الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في بيع الذمي أرض الصلح .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الذمي تكون له الأرض والدور وهي من أرض الصلح قد صولحوا عليها أله أن يبيعها ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      [ ص: 296 ] قلت : وكيف هذه التي صالحوا عليها ، صفها لي ؟

                                                                                                                                                                                      قال : تكون أرضهم في أيديهم ممنوعة قد منعوا أرضهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها ، ومنعوا أهل الإسلام من الدخول عليهم إلا بعد صلح ، فهذه أرض الصلح ، فما صالحوا عليها فهي لهم بما صالحوا عليه من الجزية على جماجمهم والخراج على أرضهم . فهذه إذا أراد أن يبيعها لم يمنع من بيعها وإن مات ورث ذلك ورثته إلا أن لا يكون له ورثة فتكون لجميع أهل الإسلام ، وإن أسلم وهي في يديه سقطت عنه جزية جمجمته وجزية أرضه وله أرضه بحالها بعد إسلامه بغير خراج .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : سمعت مالكا يقول في الرجل الذمي المصالح : إذا أسلم سقط عن أرضه وجمجمته الخراج وصارت له ; لأنه لو لم يجز له بيعها لم ينبغ له أن تكون له إذا أسلم وهي في يديه .

                                                                                                                                                                                      قال : وقد بلغني أن مالكا كان يقول له : أن يبيع أرضه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن اشترى رجل مسلم أرض هذا المصالح منه ، ما يكون على هذا المسلم فيها ؟ قال : ليس على هذا المسلم فيها شيء وخراج الأرض على الذمي كما هو بحاله بعد البيع خراج الأرض التي صالح عليها .

                                                                                                                                                                                      قلت : وكذلك إن باعها من ذمي ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم خراجها على الذي صالح والبيع جائز .

                                                                                                                                                                                      قلت : وتحفظ هذا عن مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ، ولم أسمع في هذا شيئا ، ولقد سأله عنه ناس من المغربيين فأبى أن يجيبهم في ذلك بشيء ، إلا أنه بلغني عنه ممن أثق به أنه قال : لا بأس أن يبيعوها إن كانت أرض صلح .

                                                                                                                                                                                      قلت : فلو أن قوما صالحوا على أرضهم فاشترى أرضهم منهم رجل من المسلمين والذين صالحوا على ذمتهم ؟ قال : عليهم ما صالحوا عليه من تلك الأرض التي باعوا ما كان عليها عندهم إذا اشتراها هذا المسلم ، إنما يؤخذ بما عليها هذا الذي باعها الذي صالح عليها ما دام الذي صالح على ذمته ، فإن أسلم الذي صالح على هذه الأرض ، والأرض عند هذا المسلم الذي اشتراها سقط خراجها عن هذا الذي صالح عليها ; لأن هذا الذي صالح عليها لو كانت هذه الأرض في يديه حين أسلم لسقط عنه خراجها ، فهي وإن كانت في يد هذا المسلم سقط عنه الخراج بإسلام بائعها . قال : وهو رأيي ، قال : وإن كان اشتراها المسلم على أن خراجها عليه والذمي منه بريء فهذا بيع حرام لا يحل ; لأنه اشترط عليه ما لا يدري ما قدره ولا منتهاه ولا ما يبلغ .

                                                                                                                                                                                      [ ص: 297 ] وذكر ابن نافع ، عن مالك أنه سئل عن أهل الذمة هل لهم أن يبيعوا أصل أرضهم ؟ قال : ذلك يختلف ، أما الذين أخذوهم وأرضهم عنوة ، ثم أقروا فيها وضربت عليهم الجزية فليس لأحدهم أن يشتري منهم أصل أرضهم ; لأنهم وأرضهم للمسلمين ، وأما الذين صالحوا على الجزية فإن أصل أرضهم لهم ولهم أن يبيعوها ويصنعوا فيها ما أحبوا وهي مثل ما سواها من أموالهم إذا لم يكن على الأرض جزية .

                                                                                                                                                                                      وقال أشهب بن عبد العزيز : إذا اشتراها فعلى الأرض ما كان عليها عندهم إن اشتراها هذا المسلم يؤخذ بما عليها ما دام الذي باعها على دينه فإن أسلم الذين صالحوا على هذه الأرض والأرض عند المسلم الذي اشتراها سقط خراجها عن هذا الذي اشتراها بمنزلة ما لو كانت في يد الذي صالح عليها ثم أسلم يسقط عنه خراجها .

                                                                                                                                                                                      وذكر ابن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : اشترى عبد الله أرضا وشرط على صاحبها الخراج .

                                                                                                                                                                                      ابن مهدي ، عن حفص بن غياث ، عن مجالد ، عن الشعبي : أن عبد الله بن مسعود اشترى أرضا من أرض الخراج

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية