أي أفعل ( و ) بمعنى أو ( لا فعلت ) أي أفعل ولا يعتبر ردها إلى صيغة الحنث بتقدير الترك كوالله إن كلمت زيدا أو لا كلمته فإنها ترد به إليها بنحو لأتركن كلامه ، ويعتبر ردها إليها بتقدير غيره كوالله إن عفوت أو لا عفوت عن زيد أو إن أقمت أو لا أقمت في هذا البلد مثلا فهي صيغة حنث ، إذ معناها في الأول لأطالبنه ، وفي الثاني لأنتقلن نقله ابن المواز .

فإن قلت يمكن تقدير الترك في هذين أيضا أي لأتركن العفو عنه في الأول ولأتركن الإقامة به في الثاني فما المرجح لتقدير غيره . قلت المرجح أن دلالة المحلوف عليه على أن المراد لأنتقمن في الأول ولأنتقلن في الثاني مستفادة من لفظ إن عفوت وإن أقمت وهو أقوى مما استفيد من المعنى ، وأيضا إمكان الرد بالترك لا يعتبر لعمومه في كل صيغة بر ، والمعتبر إنما هو إمكان الرد بغيره فحيث وجد كانت الصيغة حنثا والله أعلم .

( و ) اليمين المنعقدة على ( حنث ) أي فعل المصورة ( بلأفعلن أو إن لم أفعل ) ولا يجزئ فيها ردها إلى صيغة البر بتقدير لفظ ترك وغيره على ظاهر ما لابن المواز ، وإن في صيغتي البر والحنث نافية إن لم يذكر لها جواب ، ومعناها في الحنث حينئذ لأفعلن [ ص: 21 ] لأنها نافية ولم نافية ونفي النفي إثبات ، فإن ذكر لها جواب فشرطية فيهما .

وقيد صيغتي الحنث بقوله ( إن لم يؤجل ) الحالف يمينه بأن أطلقها نحو والله لأكلمن زيدا أو والله لا أقيم في هذه البلدة إن لم أكلمه فلا يحنث إلا بالموت ، فإن أجل فيأتي في قوله وحنث إن لم تكن له نية إلخ ، والتأجيل بأن يقول : إن لم أفعل في هذا اليوم مثلا بأن جعل اليوم ظرفا للفعل أو إن لم أفعله بعد هذا اليوم بأن جعل وقوع الفعل بعده ، وتتفق الصورتان على جواز وطء المحلوف بها في حلفه بطلاق أو عتق في الأجل الذي جعله ظرفا أو جعل حصول الفعل بعده .

وتختلفان في أن فعله ما حلف عليه في الأول يبر به وإذا مضى ولم يفعله حنث ولا يبر بفعل المحلوف عليه في الثاني قبل وجود زمنه المعلق فعله على وجوده ، فإذا مضى منع من وطء المحلوف بطلاقها أو عتقها كما سيذكره المصنف في قوله وإن نفى ولم يؤجل منع منها أفاده عب . البناني قوله وإن لم أفعل بعد هذا اليوم هذا نحو تمثيل التوضيح المؤجلة بلأضربن فلانا بعد شهر ، ونازعه سالم في تمثيله به والصواب لأضربنه في هذا الشهر أو قبل شهر كذا ، وهو نزاع حسن قاله طفي في أجوبته ، ومبتدأ في النذر المبهم إلخ . ( إطعام ) أي تمليك ولم يعبر به وإن كان هو المراد تبركا بمادة الآية وعدل عنه في الظهار إلى تمليك تفننا ( عشرة مساكين ) أي لا يملكون قوت عام فشملوا الفقراء أحرارا مسلمين لا تلزمه نفقتهم فتدفع لزوجها وولدها الفقيرين قاله اللخمي

والمعتبر مساكين محل الحنث وإن لم يكن محل اليمين ولا بلد الحالف ( لكل ) منهم ( مد ) نبوي ملء حفان متوسط لا مقبوض ولا مبسوط مما يخرج في زكاة الفطر ولا تشترط غربلته إلا إذا زاد غلته على ثلثه ويجزئ الدقيق بريعه ا هـ عب . طفي هذا في البر أبو الحسن فإن أخرج الشعير أو التمر أو الذرة أو غيرها فليخرج وسط الشبع منه . ابن عرفة وفي كون الواجب من غير البر قدر وسط الشبع من غيره أو قدر مبلغ شبع البر قولان للخمي عن المذهب والباجي مع النوادر عن محمد ، فقول س ظاهر المصنف أن غير البر مثله وهو المذهب قاله اللخمي غير صحيح . [ ص: 22 ] وندب ) بضم فكسر ( بغير المدينة ) المنورة بأنوار سيد المرسلين صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين شمل مكة إذ ليس عند أهلها قناعة كقناعة أهل المدينة ، ويفيده أيضا وعلى غير المدينة لقناعتها ونائب ندب ( زيادة ثلثه ) أي المد عند أشهب ( أو نصفه ) عند ابن وهب فأو للخلاف لا التنويع وعند مالك رضي الله تعالى عنه بالاجتهاد . طفي هذا كقول الرسالة وأحب إلينا أن لو زاد على المد مثل ثلث مد أو نصف مد وذلك بقدر ما يكون وسط عيشهم في غلاء أو رخص ومن أخرج مدا على كل حال أجزأه . ابن عمر وأبو الحسن أحب إلينا يعني المؤلف نفسه وظاهر الرسالة أنها مستحبة ولو بالمدينة الشريفة ، وظاهر قول المدونة : وأما سائر الأمصار فإن لهم عيشا غير عيشنا فليخرجوا وسطا من عيشهم ، وجوب الزيادة على المد بغير المدينة ، فانظر لم عدل عن ظاهرها إلى اختيار ابن أبي زيد ، وقد أبقى أبو الحسن المدونة على ظاهرها .

وجعل قول ابن القاسم حيثما أخرج المد أجزأه خلاف قول مالك رضي الله تعالى عنه ، وقال في توضيحه وظاهر قول مالك رضي الله تعالى عنه أنه لا بد من الزيادة على المد بغير المدينة كقول ابن وهب إلا أن مالكا رضي الله تعالى عنه لم يحد الزيادة ، ثم إن كان أشار بقوله ثلثه أو نصفه لقول ابن وهب وأشهب يرد عليه ما أورده ابن عبد السلام على ابن الحاجب من أن ظاهره أنهما يعتبران هذه الزيادة في سائر الأمصار سوى المدينة وليس كذلك ، وإنما هي في مصر وما قاربها في سعة القوت ، والمخلص من هذا أن المصنف تبع ابن أبي زيد وأو في كلامه للتنويع لا للخلاف وقد علمت ما فيه ( أو رطلان ) بغداديان ( خبزا ) تمييز لرطلين ( بأدم ) يكفي الرطلين عادة وهو مستحب على المعتمد ، وكذا المد بإدام ندبا وظاهره أي إدام فيشمل اللحم واللبن والزيت والبقل والقطنية والتمر .

وشبه في الإجزاء فقال ( كشبعهم ) مرتين كما في الحط ولعله استغنى عن مرتين بجعله قسيم الرطلين اللذين يؤكلان في مرتين غالبا سواء توالت المرتان أم لا طال الفصل بينهما أم [ ص: 23 ] لا مجتمعين أو متفرقين متساويين في الأكل أم لا شبعا متوسطا ، ويكفي شبعهم مرتين ولو دون الأمداد كما في الشامل ( أو كسوتهم ) أي العشرة مساكين جديدا أو لبيسا لم تذهب قوته ولا يشترط خياطته ( للرجل ثوب ) ساتر جميع جسده كما في الحط فلا يكفي عمامة وحدها ولا إزار وحده إن لم يبلغ الالتحاف به وإلا كفى عند ابن حبيب ، وقولها يجزئ في صلاته محمول على الإجزاء الكامل ( والمرأة درع ) بكسر المهملة وسكون الراء أي قميص والظاهر أنه ليس بشرط فيكفي ما يستر بدنها كله قميصا كان أو غيره ( وخمار ) بكسر الخاء المعجمة أي شيء تستر به رأسها وعنقها إن كان ما ذكر من وسط كسوة أهله .

