الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولزم ) الضمان ( فيما ثبت ) ببينة أو إقرار ( وهل يقيد ) لزوم الضمان ( بما يعامل ) المضمون ( به ) عادة وإلا لم يلزمه إلا ما أشبه أن يعامل به فقط وهو الراجح أو لا يقيد بل يلزمه مطلقا كان مما يشبه أن يعامل به مثلا أو لا ( تأويلان وله ) أي للضامن في مسألة داين فلانا ( الرجوع ) عن الضمان ( قبل المعاملة ) لا بعدها فإن عامله في البعض لزم فيما عامل به دون ما لم يعامل به فقوله قبل المعاملة أي قبل تمامها ( بخلاف ) قوله لمدع على شخص بحق ( احلف ) بأن لك عليه ما تدعيه ( وأنا ضامن ) فلا رجوع له ولو قبل حلفه ; لأنه بالتزامه صار كأنه حق واجب [ ص: 334 ] لتنزله منزلة المدعى عليه وإذا غرم الضامن واستمر المدعى عليه على إنكاره ولم تقم عليه بالحق بينة حلفه الضامن فإن حلف فلا رجوع للضامن بشيء وإن نكل غرم له ما أخذه منه المدعي وأشار للمضمون فيه أيضا بجعله شرطا في الضمان بقوله ( إن أمكن استيفاؤه ) أي الحق المضمون ( من ضامنه ) وهذا الشرط يغني عنه قوله بدين إذ المقصود منه إخراج المعينات والحدود والتعازير والقتل والجراح فلا يصح الضمان فيها فالأولى حذفه ( وإن جهل ) الحق المضمون حال الضمان فإن الضمان صحيح فهذا مبالغة في صحته ( أو ) جهل ( من له ) الحق وهو المضمون له ( و ) صح ( بغير إذنه ) أي إذن من عليه الدين وهو المضمون عنه ( كأدائه ) من إضافة المصدر لمفعوله أي كما يصح لشخص أن يؤدي دينا عن آخر بغير إذنه ( رفقا ) بالمؤدى عنه ويلزم رب الدين قبوله ( لا عنتا ) أي لأجل العنت والضرر بالمدين ( فيرد ) ما أداه لرب الدين وليس له على المدين مطالبة ( كشرائه ) أي كما يمنع شراء دين من ربه عنتا بالمدين فإنه يرد فإن فات الثمن بيد البائع فمثل المثلي وقيمة المقوم فإن تعذر الرد بموت رب الدين أو غيبته فالحاكم يتولى القبض من المدين ليدفعه للمشتري عنتا أو الدافع في الأولى عنتا ( وهل ) رد الشراء عنتا ( إن علم بائعه ) بأن المشتري قصد العنت فلا بد من علمهما [ ص: 335 ] لدخولهما على الفساد فإن لم يعلم رب الدين بذلك فلا رد ولا فساد للبيع لعذره بالجهل وعليه أن يوكل من يتعاطى الدين من المدين ( وهو الأظهر ) عند ابن يونس فحقه الأرجح أو الرد مطلقا علم أو لم يعلم ( تأويلان ) وأخرج من قوله ولزم فيما ثبت أو من قوله وصح قوله

التالي السابق


. ( قوله : ولزم فيما ثبت ) أي أنه داينه فيه أو عامله فيه أو باعه له .

( قوله : فيما ثبت ) أي ببينة وكذا بإقرار إن كان المقر مليا أو كان معدما على أحد قولين والآخر لا يكون ضامنا .

( قوله : أن يعامل به فقط ) أي فإذا قال عامل فلانا وضمانه مني وشأن فلان أن يعامل في ثلاثة فعامله في عشرة فلا يضمن ذلك القائل الزائد على الثلاثة .

( قوله : تأويلان ) الأول لابن يونس وابن رشد المازري وهو الأظهر والثاني نسبه ابن عبد السلام لغير من ذكر وأنكره ابن عرفة فلو قال المصنف ولزم فيما ثبت وقيد بما يعامل به واقتصر على ذلك كان أحسن ا هـ بن ( قوله وله الرجوع ) أي سواء قيد بأن قال داينه أو عامله بمائة أو أطلق أي اتفاقا في الأخير وعلى الراجح في الأول فلو رجع الضامن ولم يعلم المضمون له برجوعه حتى عامله فهل لا يلزم الضامن ما تداين وهو ظاهر المصنف أو يلزمه وهو ظاهر المدونة والظاهر اللزوم فلا بد في عدم اللزوم من علم المضمون له بالرجوع ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله : فإن عامله في البعض ) أي قبل رجوع الضامن ثم رجع بعد تلك المعاملة كما لو قال داين فلانا في مائة وأنا ضامن لها فدفع له خمسين وقال الضامن رجعت عن الضمان فلا يكون ضامنا إلا للخمسين التي قبضها وأما التي لم يقبضها فلا يضمنها إن لو دفعها له رب المال بعد الرجوع .

( قوله : أي قبل تمامها ) أي فهو صادق بما إذا كان قبل حصولها أو بعد حصول بعضها [ ص: 334 ]

( قوله : لتنزله منزلة إلخ ) أي والمدعى عليه إذا قال للمدعي احلف وأنا غارم لك فلا رجوع له بعد ذلك ولزمه الحق بخلاف من قال عامله وأنا ضامن فإنه بمنزلة قول المعامل نفسه عاملني وأنا أعطيك حميلا فلما كان لهذا أن يرجع لأنه لم يدخله في شيء كان لمن قال عامله أن يرجع .

( قوله : فإن حلف ) أي بالله أنه ليس عليه حق للمدعي وقوله فلا رجوع للضامن بشيء أي لا على المدعى عليه ولا على المدعي الذي أدى له وقوله وإن نكل أي المدعى عليه وقوله غرم له أي للضامن أي بمجرد نكوله ولا يحلف الضامن لعدم علمه ولا المدعي لتقدم يمينه .

