الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الرجل يسلف الطعام في الطعام قلت : أرأيت إن أسلفت الحنطة في البقول أو شيئا من الطعام في البقول ؟ .

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجوز لأن هذا يؤكل .

                                                                                                                                                                                      قلت : وكذلك لو سلف حنطة في قصيل أو قصب أو قرط أو فيما يعلف الدواب هل يجوز في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إن كان يحصده ولا يؤخره حتى يبلغ ويكون حبا فلا بأس بذلك في قول مالك .

                                                                                                                                                                                      قال : لأن هذا ليس بطعام .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن رجلا سلف حنطة في حنطة مثلها إلى أجل قال : لا خير فيه إلا إن كان ذلك منه سلفا على وجه المعروف ، فالسلف جائز إلى أجله وليس له أن يأخذ منه قبل محل الأجل وهذا عندي قرض إلى أجل ، فأما أن يسلف الرجل حنطة في حنطة مثلها إلى أجل على وجه المبايعة فإن كانت المنفعة فيه للقابض فلا خير فيه . ألا ترى إلى الحديث الذي جاء : { البر بالبر ربا إلا هاء وهاء } .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أسلفت حنطة جيدة في حنطة رديئة إلى أجل أسلفت سمراء في محمولة أو محمولة في سمراء إلى أجل أو أسلفت صيحانيا في جعرور أو جعرورا في صيحاني إلى أجل ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : ذلك حرام لا يحل .

                                                                                                                                                                                      قلت : وكذلك إن سلفت حنطة في شعير أو شعيرا في حنطة إلى أجل ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : كل ذلك حرام لا يحل ولا يجوز .

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : كل من سلف طعاما في طعام إلى أجل فلا يجوز إلا أن يقرض رجل رجلا طعاما في طعام مثله من نوعه لا يكون أجود منه ولا دونه ولا يكون إنما أراد بذلك المنفعة للذي أسلف فهذا يجوز إذا أقرضه إلى [ ص: 77 ] أجله وما سوى ذلك من الطعام قال : لا يصلح أن يسلف بعضه في بعض إذا كان مما يؤكل أو يشرب أو كان مما يكال أو يوزن أو يعد عدا فإنه سواء لا يصلح الأجل فيما بين ذلك ، قلت : وكذلك إن سلف حنطة في عسل أو في بطيخ أو في قثاء أو في صير أو في جراد أو في شيء من الأشياء مما يؤكل لا يجوز في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم لا يجوز شيء من ذلك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت من سلف حنطة في بقول أو شيئا من الطعام في بقول ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجوز لأن هذا طعام يؤكل قلت : أرأيت إن أسلفت البيض في البيض أيجوز هذا في قول مالك أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : هذا مثل ما وصفت لك من سلف الحنطة في الحنطة إن كان أسلفه إياها سلفا فلا بأس به على وجه المعروف .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أسلفت بيضا في قرص خبز أو في تفاح أو في الفاكهة الخضراء أو في البقول كلها أيجوز أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجوز عند مالك لأن هذا طعام كله ، قال : وقد أخبرتك بأصل قول مالك : إن الطعام في الطعام لا يجوز أن يسلف بعضه في بعض إلا أن يكون النوع في مثله بحال ما وصفت لك في السلف في الحنطة على القرض بينهما إذا كان في مثله .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب ، وأخبرني الليث وغيره عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن : أنه سأل ابن المسيب عن الطعام بالطعام نظرة فقال : الطعام كله بالطعام ربا إلا يدا بيد . قال : قلت : فإني آتي إلى السقاط وهو البياع فآخذ منه الفاكهة بالحنطة حتى أقتضيه ، فقال : لا تفعل ، ولكن خذ منه بدرهم حتى توفيه إياه ثم خذ منه درهمك ما بدا لك ثلثه أو نصفه أو ما أحببت منه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية