الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كان المذهب وجوب الرد بالعيب القليل والكثير إلا الدار فإن عيبها قد يزول بالإصلاح ; فلذا قسموه ثلاثة أقسام : قليل جدا لا ترد به ولا قيمة ومتوسط لا ترد به وفيه القيمة ، وكثير ترد به أشار إلى ذلك بقوله ( و ) لا رد بوجود ( عيب قل ) جدا ( بدار ) كسقوط شرافة وكسر عتبة ولا أرش له ( وفي قدره ) أي القليل لا جدا فالضمير عائد على القليل لا بالمعنى المتقدم فالمراد في قدر القليل المتوسط هل يرد للعرف والعادة ، أو هو ما دون الثلث والثلث كثير ، وهو الراجح ، أو ما دون الربع ، أو ما نقص عن معظم الثمن ، أو عن عشرة من المائة ( تردد ورجع بقيمته ) أي المتوسط الذي في قدره التردد فتقوم الدار سالمة ومعيبة ويؤخذ من الثمن النسبة ( كصدع جدار لم يخف عليها ) أي على الدار ( منه ) السقوط سواء خيف على الجدار الهدم أم لا أي وكان الصدع ينقص الثمن ، وإلا كان من القليل جدا الذي لا رد به ولا رجوع بقيمته ، فإن خيف عليها منه فمن الكثير الذي ترد به وفي قدره تردد يعلم من التردد في المتوسط [ ص: 115 ] لأنه ما زاد على المتوسط على كل من الأقوال ( إلا أن يكون ) الجدار الذي لم يخف عليها منه ، أو العيب ( واجهتها ) أي في واجهتها ونقص الثلث ، أو الربع فأكثر ، أو غير ذلك على الخلاف المتقدم ( أو ) يكون متعلقا ( بقطع منفعة ) من منافعها ومثله بقوله ( كملح بئرها بمحل الحلاوة ) أي بمحل الآبار التي ماؤها حلو وكتهوير بئرها وغور مائها ، أو خلل أساسها ، أو لا مرحاض لها ، أو كونه على بابها ، أو سوء جارها ، أو شؤمها ، أو جنها ، أو كثرة نملها ، أو بقها ونحو ذلك فله الرد بذلك ( وإن قالت ) الأمة لمشتريها ( أنا مستولدة ) لبائعي ، أو أنا حرة ، وكذا الذكر ( لم تحرم ) عليه ما لم يثبت ذلك ( لكنه عيب ) يثبت له الرد به إن قالته قبل الشراء ، أو بعده وقبل دخولها في ضمان المشتري بل في زمن العهدة ، أو المواضعة لا إن قالته بعد دخولها في ضمانه ، ثم ( إن رضي به ) وأراد بيعها ( بين ) ذلك وجوبا ، ولو في الصورة الثالثة التي لا رد له فيها . .

التالي السابق


( قوله بالعيب القليل والكثير ) فلذا قيل إن الكتاب يرد بنقص ورقة كما في البدر القرافي ( قوله إلا الدار ) أي وكذلك غيرها من بقية العقار كالفرن والحمام والطاحون والخان فلا ترد كغيرها بالقليل والكثير بل بالكثير فقط وقوله فإن عيبها إلخ هذا إشارة للفرق بين الدار وغيرها ، وحاصله أن الدار يسهل إصلاح عيبها وزواله بحيث لا يبقى منه شيء بخلاف غيرها ولأن الدار لا تخلو عن عيب فلو ردت بالقليل لأضر بالبائع فتسوهل فيها ولأنها لا تراد للتجارة بل للقنية فتسوهل فيها ( قوله ولا قيمة ) أي ولا رجوع على البائع بقيمته ( قوله وكسر عتبة ) أي أو رف ، أو خلع بلاطة ، أو ضبة ( قوله أي القليل ) يعني من العيب لا جدا وأشار الشارح بهذا إلى أن في كلام المصنف استخداما ; لأن التردد فيما فيه الأرش ، وهو المتوسط ، وهو غير اليسير المتقدم ( قوله هل يرد للعرف ) أي فما قضى العرف بقلته فهو قليل وما قضى بكثرته فهو كثير ( قوله ، أو ما دون الثلث ) أي ما نقص من القيمة أقل من الثلث وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن وقوله ما دون الربع أي ، أو ما نقص من القيمة أقل من الربع وهذا قول ابن عتاب ( قوله ، أو ما نقص عن معظم الثمن ) المراد بالثمن القيمة أي ، أو ما نقص عن معظم القيمة بأن نقص نصف القيمة فأقل وهذا قول أبي محمد فإذا اشتريت دارا فوجدت بها عيبا أرشه إذا طرح من قيمتها يكون أقل من معظمها بأن كان نصفها ، أو أقل منه كان ذلك العيب متوسطا ( قوله ، أو عن عشرة ) أي ، أو ما نقص القيمة عن عشرة بالنسبة لما إذا كانت القيمة مائة أما المنقص للعشرة فكثير فإذا اشتريت دارا فوجدت بها عيبا ينقص تسعة دنانير من مائة قيمتها فهو قليل ، وإن كان ينقص عشرة فهو كثير وهذا قول ابن رشد ولعله تفسير لقول ابن العطار : إن اليسير ما نقص عن العشرة وما نقص العشرة كثير ولم يبين من كم ( قوله ورجع بقيمته ) أي ورجع المشتري على البائع بقيمته ولا رد للمشتري به أيضا إلا أن يقول البائع اردد علي ما بعته لك وخذ الثمن ، وإلا كان له الرد إلا أن يفوت المبيع فيتعين أخذ قيمة العيب كذا في المواق نقلا عن نوازل ابن الحاج وفي التحفة : إن المتوسط كالكثير في الرد به قال فيها :

وبالكثير المتوسط لحق فيما من العيب الخيار قد يحق

قال الشيخ ميارة في شرحها وهذا هو الذي جرى به العمل بفاس ( قوله سواء خيف على الجدار الهدم أم لا ) هكذا في الأمهات قال في التوضيح وصرح به اللخمي وعياض خلافا لما اختصرها عليه أبو سعيد ونصه ومن ابتاع دارا فوجد فيها صدعا ، فإن كان يخاف منه على الجدار فليرد به ، وإلا فلا ا هـ ، وقد تعقب عليه ا هـ . بن ( قوله ، فإن خيف عليها منه ) أي ، فإن خيف عليها الهدم من ذلك الصدع ( قوله وفي قدره تردد ) أي فقيل إنه ما نقص القيمة الثلث وقيل ما نقصها الربع وقيل ما نقصها عشرة [ ص: 115 ] إذا كانت مائة وقيل : إنه معتبر بالعرف وقيل ما نقص معظم القيمة .

( قوله إلا أن يكون إلخ ) يصح أن يكون استثناء من قوله كصدع جدار لم يخف عليها السقوط منه أي إلا أن يكون الجدار الذي فيه الصدع ولم يخف عليها السقوط منه في واجهتها أي حائط بابها فإنه لا يرجع بقيمته بل إما أن يردها به ، أو يتماسك ولا شيء له ويصح أن يكون استثناء من قوله ولا رد بعيب قل أي إلا أن يكون العيب لا بقيد كونه قليلا في واجهتها أي حائط بابها فله أن يرد به ، وإن تماسك فلا شيء له وإلى كلا الاحتمالين أشار الشارح ( قوله ، أو العيب ) أي لا بقيد كونه متوسطا ; لأن العيب الذي يكون في واجهتها لا يكون متوسطا ( قوله ونقص الثلث ) أي ثلث القيمة ، أو ربعها ( قوله ، أو يكون ) أي العيب متعلقا الأوضح مصورا ، أو متلبسا بقطع منفعة وأشار الشارح بما ذكره إلى أن قوله ، أو بقطع منفعة متعلق بمحذوف معطوف على خبر يكون ( قوله بمحل الحلاوة ) أي حالة كون الدار بمحل الحلاوة ( قوله ، أو كونه على بابها ) أي مواجها لبابها ، أو كان في دهليزها ، أو كان مرحاضها بقرب البيوت ، أو بقرب الحائط ( قوله ، أو شؤمها ) أي بأن كان يترقب المكروه بسكناها كأن يكون من سكنها يموت ، أو يحصل له الفقر ، أو تموت ذريته ( قوله ، أو جنها ) أي ، أو سوء جنها ( قوله ، أو بقها ) أي ، أو كثرة بقها فبق الدار إنما يرد به إذا كان كثيرا كالنمل ، وأما قول التحفة :

والبق عيب من عيوب الدور ويوجب الرد على المشهور

فقد تعقبه ابن الناظم في شرحه بأنه لا بد من قيد الكثرة وأصلحه بقوله :

وكثرة البق تعيب الدورا وتوجب الرد لأهل الشورى

( قوله ، أو أنا حرة ) أي بعتق ، أو أنا حرة الأصل من البلد الفلانية وغار العدو على بلدنا وأخذني منها ا هـ . وقال بعضهم إذا قالت ذلك فإنها تصدق إذا شاعت الغارة على أحرار بلدهم والمعتمد الأول ولكن الأحوط أن يعقد عليها ولا يطؤها بالملك ( قوله لم تحرم ) أي لحملها على عدم الصدق فيما قالته ، واتهامها على الرجوع للبائع ( قوله في زمن العهدة ، أو المواضعة ) أي ، أو في زمن الخيار والمراد بالعهدة عهدة الثلاث ; لأنها هي التي تكون فيها في ضمان البائع والمراد أن المشتري اطلع على أنها ادعت على البائع بذلك ( قوله لا إن قالته بعد دخولها في ضمانه ) أي فلا يكون له الرد بذلك ; لأن شرط الرد بالعيب ثبوته في زمن ضمان البائع ( قوله بين ذلك وجوبا ) أي ; لأن هذا مما تكرهه النفوس ( قوله ، ولو في الصورة الثالثة ) أي وهي ما إذا قالت ذلك بعد دخولها في ضمانه بانقضاء أمد الخيار والمواضعة خلافا لظاهر المتن ; لأنه يقتضي أنه لا يجب عليه البيان إلا حيث يكون له الرضا ، وهو أن يصدر منها ذلك ، وهي في ضمان البائع وليس كذلك فلو قال المصنف لكنه عيب ، ولو باعها بين ; كان أحسن . .




الخدمات العلمية