الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن ) ( حلبت ) المصراة حلبة ( ثالثة ) في يوم ثالث فحلبها ثلاث مرات في يوم بمنزلة حلبة واحدة ( فإن حصل الاختبار بالثانية فهو ) أي حلبها ثالثة ( رضا ) فلا رد له ( وفي الموازية له ذلك ) أي ردها بعد الثالثة مع حلفه أنه لم يرض ( وفي كونه خلافا ) لما مر ، أو وفاقا بحمل ما في الموازية على ما إذا لم يحصل الاختبار بالثانية ورجح ( تأويلان ) محلهما إذا كان المشتري حاضرا ، فإن كان غائبا عن البلد فله الرد إذا قدم [ ص: 118 ] ولو حلبت مرارا ومحلهما أيضا في الحلب الحاصل في غير زمن الخصام فما حصل في زمنه لا يمنع ، ولو كثر ; لأن الغلة فيه للمشتري ( ومنع منه ) أي من الرد بالعيب ( بيع حاكم ) رقيق مدين ، أو غائب ( ووارث ) لقضاء دين ، أو تنفيذ وصية ( رقيقا فقط ) راجع لهما إن ( بين ) الوارث ( أنه إرث ) ، وأما الحاكم فلا يشترط فيه ذلك ، فإن لم يبين الوارث أنه إرث لم يكن بيع براءة إلا أن يعلم المشتري أن البائع وارث ، ثم محل كون بيع الحاكم والوارث مانعا من الرد إن لم يعلم كل بالعيب ويكتمه ، أو يعلم المدين ، وإن لم يعلم الحاكم ، وإلا فلا ( وخير ) في الرد والتماسك ( مشتر ) ، وإن لم يطلع على عيبه ( ظنه ) أي ظن المشتري البائع ( غيرهما ) أي غير الحاكم والوارث حال البيع وتنفعه دعوى جهله واعترض المصنف بأنه لا يتأتى في الوارث ظن أنه غير وارث لما قدمه من أن شرطه أن يبين أنه إرث ، وأجيب بأن في مفهومه تفصيلا أي فإن لم يبين أنه إرث ، فإن ظنه المشتري غير وارث خير ، وإلا فلا رد له وفهم من قوله فقط أن بيعهما غير الرقيق من حيوان وعروض [ ص: 119 ] ليس بيع براءة ( و ) منع من الرد بالعيب أيضا ( تبري غيرهما ) أي غير الحاكم والوارث ( فيه ) أي الرقيق فقط ( مما ) أي من عيب ( لم يعلم ) به البائع ( إن طالت إقامته ) عند بائعه بحيث يغلب على الظن أنه لو كان به عيب لظهر له فتنفعه البراءة بهذين الشرطين فلا يرده المشتري إن وجد به عيبا بخلاف ما إذا علم بالعيب وكتمه ، أو باعه بفور ملكه له فلا تنفعه البراءة وله الرد ، وأما غير الرقيق فلا تنفع فيه البراءة مطلقا فشرطها باطل والعقد صحيح . .

