الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كان للحجر أحكام أربعة : منع المفلس [ ص: 265 ] من التصرف المالي ، وبيع ماله وحبسه ، ورجوع الإنسان في عين شيئه شرع في بيانها وأشار لأولها بقوله ( فمنع ) المفلس بالمعنى الأخص ( من تصرف مالي ) كبيع وشراء وكراء واكتراء ولو بغير محاباة خلافا لمن قيده بالمحاباة ; لأنها من التبرع وهو يمنع منه بمجرد الإحاطة كما تقدم ، فإن وقع التصرف المالي لم يبطل بل يوقف على نظر الحاكم أو الغرماء ( لا ) إن التزم شيئا ( في ذمته ) لغير رب الدين إن ملكه فلا يمنع منه إلا أن يملكه ودينهم باق عليه فلهم منعه حتى يوفيهم دينهم ، ولا يمنع من تصرف غير مالي ( كخلعه ) لما فيه من أخذ مال ( وطلاقه ) ولو أدى إلى حلول مؤخر الصداق وتحاصص به ( وقصاصه ) من جان عليه أو على وليه إذ ليس فيه مال بالأصالة ( وعفوه ) عن قصاص أو حد مما لا مال فيه بخلاف الخطأ والعمد الذي فيه مال ( وعتق أم ولده ) التي أحبلها قبل التفليس الأخص ولو بعد الأعم ( و ) إذا أعتقها ( تبعها مالها إن قل ) بل ولو كثر على المذهب إذ لا يلزم بانتزاع مال رقيقه ( وحل به ) أي بالفلس الأخص ( وبالموت ) للمدين ( ما أجل ) عليه من الدين لخراب ذمته فيهما [ ص: 266 ] ما لم يشترط المدين عدم حلوله بهما وما لم يقتل الدائن المدين عمدا فلا يحل كموت رب الدين أو فلسه فلا يحل بهما دينه ( ولو ) كان الدين المؤجل على المفلس أو الميت ( دين كراء ) لدار أو دابة أو عبد وجيبة لم يستوف المنفعة فيحل بفلس المكتري أو موته وللمكري أخذ عين شيئه في الفلس لا الموت ، فإن كان المفلس لم يستوف شيئا من المنفعة فلا شيء للمكري ورد الأجرة إن كان قبضها وإن ترك عين شيئه للمفلس حاصص بأجرته حالا ، وإن كان استوفى بعض المنفعة حاصص بها كما يحاصص في الموت ويأخذ منابه بالحصاص حالا ويخير في فسخ ما بقي في الفلس ، فإن أبقاه للمفلس رد منابه من الأجرة إن كان قبضها وحاصص به وإلا حاصص بالجميع ، هذا ما يستفاد من كلام شارح المدونة وهو المشهور ( أو قدم الغائب ) الذي فلسه الحاكم في غيبته ( مليا ) فإنه يحل ما عليه من مؤجل وليس له أن يدعي تبيين خطئه بملائه ( وإن نكل المفلس ) الذي أقام شاهدا بحق له على شخص عن اليمين معه ليأخذ حقه [ ص: 267 ] ( حلف كل ) من الغرماء مع الشاهد لتنزيلهم منزلة المفلس في اليمين ( كهو ) أي كحلف المفلس فيحلف كل أن ما شهد به الشاهد حق ( وأخذ ) كل حالف ( حصته ) من الدين فقط ( ولو نكل غيره ) أي غير الحالف فلا يأخذ الحالف سوى قدر نصيبه مع حلفه على الجميع ( على الأصح ) وهو المشهور ومقابله قول ابن عبد الحكم يأخذ جميع حقه ولو نكل الجميع فلا شيء لهم وعلى الأول يسقط حق الناكل إن حلف المطلوب ، فإن نكل غرم بقية ما عليه ( وقبل إقراره ) أي المفلس الأخص هذا ظاهره ، والراجح أن مثله الأعم أي إقراره بدين في ذمته لمن لا يتهم عليه ( بالمجلس ) الذي حجر عليه فيه أو قامت فيه الغرماء عليه ( أو قربه ) بالعرف ( إن ثبت دينه ) الذي حجر عليه به بالحكم أو قام الغرماء عليه به ( بإقرار ) منه به ( لا ) إن ثبت عليه ( ببينة ) فلا يقبل إقراره لغيرهم وهذا إذا كانت الديون الثابتة تستغرق ما بيده ولم يعلم تقدم معاملته للمقر له وإلا قبل إقراره ( وهو ) أي ما أقر به ولم يقبل فيه إقراره بأن ثبت دينه ببينة أو أقر بعد المجلس بطول لمن لا يتهم عليه ( في ذمته ) يحاصص المقر له به فيما يتجدد له من مال لا فيما بيده فقوله وهو في ذمته راجع لمفهوم قوله بالمجلس أو قربه ولقوله لا ببينة ( وقبل ) من المفلس مطلقا ( تعيينه القراض والوديعة ) بأن يقول هذا قراض أو وديعة ولو لم يعين ربهما أو كان بعد المجلس بطول [ ص: 268 ] ( إن قامت بينة بأصله ) أي بأصل ما ذكر من القراض الوديعة أن عنده ذلك أو أنه أقر به قبل إقامة الغرماء ولو لم تعين ربه وقبل منه تعيينه ولو لمتهم عليه ، فإن لم تقم بينة بأصله فلا عبرة بإقراره وتحاصصه الغرماء ، ولا يكون في ذمة المفلس ; لأنه معين ، وأما إن أقر مريض في مرضه فيقبل إقراره ولو لم تقم بأصله بينة إذا أقر لمن لا يتهم عليه ( والمختار قبول قول الصانع ) المفلس في تعيين ما بيده لأربابه كهذه السلعة لفلان مع يمين المقر له ولو متهما عليه ( بلا بينة ) بأصله ; لأن الشأن أن ما بيده أمتعة الناس وليس العرف الإشهاد عليه عند الدفع ، ولا يعلم إلا من قوله فلا يتهم أن يقر به لغير ربه ( وحجر أيضا ) على المفلس الأخص بالشروط المتقدمة ( إن تجدد ) له ( مال ) بعد الحجر الأول سواء كان عن أصل كربح مال تركه بيده بعض من فلسه أو عن معاملة جديدة أو غير أصل كميراث وهبة ووصية ودية ; لأن الحجر الأول كان في مال مخصوص فيتصرف في المتجدد إلى أن يحجر عليه فيه ومفهوم الشرط عدم الحجر عليه وإن طال الزمان وبه العمل وقيل يجدد عليه بعد كل ستة أشهر ( وانفك ) الحجر عليه بعد قسم ماله وحلفه أنه لم يكتم شيئا أو وافقه الغرماء على ذلك وبقيت عليه من الدين بقية ( ولو بلا حكم ) [ ص: 269 ] بالفك ، ولو قدم هذا على قوله وحجر أيضا إن تجدد مال لكان أنسب كما لا يخفى ( ولو مكنهم الغريم ) أي المدين فأطلقه أول الباب على رب الدين وهنا على المدين ; لأنه مشترك ( فباعوا ) ماله من غير رفع لحاكم ( واقتسموا ) الثمن على حسب ديونهم أو اقتسموا السلع من غير بيع حيث يسوغ ذلك ( ثم داين غيرهم ) بعد ذلك ففلس ( فلا دخول للأولين ) في أثمان ما أخذه من الآخرين وفيما تجدد عن ذلك إلا أن يفضل عن دينهم فضلة ( كتفليس الحاكم ) أي حكمه بخلع المال للغرماء فداين غيرهم فلا دخل للأولين معهم إلا أن يفضل فضلة ( إلا ) أن يتجدد له مال من غير مال الآخرين ( كإرث وصلة و ) أرش ( جناية ) ووصية وخلع فللأولين الدخول مع الآخرين .

التالي السابق


( قوله من التصرف المالي ) أي وأما من التبرعات فهذا يحصل بمجرد إحاطة الدين بماله ( قوله وبيع ماله ) أي ما وجد من ماله ، وقوله وحبسه أي إذا جهل حتى يثبت عدمه لاحتمال أنه أخفى ماله .

واعلم أن هذه الأحكام الأربعة المذكورة كما تترتب على التفليس بالمعنى الأخص الذي هو حكم الحاكم بخلع ماله للغرماء تترتب أيضا على التفليس بالمعنى الأعم وهو قيام الغرماء كما يدل على ذلك كلام ابن الحاجب وابن شاس نعم يختص الفلس بالمعنى الأخص عن الأعم بحلول ما أجل ، إذا علمت هذا فقول الشارح ولما كان للحجر أي الحاصل بالفلس الأعم أو الأخص ، وقوله الآتي وحل به أي بالفلس لا بالمعنى السابق بل بمعنى الأخص ، وهذا مبني على أن قول المصنف سابقا " وفلس " إشارة للفلس بمعنييه كما مر تأمل .

( قوله بالمعنى الأخص ) بل وبالمعنى الأعم أيضا وهو قيام الغرماء كما تقدم ( قوله من تصرف مالي ) دخل فيه النكاح كما قال ح ( قوله لم يبطل ) وقال ابن عبد السلام إنه يبطل ، وقد نقله ابن عرفة ولم يتعرض له برد ولا قبول فكأنه فهمه على الصواب وإلا لم يقبله على عادته انظر بن .

