الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ) يجوز ( أخذه ) أي العامل قراضا آخر ( من غيره ) أي غير رب المال ( إن كان ) الثاني ( يشغله ) أي العامل ( عن الأول ) وإلا جاز ومفهوم من غيره جوازه منه ، وإن شغله عن الأول .

( و ) لا يجوز ( بيع ربه سلعة ) من سلع القراض ( بلا إذن ) من العامل فإن باع فللعامل رده ; لأنه الذي يحركه وينميه وله حق فيما يرجوه من الربح ( وجبر خسره ) جبر بالبناء للمفعول وخسره نائب الفاعل ويصح قراءته بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود على الربح المتقدم في كلامه يعني أن ربح المال يجبر خسره إن كان حصل فيه خسر .

( و ) يجبر أيضا ( ما تلف ) منه بسماوي أو أخذ لص أو عشار كما هو ظاهر المدونة إلحاقا لأخذهما بالسماوي لا بالجناية ومعنى جبر المال بالربح الذي في الباقي أنه يكمل منه أصل المال ثم إن زاد شيء يقسم بينهما على ما شرط ، هذا إن حصل التلف بعد العمل بل ( وإن ) حصل تلف بعضه ( قبل عمله ) في المال فالمبالغة راجعة للتلف فقط ; لأنه الذي يكون قبل تارة وبعد أخرى ( إلا أن يقبض ) المال أي يقبضه ربه من العامل أي ثم يعيده له فلا يجبر بالربح بعد ذلك ; لأنه صار قراضا مؤتنفا ومعلوم أن الجبر إنما يكون إذا بقي شيء من المال فإن تلف جميعه فأتاه ربه بدله فربح الثاني فلا يجبر ربحه الأول ، وهو ظاهر ; لأنه قراض ثان ( وله ) أي لرب المال التالف بيد العامل كله أو بعضه ( الخلف ) لما تلف كلا أو بعضا ( فإن تلف جميعه لم يلزم الخلف ) أي لم يلزم العامل قبوله ، وأما إن تلف بعضه فيلزمه قبوله إن تلف البعض بعد العمل لا قبله لأن لكل منهما الفسخ .

( و ) إذا اشترى العامل سلعة للقراض فذهب ليأتي لبائعها بثمنها فوجد المال قد ضاع وأبى ربه من خلفه ( لزمته السلعة ) التي اشتراها فإن لم يكن له مال بيعت عليه وربحها له وخسرها عليه

التالي السابق


( قوله إن كان الثاني يشغله عن الأول ) إنما منع في هذه الحالة ; لأن رب المال قد استحق منفعة العامل ( قوله جوازه منه ) أي ويجري فيه ما مر من التفصيل من دفع المالين له معا أو متعاقبين قبل شغل الأول أو بعده ( قوله ويجبر أيضا ما تلف إلخ ) التلف هو النقص الحاصل لا عن تحريك .

وأما الخسر فهو ما نشأ عن تحريك وما ذكره المصنف من جبر الخسر والتلف بالربح في القراض الصحيح وكذلك الفاسد الذي فيه قراض المثل .

وأما الذي فيه أجرة المثل فلا يتأتى فيه جبر ; لأن المال وربحه كله لرب المال ، وظاهر المصنف أن الخسر والتلف يجبران بالربح .

ولو شرطا خلافه بأن اتفقا على أن الباقي بعد الخسر أو التلف هو رأس المال ، وهو ظاهر ما لمالك وابن القاسم وحكى بهرام مقابله عن جمع فقالوا : محل الجبر ما لم يشترطا خلافه وإلا عمل بذلك الشرط ، قال بهرام واختاره غير واحد وهو الأقرب ; لأن الأصل إعمال الشروط لخبر : { المؤمنون عند شروطهم } ما لم يعارضه نص ( قوله بسماوي ) أي ، وأما ما تلف بجناية فلا يجبره الربح لما مر أنه يتبع به الجاني سواء كان الجاني أجنبيا أو كان هو العامل وسواء كانت الجناية قبل العمل أو بعده ( قوله أو أخذ لص أو عشار ) أي .

ولو علما وقدر على الانتصاف منهما كما في عبق ( قوله الذي في الباقي ) أي فيما بقي بعد التلف أو الخسر ( قوله للتلف فقط ) أي لا له وللخسر ; لأن الخسر إنما ينشأ بعد العمل ( قوله إلا أن يقبض المال ) أي بعد الخسر أو التلف ( قوله ثم يعيده له ) أي فيتجر فيه فيحصل ربح ( قوله فلا يجبر بعد ذلك ) أي لا يجبر الخسر أو التلف الحاصل قبل قبض المال بالربح الحاصل بعده .

( قوله وله الخلف ) أي وله عدم الخلف للكل أو البعض ، كان التلف قبل العمل أو بعده ، وإذا أخلف التالف ففي لزوم قبول العمل لذلك الخلف تفصيل أشار له بقوله فإن تلف إلخ ، والحاصل أن رب المال لا يلزمه الخلف تلف الكل أو البعض كان التلف قبل العمل أو بعده فإن أخلف لزم العامل القبول في تلف البعض لا الكل إن كان التلف بعد العمل وإلا لم يلزمه ( قوله وله الخلف ) أي ولا يجبر التالف بربح الخلف سواء كان التالف كل المال أو بعضه كما قال اللخمي ونحوه لابن عرفة عن التونسي خلافا لما في عبق من أنه إذا تلف البعض وأخلفه ربه فإنه يجبر تلف الأول بربح الثاني ونص اللخمي فيمن دفع للعامل مائة فضاع منها خمسون فخلفها صاحب المال فاشترى بالمائة سلعة فباعها بمائة وخمسين وكان القراض بالنصف أنه يكون للعامل اثنا عشر ونصف ; لأن نصف السلعة على القراض الأول ورأس ماله مائة ولا شيء للعامل فيه ونصفها على القراض الثاني ورأس ماله خمسون وله نصف ربحها ولا يجبر الأول بشيء من الربح الثاني انظر بن .

( قوله ; لأن لكل منهما الفسخ ) أي قبل العمل ( قوله لزمته السلعة ) أي فله ربحها وعليه خسرها وليس له ردها وظاهره كالمدونة علم البائع أن الشراء للقراض أم لا ، وقيده [ ص: 530 ] أبو الحسن بالثاني ، وأما الأول فلا تلزمه وكلام الطنجي في طرر التهذيب يقتضي عدم ارتضاء القيد المذكور وأن المعتمد إبقاء المدونة على ظاهرها من الإطلاق




الخدمات العلمية