الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 121 ] وعجل الإحرام في أنا محرم أو أحرم إن قيد بيوم كذا كالعمرة [ ص: 122 ] مطلقا ، [ ص: 123 ] إن لم يعدم صحابة لا الحج والمشي فلأشهره إن وصل وإلا فمن حيث يصل على الأظهر

التالي السابق


( و ) من نذر الإحرام أو حلف به وحنث فإن صرح أو نوى فورا أو تراخيا عمل عليه وإلا ( عجل ) بفتحات مثقلا أي أنشأ الملتزم ( الإحرام ) بحج أو عمرة ( في ) قوله إن فعلت أو إن لم أفعل كذا ف ( أنا محرم ) بحج أو عمرة بصيغة اسم الفاعل ( أو ) فأنا ( أحرم ) بصيغة المضارع ( إن قيد ) بفتحات مثقلا الملتزم إحرامه ( بيوم كذا ) كأول يوم من رجب أو مكان كذا كمصر وحنث بفعل المحلوف عليه في البر أو تركه في الحنث أو قال لله علي أنا محرم أو أحرم بحج أو عمرة من أول يوم من رمضان أو من بركة الحاج فيجب عليه إنشاء الإحرام في اليوم أو المكان الذي قيد به هذا قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه . وقال سحنون رحمه الله تعالى يصير محرما بمجرد حنثه أو نذره في اليوم أو المكان الذي قيد به ، ولا يحتاج لإنشاء إحرام في أنا محرم بصيغة اسم الفاعل ، وأما إذا أحرم بصيغة المضارع فقد اتفق فيه ابن القاسم وسحنون على أنه يستأنف الإحرام قاله أبو الحسن وابن محرز وابن راشد وغيرهم ، هذا مراد المصنف لا ما يعطيه ظاهره من تعجيله الإحرام في وقت التزامه قبل حصول المعلق عليه من فعل أو ترك وقبل الزمان أو المكان الذي قيد به ، ودليل المراد كلام أئمة المذهب .

وشبه في وجوب تعجيل الإحرام فقال ( ك ) ناذر الإحرام ب ( العمرة ) أو الحالف [ ص: 122 ] به وحنث حال كونه ( مطلقا ) بكسر اللام أي غير مقيد الإحرام بها بزمان ، ولا مكان كلله علي أنا محرم أو أحرم بعمرة أو إن فعلت أو إن لم أفعل كذا فأنا محرم أو أحرم بها فيجب عليه إنشاء الإحرام بها . طفى قوله كالعمرة مطلقا أي غير مقيدة بيوم كذا مع كونها مقيدة بالإحرام بأن قال مثلا إن كلمت فلانا فأنا محرم بعمرة كما فرضها في المدونة ، أما لو لم يقيدها بالإحرام بل قال إن كلمت فلانا فعلي عمرة ، أو قاله ابتداء فلا يلزمه تعجيل الإحرام بل يستحب كما في ابن عرفة ، وكذا الحج المطلق أي غير المقيد بيوم كذا مع كونه مقيدا بالإحرام بأن قال مثلا إن كلمت فلانا فأنا محرم بحج . وأما غير المقيد بالإحرام بأن قال مثلا إن كلمت فلانا فعلي حج أو قال علي حج فلا يلزمه تعجيل الإحرام ولو في أشهره ، بل يستحب فقط ، وكذا فرضه في المدونة في المقيد بالإحرام كالعمرة ، وكذا في الجواهر ولم يحك ابن عرفة غير لفظ المدونة ، وعلى ذلك يحوم كلام ابن الحاجب .

