الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وإن اختلفا في انتهاء الأجل ) مع اتفاقهما عليه كأن يقول البائع هو شهر وأوله هلال رمضان وقد انقضى فيقول المشتري بل أوله نصفه فالانتهاء نصف شوال ( فالقول لمنكر التقضي ) بيمينه لأن الأصل بقاؤه وهذا إن أشبه سواء أشبه غيره أم لا فإن أشبه غيره فقط فالقول قوله بيمينه فإن لم يشبه أيضا حلفا وفسخ إن كانت السلعة قائمة وإلا فالقيمة ويقضى للحالف على الناكل وأما إن اختلفا في أصل الأجل عمل بالعرف باليمين فإن لم يكن عرف تحالفا وتفاسخا إن كانت قائمة وإلا صدق المشتري بيمين إن ادعى أجلا قريبا لا يتهم فيه وإلا فالقول للبائع إن حلف ( و ) إن اختلفا ( في قبض الثمن ) بعد تسليم السلعة فقال المشتري أقبضتك وأنكر البائع ( أو ) في تسليم ( السلعة ) فقال البائع أقبضتها وأنكر المشتري ( فالأصل بقاؤهما ) الثمن عند المبتاع والسلعة عند البائع ( إلا لعرف ) بقبض الثمن أو المثمن قبل المفارقة فالقول لمن وافقه العرف بيمينه لأنه كالشاهد ويدخل في العرف طول الزمن في العرض والحيوان والعقار طولا يقضي العرف بأن البائع لا يصبر بالثمن إلى مثله وذلك عامان على قول ابن حبيب وعشرون على ما لابن القاسم والأظهر مراعاة أحوال الناس والزمان والمكان كما يفيده قوله إلا لعرف وقوله ( كلحم أو بقل بان به ) المشتري أي انفصل عن البائع به ( ولو كثر ) فالقول للمبتاع عند ابن القاسم لموافقة دعواه العرف ( وإلا ) ينفصل به ( فلا ) يقبل قوله أنه دفع الثمن ( إن ادعى دفعه ) أي الثمن ( بعد الأخذ ) للمثمن [ ص: 192 ] ( وإلا ) بأن ادعى دفعه قبل الأخذ والعرف الدفع قبل البينونة كما هو الموضوع ( فهل يقبل ) دعوى المشتري الدفع سواء كان الدفع قبل الأخذ هو الشأن أو لا ( أو ) يقبل قوله ( فيما هو الشأن ) أي العرف بالقبض قبل الأخذ وهو المعتمد وهذا لا يشكل مع موضوع المسألة أن الدفع قبل البينونة به ( أو لا ) يقبل مطلقا جرى عرف بالدفع قبل الأخذ فقط أو به وبالدفع بعده لأنه مقر بقبض المبيع مدع لدفع ثمنه ( أقوال ) ثلاثة وهذا حيث قبض المشتري السلعة كما هو ظاهر من كلامه فإن لم يقبضها وادعى دفع الثمن لم يقبل قوله اتفاقا ( وإشهاد المشتري بالثمن ) أنه في ذمته [ ص: 193 ] ( مقتض ) عرفا ( لقبض مثمنه ) وهو السلعة فلا يقبل منه دعوى عدم القبض ( وحلف ) بتشديد اللام أي المشتري ( بائعه ) إن ادعى عليه أنه لم يقبض السلعة ( إن بادر ) المشتري كالعشرة أيام من يوم الإشهاد لا إن بعد كالشهر ( كإشهاد البائع ) على نفسه ( بقبضه ) أي الثمن ثم ادعى أنه لم يقبضه فلا يقبل قوله وله تحليف المشتري إن بادر

التالي السابق


( قوله مع اتفاقهما عليه ) أي على قدره ( قوله فالقول لمنكر التقضي ) أي فالقول لمن ادعى بقاء الأجل وأنكر انقضاءه سواء كان بائعا أو مشتريا كان مكريا أو مكتريا والفرض عدم البينة فإن كان لأحدهما بينة عمل بها فإن كان لكل بينة على دعواه عمل بأسبقهما تاريخا ( قوله وفسخ إن كانت السلعة قائمة ) أي فترد السلعة للبائع إن كانت قائمة وترد قيمتها له مع فواتها ويبدأ البائع باليمين والحاصل أن الفسخ برد السلعة أو رد قيمتها فقول الشارح إن كانت إلخ شرط في مقدر أي وترد السلعة إن كانت إلخ لا في الفسخ تأمل ( قوله عمل بالعرف باليمين ) أي