التالي السابق


( قوله ، وإن حلبت إلخ ) حاصله أن المشتري إذا حلب المصراة أول مرة فلم يتبين له أمرها فحلبها ثانية ليختبرها فوجد لبنها ناقصا عن لبن التصرية فله ردها اتفاقا فلو حلبها في اليوم الثالث فهو رضا بها ولا رد له ولا حجة عليه في الثانية إذ بها يختبر أمرها كذا لمالك في المدونة وفي الموازية عن مالك له حلبها ثالثة ويردها بعد حلفه أنه لم يرض بها ولم يصرح في الموازية بأنه حصل له الاختبار بالحلبة الثانية فاختلف الأشياخ هل بين الكتابين خلاف ، أو وفاق فذهب المازري واللخمي إلى أن بينهما خلافا بحمل ما في الموازية على إطلاقه أي سواء حصل الاختبار بالثانية ، أو لا وذهب ابن يونس إلى أن بينهما وفاقا بحمل ما في المدونة على ما إذا حصل الاختبار بالثانية ، وما في الموازية على ما إذا لم يحصل الاختبار بالثانية ، وهو أحسن كما قال شيخنا فيحمل كلام الموازية على ما إذا لم يحصل اختبار بالثانية وقوله تأويلان أي متعلقان بكلام الموازية لا المدونة ، وأما لو حلبها رابعة فهو رضا باتفاق ( قوله في يوم ثالث ) فيه أن الذي يفيده النقل كما في طفى أن المراد بالحلبات المرات لا الأيام ا هـ . عدوي وفي بن تقييده بالحلبات المعتادة كبكرة وعشية ( قوله وفي الموازية له ذلك ) [ ص: 118 ] ظاهر المصنف أن الموازية تقول له الرد بعد الحلبة الثالثة ، ولو حصل له الاختبار بالثانية وليس كذلك إذ لو صرحت بذلك لما تأتى قوله وفي كونه خلافا ، أو وفاقا تأويلان ، فالمراد أن في الموازية له أن يردها بعد الثالثة بقطع النظر عن القيد السابق ، وهو حصول الاختبار بالثانية ( فرع ) لو اشترى ثورا للحرث فحرث به أول يوم فرقد فلم يرده ، ثم حرث به ثاني يوم فرقد فليس الحرث ثاني يوم رضا ; لأن له أن يدعي الاختبار كما ذكره الوانوغي أخذا من قول المدونة في هذه المسألة ، فإن حصل الاختبار بالثانية فهو أي حلبها ثالثا رضا ( قوله ، ولو حلبت مرارا ) أي ، ولو حلبها أهله ، وهو غائب مرارا ( قوله ; لأن الغلة فيه ) أي في زمن الخصام ( قوله أي من الرد بالعيب ) أي ، وأما الاستحقاق فلا يمنع من الرد به بيع الحاكم ولا الوارث ، ولو بينا أنه إرث ( قوله لقضاء دين ، أو تنفيذ وصية ) أي ، وأما بيع الوارث لأجل القسم بينهم فظاهر المصنف أنه كذلك مانع من الرد ، وهو قول عياض وظاهر الشارح أنه ليس بيع براءة وللمشتري الرد ، وهو قول الباجي ، وهو الظاهر كما في شب ا هـ . عدوي ( قوله فلا يشترط فيه ذلك ) وحينئذ فبيعه بيع براءة مطلقا بين ، أو لم يبين وما قاله الشارح تبع فيه عج والصواب أن قول المصنف بين أنه إرث راجع لكل من الوارث والحاكم ، فإن بينا كان بيعهما للرقيق بيع براءة ، وإن لم يبينا كان المشتري بالخيار بين أن يرد ، أو يتماسك كما في طفى ا هـ . عدوي ( قوله لم يكن بيع براءة ) أي فللمشتري رده بالعيب عليه ( قوله إلا أن يعلم إلخ ) أي فالمدار على علم المشتري أن ذلك البائع وارث سواء كان بإعلام الوارث نفسه ، أو غيره ، فإن لم يعلم خير ويمكن أن يقال إن قول المصنف بين أنه إرث ليس مقصودا لخصوصه بل هو كناية عن علم المشتري أن البائع وارث كذا قرر شيخنا ( قوله ثم محل كون بيع الحاكم والوارث مانعا من الرد ) أي بشرطه وقوله إن لم يعلم إلخ أي إن انتفى علم كل منهما بالعيب المصاحب لكتمانه وانتفى علم المدين له أي والحال أنه لم يعلم به الحاكم ( قوله ، وإلا فلا ) أي ، وإلا بأن علم به كل من الحاكم والوارث وكتمه ، أو علم به المدين وحده فلا يكون مانعا من الرد بالعيب ; لأن كتمه تدليس ( قوله وخير إلخ ) يعني أن من اشترى رقيقا من آخر ظن أنه غير الوارث والحاكم ، ثم تبين أنه أحدهما وأولى لو اعتقد أنه غيرهما ، ثم تبين أنه أحدهما فإنه يخير بين الإجازة والرد ولو لم يطلع على عيب وتنفعه دعوى جهله ( قوله ظنه إلخ ) الأولى أن يقول جهلهما ليشمل ما إذا ظنه غيرهما ، أو لم يظن شيئا انظر بن والحاصل أنه يخبر إن ظن أن البائع غيرهما ، أو جزم بأنه غيرهما فتبين أنه واحد منهما ، أو لم يظن شيئا فتبين أنه واحد منهما ، وأما إذا ظن حين البيع أنه أحدهما ، أو جزم بذلك فظهر أنه كذلك فلا رد له .