والحاصل أن النذر على ثلاثة أقسام وكلها تؤخذ من المدونة : مقيد بالزمان كيوم كذا يلزم تعجيل الإحرام في ذلك اليوم ، ومقيد بالإحرام فقط يلزم تعجيل الإحرام في العمرة إن لم يعدم صحابة وفي الحج لأشهره إن وصل وإلا فمن حيث يصل . وغير مقيد بالإحرام ، ولا الزمان فلا يلزمه التعجيل ، بل يستحب حجا أو عمرة وجد صحابة أم لا في أشهر الحج أو غيرها ، هذا ملخص كلام أهل المذهب فتلقه باليمين ، وشد عليه يد الضنين ، وغض الطرف عما في كلام الشروح ، ، ولا يصح فتح اللام من مطلقا ; لأنه يكون المراد بالإطلاق سواء قيدت بزمن أم لا ، والتشبيه يقتضي تخصيصها بغير المقيدة لدخول المقيدة فيما قبله . وأيضا الإطلاق يقتضي أن قوله إن لم يعدم صحابة يجري في العمرة المقيدة بالزمان ، وما قبل الكاف يقتضي عدم جريانه فيها لشموله الحج والعمرة فيتناقضان ، ولا يصح الإطلاق على أن يكون ما قبل الكاف خاصا بالحج ; لأن قوله إن لم يعدم صحابة إنما هو منصوص في العمرة المطلقة دون المقيدة ولذلك تعين كسر اللام . ا هـ . [ ص: 123 ] بناني ، فيجب تعجيل إنشاء الإحرام بالعمرة المطلقة ( إن لم يعدم ) بفتح الياء والدال ملتزم الإحرام بالعمرة المطلقة ( صحابة ) بفتح الصاد أي رفقة يسافر معهم ، فإن عدم صحابة فلا يجب عليه تعجيل الإحرام بها ، وأما العمرة المقيدة بالزمان فيجب تعجيل الإحرام بها ولو عدم صحبة كالحج المقيد به ما لم يخف على نفسه ضررا من الإحرام .

وعطف بلا على العمرة فقال ( لا ) ملتزم ( الحج ) المطلق قبل أشهره فلا يلزمه تعجيل الإحرام به قبلها ( و ) لا ملتزم ( المشي ) لمكة المطلق عن التقييد بزمن وعن التقييد بحج أو عمرة فلا يؤمر بالتعجيل في الصورتين ( ف ) يلزمه الإحرام فيهما ( لأشهره ) أي الحج أي عند استهلالها ( إن وصل ) أي إن كان إذا خرج من بلده في أشهر الحج يصل إلى مكة ويدرك الحج في عامه ، لكن في التزام الحج يحرم به من مكانه ، وفي التزام المشي المطلق يحرم به من الميقات فإن أحرم به قبله أجزأ ( وإلا ) أي وإن كان لا يصل لمكة إن استمر في بلده إلى أشهر الحج قبل الحج ويفوته الحج في عامه ( ف ) يحرم ( من حيث ) أي الزمان الذي ( يصل ) فيه لمكة ويدرك الحج في عامه ، فاستعمل حيث في الزمان على مذهب الأخفش ، ومذهب الجمهور أنها ظرف مكان دائما ( على الأظهر ) عند ابن رشد من الخلاف . ابن غازي لم أقف عليه لابن رشد بل لابن يونس ، ومثله لابن عبد السلام إذ قال قيد قوله في المدونة لا يلزمه إحرام الحج إلا في أشهره بما إذا أمكن وصوله إلى مكة من موضع الحلف إن خرج في أشهره ، فهذا هو الذي له التأخير للإحرام ، وأما إذا كان لا يصل إلى مكة إذا خرج من موضع الحلف في أشهره فهذا يجب عليه الخروج محرما قبل أشهره أو يخرج حلالا ، فإذا دخلت عليه أشهره أحرم سواء وصل للميقات أم لا

والأول هو مذهب ابن أبي زيد ، والثاني مذهب القابسي . والظاهر مذهب أبي محمد ; لأن المنذور [ ص: 124 ] هو الإحرام بالعمرة أو الحج لا الخروج إليهما ، فإذا وجب تعجيل المنذور وجب تعجيل الإحرام . طفى وأما قوله والمشي فمشكل لاقتضائه أن من قال لله علي المشي في حج يلزمه الإحرام في أشهره وليس كذلك ، إذ قوله لله علي المشي أو إن كلمت فلانا فعلي المشي كقوله لله علي الحج أو العمرة أو إن كلمت فلانا فعلي الحج أو العمرة ، وتقدم أن غير المقيد بالإحرام والزمان لا يجب تعجيله مطلقا ، ولم أر من ذكر المشي غيره ، والعجب من تت كيف أقره على ظاهره وقال لا يعجل الإحرام ، وشهره ابن الحاجب . وإذا لم يلزمه التعجيل فلأشهره لاقتضائه أن ابن الحاجب قال يلزمه الإحرام في أشهره وليس كذلك ، بل قال والمشهور فيه التراخي . وقال في الشامل ، ولا يلزم الفور في المشي على المنصوص . ا هـ . وحمل ابن عاشر المشي على معنى الخروج وجعله من تمام ما قبله ، والمعنى أن من نذر الإحرام بالحج وأطلق فلا يلزمه تعجيل الإحرام والخروج بل له تأخيرهما إلى أشهر الحج وهو بعيد .




الخدمات العلمية