سواء كانت السلعة قائمة أو فاتت ( قوله وتفاسخا إن كانت قائمة ) أي فترد السلعة لبائعها ( قوله وإن اختلفا في قبض الثمن ) أي وإن اختلف البائع والمشتري في قبض الثمن وكذا إذا اختلف البائع وورثة المشتري في قبض الثمن فالأصل بقاؤه فإذا ادعى البائع على ورثة المشتري أن ثمن السلعة التي باعها لمورثهم لم يقبضه وادعى الورثة أنه قبضه من مورثهم قبل موته فلا يقبل دعواهم لأن الأصل بقاء الثمن عند المشتري ما لم تقم لهم بينة بأن مورثهم أقبض ذلك قبل موته وهذا إذا اعترفت الورثة بأن مورثهم اشترى تلك السلعة من المدعي وإنما وقع التنازع في قبض الثمن وعدمه وأما إذا أنكرت الورثة شراء مورثهم من ذلك المدعي فلا تقبل دعوى ذلك المدعي أن له على مورثهم كذا ثمن سلعة كذا إلا ببينة ويمين فإن ادعى المدعي على من يظن به العلم من الورثة أنه يعلم بدينه كان له تحليفه فإن حلف وإلا غرم كذا قرر شيخنا العدوي ( قوله أو في تسليم السلعة ) أي مع الاتفاق على تسليم الثمن ( قوله كلحم أو بقل إلخ ) هذا مثال لما وافقت دعوى المشتري فيه العرف فإذا قبض المشتري اللحم أو البقل وما أشبهه كالفاكهة وبان به أي ذهب به عن بائعه ثم اختلفا في قبض الثمن فقال البائع ما دفعت إلي ثمنه وقال المشتري دفعت إليك ثمنه فإن القول قول المشتري لشهادة العرف له لأنه قاض بأن ذلك لا يأخذه المشتري إلا بعد دفع ثمنه ولا فرق بين القليل والكثير ( قوله وإلا فلا ) إن ادعى دفعه بعده أي وإن لم يكن بان بما ذكر بل وقع الاختلاف بينهما بالحضرة لكن بعد أن قبض المشتري المبيع فقال [ ص: 192 ] المشتري دفعت ثمنه بعد أن قبضه وأنكر البائع ذلك سواء جرت العادة والعرف بدفع الثمن قبل أخذ المثمن أو اعتيد دفعه قبل أخذه وبعده معا فلا يصدق المشتري لدعواه ما يخالف العرف في الحالة الأولى لأن العرف دفع الثمن قبل أخذ المثمن وهو قد ادعى الدفع بعد أخذ المثمن ولانقطاع شهادة العرف له في الحالة الثانية لجريانه بالدفع قبل الأخذ وبعده ( قوله وإلا بأن ادعى دفعه قبل الأخذ ) أي والفرض أنه لم يبن بالمبيع ( قوله والعرف الدفع ) أي والموضوع أن العرف أن المشتري يدفع الثمن قبل أن يبين من البائع أعم من أن يكون دفعه قبل أخذه المثمن أو بعده ( قوله فهل يقبل ) هذا القول رواية ابن القاسم في الموازية ( قوله سواء كان الدفع قبل الأخذ ) أي قبل أخذ المبيع من البائع وقوله هو الشأن أي العرف وقوله أو لا أي بأن كان الشأن دفع الثمن بعد الأخذ ووجه قبول قول المشتري على هذا القول شهادة العرف له في الحالة الأولى أعني ما إذا جرى بدفع الثمن قبل أخذ المبيع ودلالة تسليم البائع له السلعة على أخذه الثمن في الحالة الثانية لأن من حق البائع أن لا يدفع السلعة للمشتري حتى يقبض ثمنها فدفعها له دليل على أخذ ثمنها ( قوله أو فيما هو الشأن ) أي أو يقبل قوله فيما كان العرف فيه الدفع قبل أخذ المبيع لا غيره وهذا قول ابن القاسم في الموازية ( قوله وهذا لا يشكل إلخ ) أي لأن الدفع قبل البينونة صادق بكونه قبل أخذ المبيع أو بعده ( قوله جرى عرف بالدفع ) أي بدفع الثمن قبل أخذ المبيع إلخ وهذا قول مالك في العتبية قال شيخنا العدوي وهو أظهر الأقوال ( قوله لأنه مقر بقبض المبيع إلخ ) أي لأن المشتري مقر بالقبض ومدع لدفع الثمن فهو معترف بعمارة