بل ( ولو ) كان ( غير وسط ) كسوة ( أهله ) أي المكفر لإطلاقها في الآية عن تقييدها بكونها من وسط كسوة الأهل . ابن فرحون يعطى الرجل ثوبا وفي معنى الثوب الإزار الذي يمكن الاشتمال به في الصلاة . اللخمي والمراعى في الكسوة الفقير نفسه فيكسى الرجل ثوبا تاما يستر جميع جسده والمرأة ثوبا وخمارا ، ثم قال وليس عليه أن يجعل الكسوة مثل كسوة المكفر وأهله ولا مثل كسوة أهل بلده بخلاف الإطعام ا هـ .

( و ) الشخص ( الرضيع كالكبير فيهما ) أي الطعام والكسوة بصنفيه المد والرطلين بشرط أكله الطعام وإن لم يستغن به عن اللبن على الأصح كما في الشامل فيعطى كسوة كبير على المعتمد أو مدا أو رطلين خبزا وإن لم يأكله إلا في مرات ولا يكفي إشباعه . ابن الحاجب وفي جعل الصغير كالكبير فيما يعطاه قولان التوضيح القول بأنه كالكبير لمالك رضي الله تعالى عنه في العتبية وابن القاسم ومحمد ، والقول باعتبار نفس الصغير لأشهب ، وكون طعام الرضيع كالكبير مذهب المدونة ففي كتاب الظهار منها يطعم الرضيع من الكفارة إذا كان قد أكل طعاما ويعطى ما يعطى الكبير ا هـ . [ ص: 24 ] وحكى بعض المتأخرين قولا بأن الصغير يعطى ما يكفيه خاصة . ا هـ . ونحوه لابن عبد السلام ابن عرفة نقله عن بعض المتأخرين إعطاء الصغير ما يكفيه لا أعرفه ، بل توجيه الباجي كون كسوته ككبير بالقياس على كون طعامه كذلك دليل الاتفاق عليه في الطعام . ابن حبيب ولا يجزئ أن يغدي الصغار ويعشيهم .

( أو عتق رقبة ك ) الرقبة التي تعتق في كفارة ( الظهار ) في شروطها الآتية في بابه في قوله لا جنين وعتق بعد وضعه مؤمنة . وفي الأعجمي تأويلان : سليمة عن قطع إصبع وعمى وجنون وبكم ومرض مشرف وقطع أذن وصمم وهرم ، وعرج شديدين وجذام وبرص وفلج بلا شوب عوض لا مشتري المعتق محررة له لا من يعتق عليه ، وفي إن اشتريته فهو حر عن ظهاري تأويلان إلخ .

( ثم ) إذا عجز حين الإخراج عن الأنواع الثلاثة بأن لم يملك ما يباع على مفلس ( صوم ثلاثة أيام ) وندب تتابعها ( ولا تجزئ ) كفارة ( ملفقة ) بضم الميم وفتح اللام والفاء [ ص: 25 ] من نوعين كعتق نصف رقبة وإطعام خمسة أو كسوتهم وكإطعام خمسة وكسوة خمسة ، وأما من صنفي نوع فتجزئ كتمليك خمسة أمداد لخمسة وعشرة أرطال لخمسة ، وكذا ملفقة من أصناف الطعام الثلاثة : الأمداد والأرطال والإشباع ، وهذا في كفارة واحدة كما هو منطوق المصنف . فإن كان عليه ثلاث كفارات فأطعم عشرة وكسا عشرة وأعتق رقبة ونوى أن كل نوع منها عن يمين فإنها تجزئ كما في التوضيح ، سواء عين كل كفارة ليمين أم لا .

وكذا إن لم ينو شيئا وإنما المانع التشريك بجعل العتق عن الثلاثة ، وكذا الإطعام والكسوة فلا يجزئه شيء منها قاله عج وغيره ا هـ عب . البناني قوله فلا يجزئه شيء منها قاله عج وغيره فيه نظر وإن قاله عج إذ الذي في التوضيح وابن عرفة والحط وغيرهم أنه إن شرك الثلاثة فالعتق لا يجزئ اتفاقا لكونه لا يتبعض ، وأما الإطعام والكسوة فعلى التلفيق يبنى على ثمانية عشر لأنه قد ناب كل كفارة ثلاثة وثلث من الطعام ومثلها من الكسوة وإلا ثلاث لا تجزئ فتلغى ، وعلى عدم التلفيق وهو المشهور فقال ابن المواز يبني على ستة ثلاثة من الطعام وثلاثة من الكسوة ، ثم يكسو سبعة ويطعم سبعة ويكفر عن اليمين الثالثة بما شاء . وقال اللخمي يبني على تسعة إما من الطعام أو من الكسوة لأن كل واحدة نابها ثلاثة وثلث من الطعام ومن الكسوة فيلغي الثلث ويبني على تسعة الموضح ، وعلى قول اللخمي جميع الشيوخ ، وكان شيخنا يوجه قول ابن المواز بأن قاعدته لا تبتدئ كفارة من نوع الأولى قبل تكميلها ولو قصد التشريك في كل مسكين لم يصح [ ص: 26 ] له شيء اتفاقا ، وإن حمل كلام عج على هذا صح ولكنه بعيد . [ ص: 27 ] و ) يجزئ شيء ( مكرر ) من طعام أو كسوة ( لمسكين ) كإطعام خمسة كل واحد مدين أو أربعة أرطال أو كسوة كل واحد ثوبين قاله الأئمة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم لتصريح الآية بالعدد ، ولتوقع ولي فيهم تستجاب دعوته وأجاز أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إعطاءها واحدا قائلا لأن المقصود سد الخلة لا محلها ا هـ عب .

( و ) لا يجزئ طعام ( ناقص ) عن المد أو الرطلين ( كعشرين ) مسكينا ( لكل نصف ) من مد أو رطل في كل حال ( إلا أن يكمل ) بضم ففتح فكسر مثقلا المكفر في المسائل الثلاثة قبله فيكمل في التلفيق على نوع ملغيا غيره ، وفي التكرار بإعطاء من يكمل العشرة وفي الناقص بالتكميل على النصف أو الرطل لعشرة من العشرين ، ولا يصح التكميل في العتق إذ شرطه عتق الرقبة كلها في صيغة واحدة ، فلا يجزئ عتق نصفها في وقت ثم عتق نصفها الآخر في وقت آخر .

( وهل ) شرط إجزاء تكميل الناقص ( إن بقي ) النصف أو الرطل المكمل عليه بيد المسكين ، فإن ذهب من يده فلا يجزئ التكميل أو لا يشترط بقاء المكمل عليه بيده فيجزئ التكميل بعد ذهابه من يده فيه ( تأويلان ) وأما التكميل في التلفيق والتكرار فلا يشترط فيه البقاء اتفاقا . عياض الراجح عدم اشتراط البقاء بيده لوقت التكميل كما يفيده إجزاء الغداء والعشاء .

( وله ) أي المكفر ( نزعه ) أي النوع الذي لم يرد التكميل عليه في التلفيق والزائد على مد أو رطلين في التكرار وما دفعه لزائد على عشرة في النقص ( إن ) بقي ما أريد نزعه من المسكين بيده ، فإن ذهب منه فلا يغرم عوضه وكان المكفر ( بين ) بفتحات مثقلا وقت الدفع له أنه كفارة يمين ويكون النزع في مسألة الناقص ( بالقرعة ) قطعا للنزاع ، ولا يحتاج لها في المكرر لأخذه من الجميع ولا في التلفيق في أخذ ما لم يرد البناء [ ص: 28 ] عليه إذ له الخيار فيما يبني عليه ومحل القرعة في الناقص إذا لم يعلم الأخذ بعد العشرة ، وإلا تعين الأخذ منه بلا قرعة قياسا على بحث ابن عرفة في كفارة الظهار إذا أعطاها لمائة وعشرين مسكينا من قوله الأظهر أنه إذا علم الأخذ بعد الستين تعين رد ما أخذه .

( وجاز ) التكرار لمسكين ممن عليه كفارتان ( ل ) يمين ( ثانية ) فيدفعها لمساكين الكفارة الأولى ( إن ) كان ( أخرج ) الكفارة الأولى قبل الحنث في الثانية اتفاقا ( وإلا ) أي وإن لم يخرج الأولى أو أخرجها بعد حنثه في الثانية ( كره ) دفع الثانية لمساكين الأولى لئلا تختلط النية في الكفارتين قاله ابن أبي زيد ، فإن نوى كلا على حدتها جاز وصوبه أبو عمران . ابن عرفة لفظ ظاهرها يأباه هذا إذا كانت الكفارتان ليمين بل ( وإن ) اختلف موجبهما ( كيمين وظهار وأجزأت ) الكفارة أي إخراجها ( قبل حنثه ) أي الحالف في اليمين باسم الله أو صفته أو بعتق معين أو بتات أو صدقة بمعين سواء كانت اليمين على حنث أو بر ، وأما إن كانت بمشي إلى مكة أو صيام أو صدقة بغير معين أو بعتق كذلك أو بطلاق دون غايته ، فكذلك إن كانت الصيغة صيغة حنث غير مقيدة بأجل لا إن كانت صيغة بر وحنث مقيدة بأجل فلا يجزئ تكفيرها قبل الحنث فيها .

فإن قلت كيف يمكن إخراجها في الحنث قبله وإخراجها عزم على الضد وهو حنث ؟ . [ ص: 29 ] قلت : يصور بإخراجها مع تردده في الحنث وعدمه ، ثم يجزم به بعد الإخراج قاله عج . وأما إن عين زمن الصوم أو المشي في أيام ومضت قبل حنثه كعليه صوم العشر الأخيرة من رجب أو المشي لمكة فيه إن كلمت زيدا أو كلمه في شعبان فلا شيء عليه ، وإن كلمه قبل مجيئها لزمه صومها وصورة الطلاق البالغ الغاية قوله إن دخل الدار فزوجته طالق ثلاثا ثم طلقها ثلاثا أو تممها ثم عادت إليه بعد زوج قبل دخول الدار ثم دخلها وهي في عصمته فلا شيء عليه ، وإطلاق التكفير على هذا مجاز بمعنى أن لا تعود عليه اليمين في العصمة الجديدة . بخلاف طلاقها دون الغاية وعادت إليه ولو بعد زوج فتعود عليه اليمين فإن دخل الدار حنث ا هـ عب .

البناني قوله سواء كانت اليمين في هذه المذكورات إلخ صحيح إلا أنه مقيد في اليمين بالله بأن لا تكون بصيغة حنث مقيدة بأجل وإلا فلا تجزئه الكفارة إلا بعد الأجل كما في المدونة ، ونصها ومن قال والله لأفعلن كذا ، فإن ضرب أجلا فلا يكفر حتى يمضي الأجل . [ ص: 30 ] وقوله فإن قلت كيف يخرجها إلخ المراد هنا بالحنث الذي يجزئ الإخراج قبله في صيغة الحنث هو فوت المحلوف عليه ، وأما العزم على الضد فلا بد منه قبل الإخراج كما يفيده كلامهم ، قال فيها في كتاب النذور ومنقال لامرأته أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها واحدة ثم يرجعها فتزول يمينه ا هـ . وقال ابن عرفة ابن حرث اتفقوا في ذات الحنث على جوازها قبله إن عزم على عدم البر . ا هـ . وبهذا تعلم سقوط ما ذكره عب عن عج من السؤال والجواب .

( ووجبت ) الكفارة ( به ) أي الحنث على الفور فيما يظهر ، وظاهر المصنف أن موجبها الحنث ، وظاهر قوله وأجزأت قبل حنثه أن موجبها اليمين فليحرر النقل في ذلك قاله عب . البناني قوله وظاهر قوله وأجزأت قبل حنثه إلخ فتصور لأن كونها لا تجب إلا بالحنث طوعا متفق عليه كما في التوضيح وإجزاؤها قبله إنما هو لتقدم سببها وهي [ ص: 31 ] اليمين كما في التوضيح والمواق وتت كالعفو عن القصاص قبل الموت لتقدم سببه وهو الجرح ، ولها نظائر .

ووجوبها بالحنث ( إن لم يكره ) بضم المثناة وفتح الراء الحالف على الحنث ( ب ) يمين ( بر ) بأن كانت يمينه على حنث وحنث طائعا أو مكرها أو على بر وحنث طائعا فتجب في هذه الصور الثلاثة وهي منطوق كلام المصنف ، ومفهومه أنه إن أكره على الحنث في صيغة بر فلا تجب عليه الكفارة لعدم حنثه فيه ، ولو كان الإكراه من غير عاقل كدابة جمحت براكبها حتى أدخلته الدار المحلوف على عدم دخولها غير قادر على ردها ولا عن النزول عنها كما ذكره ابن عرفة بستة قيود أن لا يعلم حال اليمين أنه يكره على الفعل وأن لا يأمر غيره بإكراهه وأن لا يكون الإكراه شرعيا ، وأن لا تكون يمينه لا أفعله طائعا ولا مكرها ، وأن لا يفعله بعد زوال إكراهه ، وأن لا يكون الحالف على شخص هو المكره له وإلا حنث .

ووجه الفرق بين عدم الحنث بالإكراه في يمين البر وبين الحنث بالإكراه في يمين الحنث أن حنثه فيها بالترك والبر حنثه فيها بالفعل ، وأسباب الترك كثيرة فضيق فيه ، وأسباب الفعل قليلة ضعيفة فوسع فيه . ( تنبيهات )

الأول كلام المصنف في الإكراه على نقيض المحلوف عليه ، وأما الإكراه على فعل المحلوف عليه فلا يبر به إلا إن كان نوى فعله ولو مكرها فيصدق في الفتوى فقط ، وكذا الحالف على فعل غيره كليقومن زيد وأكرهه الحالف على القيام فلا يبر إلا أن ينوي ليوجدن منه القيام طائعا أو مكرها فيصدق في الفتوى فقط .

( الثاني ) من الإكراه يبر ما قاله ابن القاسم عن مالك رضي الله تعالى عنهما فيمن حلف بطلاقه لا خرجت امرأته من الدار فأتاها سيل أو هدم أو أمر لا قرار لها معه أو أخرجها أهل الدار المكتراة مدة انقضت فلا شيء عليه في خروجها واليمين عليه في الدار التي انتقلت إليها .

( الثالث ) يؤخذ مما تقدم حكم نازلة وهي : من حلف بالطلاق على زوجته لا خرجت [ ص: 32 ] إلا بإذني وسافر ونودي بفتح كنيف وهي حامل أو مرضع فخرجت لخوفها على جنينها أو ولدها أنه لا بحنث لأنه لأمر لا قرار لها معه .




الخدمات العلمية