( قوله وتنفعه دعوى جهله ) أي بأن قال ليس عندي علم أن البائع وارث ، أو حاكم خلافا لابن حبيب القائل ليس له الرد ; لأن الجهل في متعلق الأحكام لا يمنع من توجه الحكم ابن عبد السلام ، وهو أقرب ( قوله واعترض إلخ ) لا يخفى عليك أنه لا ورود لهذا السؤال لما مر أن المدار على حصول العلم للمشتري وأنه يخير عند نفي العلم ( قوله من أن شرطه ) أي شرط كون بيعه بيع براءة ( قوله ، وإلا فلا رد له ) أي ، وإلا بأن ظنه وارثا فلا رد له والحاصل أنه إن بين أنه إرث فلا رد ، وإن لم يبين أنه إرث ، فإن ظنه المشتري غير وارث خير ، وإن ظنه وارثا فلا رد مثل ما إذا بين أنه إرث فقول المصنف وخير مشتر ظنه غيرهما راجع لمفهوم قوله إن بين أنه إرث فالسائل نظر لرجوعه للمنطوق والمجيب نظر لرجوعه للمفهوم وبعد هذا كله فالأولى حذف هذا الاعتراض وجوابه كما في بن وحاشية شيخنا وذلك ; لأن الشارح بناه على ما قاله سابقا من أن القيد ، وهو قوله إن بين أنه إرث خاص بالوارث ، وأن المراد حقيقة التبيين ، وعلى ما علمت من أن الصواب أنه كناية عن العلم ، وهو مشترك بين الوارث والحاكم ليكون قول المصنف وخير مشتر إلخ مفهوم القيد فيهما ولا ورود لهذا [ ص: 119 ] الإشكال أصلا ( قوله ليس بيع براءة ) أي وحينئذ فللمشتري الرد بالعيب القديم ( قوله وتبرى غيرهما ) يعني أن البائع إذا كان غير وارث وحاكم وتبرأ مما يظهر في الرقيق من العيب فإنه تنفعه تلك البراءة من رد المشتري له إذا اطلع على عيب قديم بشرطين : أن يتبرأ من عيب لم يعلم به والثاني أن تطول إقامته عند بائعه بحيث يغلب على الظن أنه لو كان به عيب لظهر له ( قوله ، وإن طالت إقامته إلخ ) حد بعضهم الطول بستة أشهر . ( تتمة ) قال المازري والباجي ، ولا يجوز التبري في عبد القرض ; لأنه إذا أسلفه عبدا وتبرأ من عيوبه دخله سلف جر منفعة ، وأما رد القرض فلا وجه لمنع البراءة فيه إلا إذا وقع الرد قبل الأجل لتهمة : ضع وتعجل ، وتقدم منع التصديق في معجل قبل أجله ا هـ . بن ( قوله فلا يرده المشتري ) أي فإذا وجد الشرطان فلا يرده المشتري إذا وجد به عيبا قال ابن عرفة ولا يرد في بيع البراءة بما ظهر من عيب قديم إلا ببينة أن البائع كان عالما به ، فإن لم يكن له بينة وجب حلفه ما كان عالما به ، وإن لم يدع المبتاع علمه وفي حلفه على البت في الظاهر ، وعلى نفي العلم في الخفي ، وعلى نفي العلم مطلقا قولا ابن العطار وابن الفخار وحكى ابن رشد الاتفاق على الثاني ا هـ . بن .




الخدمات العلمية