الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 148 ] بقطع ماء وآلة وبنار ; إن لم يكن غيرها ، ولم يكن فيهم مسلم ، [ ص: 149 ] وإن بسفن ، وبالحصن [ ص: 150 ] بغير تحريق وتغريق مع ذرية ، وإن تترسوا بذرية تركوا ; إلا لخوف ، وبمسلم لم يقصد الترس ; إن لم يخف على أكثر المسلمين .

التالي السابق


وصلة قوتلوا ( بقطع ماء ) عنهما ليموتوا عطشا أو عليهم ليموتوا غرقا ( و ) ب ( آلة ) لقتل كسيف ورمح ونبل ولو كان فيهم نساء وصبيان ولو خيف على الذرية كما { فعل صلى الله عليه وسلم بأهل الطائف } ( و ) قوتلوا ( بنار ) ترسل عليهم لتحرقهم ( إن ) خيف منهم على المسلمين اتفاقا و ( لم يمكن غيرها ) أي النار لتحصنهم بما لا يفيد فيه غيرها ، فإن أمكن غيرها فلا يجوز قتالهم بها عند ابن القاسم وسحنون . وقال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه يقاتلون بها وإن لم يخف منهم على المسلمين فهل يجوز إحراقهم إذا انفرد المقاتلة ولم يمكن قتلهم إلا بها ، في المذهب قولان الجواز والمنع . ابن رشد الحصون إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة أجاز في المدونة أن يرموا بالنار .

( ولم يكن فيهم مسلم ) فإن كان فيهم مسلم فلا يقاتلون بها اتفاقا برا أو بحرا ولو خيف منهم على المسلمين خلافا للخمي ا هـ توضيح . وبالغ على جواز قتالهم بالنار بالشرطين [ ص: 149 ] المذكورين فقال ( وإن ) كنا وإياهم أو أحد الفريقين منا أو منهم ( بسفن ) بضم السين والفاء جمع سفينة ويصح رجوعها للمفهوم لكنه ظاهر بالنسبة لمفهوم الشرط الثاني ، وغير ظاهر بالنسبة لمفهوم الشرط الأول ، لأن الراجح جواز قتالهم بها حيث لم يكن فيهم مسلم ، وكن وإياهم بسفن سواء أمكن غيرها أم لا أفاده عب .

البناني رجوعها للمنطوق فيه نظر ; لأن قتالهم بها في السفن مع اجتماع الشرطين جائز اتفاقا كما في المواق عن ابن رشد ، وإنما الخلاف في الحصن فلا محل للمبالغة ، وبهذا اعترضها الشارح فالصواب رجوعها للمفهوم ، لكنه غير ظاهر بالنسبة لمفهوم الشرط الأول . ونص ابن رشد وقع في المذهب اختلاف كثير فيما يجوز به قتل العدو وما لا يجوز وتلخيصه أن الحصون إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة فأجاز في المدونة أن يرموا بالنار ، ومنع من ذلك سحنون ، وقد روي ذلك عن مالك من رواية محمد بن معاوية الحضرمي ، ولا خلاف فيما سوى ذلك من تغريقهم بالماء ورميهم بالمجانيق وما أشبه ذلك .

وأما إن كان فيها المقاتلة والنساء والصبيان ففيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه يجوز أن يرموا بالنار ويغرقوا بالماء ويرموا بالمجانيق وهو قول أصبغ .

والثاني : أنه لا يجوز أن يفعل بهم شيء من ذلك وهو قول ابن القاسم والثالث : أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق ويغرقوا بالماء ، ولا يجوز أن يرموا بالنار ، وهو قول ابن حبيب والرابع : أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق ، ولا يجوز أن يغرقوا ، وهو مذهب مالك في المدونة .

وأما إن كان في الحصن مع المقاتلة أسير فلا يرموا بالنار ، ولا يغرقوا بالماء ، واختلف في قطعه عنهم ورميهم بالمجانيق فأجازه ابن القاسم وأشهب ومنعه ابن حبيب حاكيا عن مالك وأصحابه المدنيين والمصريين . وأما السفن فإن لم يكن فيها مسلم فيجوز رميهم بالنار وإن كان فيها النساء والصبيان قولا واحدا ، وإن كان فيها مسلم أسير فأجازه أشهب ومنعه ابن القاسم .

( و ) قوتلوا ( بالحصن ) أتى به معرفا تنبيها على خروجه من حيز المبالغة وعلى [ ص: 150 ] احترام الذرية فيه ، ولذا قال ( بغير تغريق وتحريق ) أمكن غيرهما أم لا وهذا كالتخصيص لظاهر قوله بقطع ماء بناء على أن المراد عليهم حال كونهم ( مع ذرية ) أو نساء وأولى مع مسلم فيتركون إن لم يخف على المسلمين وظاهر المصنف أنهم يرمون بالمنجنيق بفتح الميم وكسرها وفتح الجيم ولو مع ذرية أو نساء أو مسلم وهو كذلك .

( وإن تترسوا ) بفتحات مثقلا أي الحربيون لا بقيد كونهم بحصن ( بذرية ) لهم أو نسائهم أي جعلوها ترسا يتوقون به ( تركوا ) بضم فكسر بلا قتال لحق الغانمين في كل حال ( إلا لخوف ) منهم على المسلمين فيقاتلون وظاهره كابن بشير وإن قل المسلمون الذين خيف عليهم منهم ( و ) إن تترسوا ( بمسلم ) قوتلوا و ( لم يقصد ) بضم المثناة وفتح الصاد ( الترس ) بضم فسكون بالرمي وإن خفنا على أنفسنا ; لأن دم المسلم لا يباح بالخوف على النفس ( إن لم يخف ) بضم ففتح ( على أكثر المسلمين ) شرط للأخيرة ولقوله وبنار ، ولقوله وبالحصن إلخ فإن خيف على أكثر المسلمين جاز قتالهم وسقطت حرمة الترس ، سواء كان ذريتهم أو مسلما . والفرق بين تترسهم بمسلم وتترسهم بذريتهم أن نفوس المسلمين مجبولة على بغض الكافرين ، فلو أبيح قتالهم حال تترسهم بذريتهم مع عدم قصد الترس لأدى لقتل ذريتهم لعدم تحرز المسلمين منه لبغضهم ، وهذا يقتضي جواز قتالهم حال تترسهم بمسلم وإن لم يخف منهم وهو ظاهر المصنف والجواهر إذ قوله وبمسلم إلخ صادق بعدم الخوف أصلا وبخوف يسير بدليل الشرط بعده والاستثناء قبله . وحمل أحد قوله وبمسلم على الخوف منهم .

أي وإن تترسوا وخيف منهم فإنهم يرمون ، ولا يقصد الترس إلا أن يخاف على أكثر [ ص: 151 ] المسلمين فيسقط اعتبار عدم قصد الترس والأحوال ثلاثة أحدها الخوف على أكثر المسلمين فيقاتلون تترسوا بمسلم أو بذرية ، ولا يشترط عدم قصد الترس ، ثانيا الخوف منهم على أقل المسلمين فيقاتلون إن تترسوا بمسلم ولا يقصد الترس وإن تترسوا بذرية فيقاتلون ، ولا يعتبر الترس ، ثالثها أن لا يخاف منهم ، فإن تترسوا بمسلم قوتلوا أو لا يقصد الترس وإن تترسوا بذرية تركوا على الفرق المتقدم وعلى تقرير أحمد يتركون فيهما .




الخدمات العلمية