( قوله : شرطا في الضمان ) أي في صحة الضمان .

( قوله : إن أمكن إلخ ) شرط في قوله وصح من أهل التبرع أي صح من أهل التبرع إن أمكن عقلا وشرعا استيفاء الحق من الضامن وحاصله أنه يشترط في صحة الضمان أن يكون المضمون فيه مما يمكن استيفاؤه من الضامن واحترز بذلك من مثل الحدود والتعازير والقتل والجراح وما أشبه ذلك فإنه لا يصح الضمان فيها إذ لا يجوز استيفاء ذلك من الضامن واحترز أيضا من المعينات فإنه يستحيل عقلا استيفاؤها من الضامن .

( قوله : إخراج المعينات ) كاستعارتك دابة وتأتي بحميل على أنها إذا تلفت تؤخذ بذاتها من الحميل .

( قوله : فلا يصح الضمان فيها ) لعدم جواز استيفائها من الضامن شرعا أو لاستحالة ذلك أي وهذه خارجة بالشرط السابق وهو قوله بدين لازم لأن هذه الأشياء ليست دينا لأن الدين ما كان في الذمة وهذه الأشياء لا تقبلها الذمة واعترض على المصنف بأن مفهوم الضمان وهو شغل ذمة أخرى بالحق لا يشمل ما احترز عنه بهذا القيد لأن المعينات لا تقبلها الذمم وكذا الحدود ونحوها لتعلقها بالأبدان وحينئذ فلا حاجة لإخراج هذه الأمور بهذا القيد وهذا الإيراد يتوجه أيضا على قوله بدين وذلك لأن محترزه لا يشمله التعريف فلا حاجة لإخراجه به وأجيب بأن الغرض إيضاح ما يقوم بالذمة وقد قالوا إن الأصل في القيود أن تكون لبيان الواقع تأمل .

( قوله : وإن جهل ) أي كأن يقول الضامن أنا ضامن لكل ما على زيد لعمرو والحال أنه لا يعلم وقت الضمان قدر ما عليه .

( قوله : حال الضمان ) جهله له حال الضمان لا ينافي علمه بقدره بعد ذلك فلا يقال الحمالة فيها الرجوع وهو مستحيل بالمجهول .

( قوله : أو جهل من له الحق ) أشار الشارح إلى أن قوله أو من له عطف على ضمير الرفع المستتر من غير فصل وهو قليل .

( قوله وهو المضمون له ) أي كأن يقول الضامن أنا ضامن للدين الذي على زيد للناس والحال أنه لا يعلم عين من له الدين .

( قوله : أو بغير إذنه ) هذا هو نص المدونة وغيرها وقال المتيطي وابن فتوح إن بعض العلماء ذهب إلى أنه يشترط في حمالة ما على المديان أن تكون بإذنه وإلا لم يلزمه أن يدفع للحميل ما دفعه عنه ولذا جرت عادة الموثقين بذكر رضا المدين بأن يكتبوا تحمل فلان عن فلان برضاه أو بأمره كذا وكذا ( قوله كأدائه إلخ ) أشار به لقول المدونة من أدى عن رجل دينا بغير أمره جاز إن فعله رفقا بالمطلوب وإن أراد الضرر بطلبه وإعناته لعداوة بينهما منع من ذلك وكذا إن اشترى دينا عليه لم يجز البيع ورد إن علم ا هـ بن .

( قوله : ويلزم رب الدين قبوله ) أي ولا كلام له ولا للمدين إذا طلب أحدهما للقضاء وأجابه فإن امتنعا معا لم يلزمهما معا فيما يظهر قاله عبق .

( قوله فيرد ما أداه لرب الدين ) أي إن لم يفت فإن فات رب الدين رد مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان مقوما .

( قوله : فمثل المثلي ) أي فاللازم له رد مثل المثلي وقيمة المقوم .

( قوله : بموت رب الدين ) أي سواء كان غير بائع للدين كما في المسألة الأولى أو كان بائعا له كما في الثانية .

( قوله : وهل إلخ ) راجع لما بعد الكاف لأن الخلاف إنما هو في شرائه الدين وأما دفعه الدين فيرد قولا واحدا وذلك لأن الشراء لما كان عقد معاوضة كان قويا فلا يوجب رده إلا ما هو قوي كعلمهما بخلاف دفع الدين فإنه ليس عقدا فأثر فيه الأمر القليل وهو قصد الدافع ( قوله فلا بد من علمهما ) لعل الأولى فلا بد من علمه ا هـ أي فلا بد في رد الشراء من علم البائع أن [ ص: 335 ] المشتري قصد بشرائه العنت ويعلم ذلك إما بإقراره أو بقرائن الأحوال .

( قوله لدخولهما ) أي البائع والمشتري .

( قوله : وعليه أن يوكل إلخ ) في بن النقل أنه على التأويل الأول لا يفسخ البيع في هذه الحالة ولكن يباع الدين على مشتريه ليرتفع الضرر كما قال في التوضيح وابن عرفة ونص ابن عرفة لو ثبت قصد مشتري الدين ضرر المدين والبائع جاهل بذلك ففي فسخ البيع ومضيه ويباع على مشتريه نقلا عبد الحق عن بعض القرويين وغيره مع الصقلي ا هـ .

( قوله : وأخرج من قوله ولزم إلخ ) يعني من مطلق اللزوم أو من مطلق الصحة المأخوذ مما ذكر ولو عبر بهذا كان أولى فليس هذا من عطف المحترزات على القيود كما هو ظاهر الشارح




الخدمات العلمية