ذمته فادعاؤه دفع الثمن لا يبريه حتى يثبت ( قوله أقوال ثلاثة ) اعلم أن ما ذكره المصنف بعد قوله إلا لعرف من التفصيل بأنه تارة يبين المشتري بالمبيع وتارة لا يبين به وفي هذه الحالة تارة يدعي دفع الثمن قبل قبض المبيع وتارة يدعي الدفع بعد أخذه مخالف لما في الباب من قوله إذا اختلف في القبض فالأصل بقاء كل عوض بيد صاحبه فإن قامت بينة أو ثبت عرف عمل به وهو المطابق لما تجب به الفتوى فكان على المصنف الاقتصار عليه وترك ما ذكره من التفصيل الذي بعضه مخالف لهذا بأن يقول بعد قوله إلا لعرف فيعمل بدعوى موافقة ويحذف ما عداه كذا قاله عبق ورده بن بأن هذا كلام غير صحيح إذ ما ذكره المصنف هو عين ما في اللباب وقد ساق ح كلام اللباب شاهدا لكلام المصنف وفيه التمثيل للعرف باللحم ونحوه وتفريع التفصيل والخلاف عليه مثل ما فعله المصنف ( قوله كما هو ظاهر من كلامه ) أي لأن قوله إن ادعى دفعه بعد الأخذ إلخ يفيد أن المشتري قبض السلعة ( قوله لم يقبل قوله اتفاقا ) هذا مقيد بما إذا لم يجر العرف بدفع الثمن قبل قبض المثمن وإلا قبل قوله كما في عبق ( قوله وإشهاد المشتري بالثمن إلخ ) يعني أن المشتري إذا أشهد بأن ثمن السلعة التي اشتراها من فلان باق في ذمته فإن هذا مقتض لقبضه السلعة فإن ادعى بعد ذلك أن السلعة المبيعة بذلك الثمن لم يقبضها لم يقبل قوله وله أن يحلف البائع أنه أقبضها له إن بادر وأما لو أشهد أنه دفع الثمن للبائع ثم ادعى أنه لم يقبض المثمن فإن كان التنازع بعد شهر حلف البائع أنه أقبضه المبيع وإن كان كالجمعة فالقول قول المشتري بيمينه أنه لم يقبض المبيع وهذه الصورة لا تدخل في كلام المصنف بحال كذا في خش و ح وهذا يفيد أن حكم إشهاد المشتري بدفع الثمن مخالف لمسألة المصنف وهي إشهاد المشتري بالثمن في ذمته ولكن ابن رشد في سماع أصبغ سوى بين المسألتين في جريان القولين والمعتمد منهما القول الذي مشى عليه المصنف على ما قاله أبو إسحاق التونسي ونصه الأشبه إذا أشهد على نفسه بالثمن أن البائع مصدق في دفع السلعة إذ الغالب أن الإنسان لا يشهد على نفسه بالثمن إلا [ ص: 193 ] وقد قبض العوض ا هـ فإن قوله أشهد على نفسه بالثمن صادق بأن يكون أشهد أنه في ذمته أو أشهد على نقده وبهذا تعلم أنه يصح حمل قول المصنف وإشهاد المشتري بالثمن على ما يشمل الشهادة به على أنه في ذمته وإشهاده بدفعه انظر بن ( قوله مقتض لقبض مثمنه ) أي لأن الغالب أن أحدا لا يشهد على نفسه بالثمن إلا وقد قبض المبيع وقيل إن كان التنازع بعد طول صدق البائع بيمينه في دفع السلعة وإن كان بالقرب صدق المشتري بيمينه ( قوله كإشهاد البائع بقبضه ) هذا تشبيه في الحكم وهو أنه يلزم المشتري اليمين للبائع إن بادر وحاصله أن البائع إذا أشهد على نفسه بقبض الثمن من المشتري ثم قام يطلبه منه وقال إنما أشهدت له به ثقة مني ولم يوفني جميعه وطلب يمينه على ذلك وقال المشتري وفيتك ولي بينة ولا أحلف فإن قام البائع على المشتري بالقرب فله تحليف المشتري وإلا فلا لأن البينة رجحت قوله ومثل إشهاد البائع بقبض الثمن ما إذا أشهد المشتري بقبض المثمن ثم ادعى أنه لم يقبضه فلا يقبل قوله وله تحليف البائع إن بادر وإلا فلا .

( قوله ثم ادعى أنه لم يقبضه ) أي وأنه إنما أشهد بقبضه ثقة منه به




الخدمات العلمية