( قوله على نظر الحاكم ) أي عند عدم اتفاق الغرماء واختلافهم في رده وإمضائه ، وقوله أو الغرماء أي عند اتفاقهم وبهذا حصل التوفيق بين قول ابن عرفة إذا حصل من المفلس تصرف مالي فلا يبطل بل يوقف على نظر الحاكم إن شاء رده وإن شاء أمضاه وقول الجواهر بل على نظر الغرماء ، وهذا التوفيق لعج واستحسنه بن ( قوله لا في ذمته ) أي لا يمنع من التصرف في ذمته كما لو التزم شيئا لغير رب الدين إن ملكه ، ثم ملكه فلا يمنع من دفعه له حيث ملكه بعد وفاء دينهم ، وأشار به لقول ابن الحاجب ، وتصرفه بشرط أن يقبض في غير ما حجر عليه فيه صحيح انظر ح ( قوله فلا يمنع منه ) أي من دفع ما التزمه ( قوله كخلعه ) تشبيه في قوله لا في ذمته ، وقوله لما فيه إلخ هذا التعليل يقتضي أن المرأة إذا فلست لا يجوز لها أن تخالع زوجها على مال وهو كذلك لأن ظاهر كلام ابن يونس أو صريحه أن خلع المرأة المفلسة كتزويج الرجل المفلس ونصه وما دام المدين قائم الوجه فإقراره بالدين جائز ، وله أن يتزوج فيما بيده من المال ما لم يفلس وكذلك المرأة تخالع زوجها بمال والدين محيط بها وليس لها أن تخالع من المال الذي تفلس فيه ا هـ بن ( قوله وطلاقه ) أي لما فيه من تخفيف المؤنة عنه ( قوله وتحاصص ) به أي لأنها تحاصص به مطلقا سواء طلقها أو لا ، وهذا جواب عما يقال كيف جعل له الطلاق مع أن الصداق المؤخر يدفعه حالا ، وحاصل الجواب أنها تحاصص به مطلقا طلق أم لا فليس الطلاق موجبا لذلك ( قوله وقصاصه ) أي لا يمنع المفلس من أن يقتص ممن وجب له عليه قصاص عمد ; لأن الواجب فيه على مذهب ابن القاسم إما القصاص أو العفو مجانا وليس للمجني عليه أو عاقلته إلزام الجاني بالدية نعم لهم التراضي عليها ، وأما على مذهب أشهب القائل إن المجني عليه يخير بين الدية والقود والعفو مجانا فمقتضاه أن للغرماء منعه من القصاص ويلزمونه أخذ الدية إلا أن يقال قاعدة المذهب تقتضي جواز قصاصه حتى عند أشهب لقولهم ليس للغرماء جبر المفلس على انتزاع مال رقيقه فتأمل . قاله شيخنا ( قوله بخلاف الخطأ والعمد الذي فيه مال ) أي مقرر كالمتالف الأربعة فللغرماء منعه من العفو عن ذلك مجانا ( قوله التي أي أحبلها قبل التفليس إلخ ) أي وأما التي أحبلها بعده فإنه يمنع من عتقها ; لأنها تباع عليه ويعلم كونه أحبلها قبل التفليس بكون الولد معها أو بشهادة النساء أو شهرة ذلك قبل العتق ، وأما مجرد دعواه أنه أولدها قبل التفليس فلا يكفي ( قوله وتبعها مالها ) أي إن لم يستثنه سيدها أما لو استثناه سواء كان قليلا أو كثيرا أخذه الغريم باتفاق ( قوله لخراب ذمته فيهما ) فلو طلب بعض الغرماء بقاء دينه مؤجلا لم يجب لذلك لأن للمدين حقا في تخفيف ذمته بحكم [ ص: 266 ] الشرع ، وأما لو طلب جميع الغرماء بقاء ديونهم مؤجلة كان لهم ذلك ، ثم إن ما ذكره المصنف من حلول المؤجل بالموت والفلس هو المشهور من المذهب ومقابله أن المؤجل لا يحل بهما .

( قوله ما لم يشترط المدين ) أي على رب المال ( قوله وما لم يقتل الدائن المدين ) المراد بالدائن رب الدين ، والمدين من عليه الدين ( قوله كموت رب الدين أو فلسه ) أي فالدين إنما يحل بموت من عليه الدين لا بموت من له ( قوله وجيبة ) كما لو استأجر هذه الدابة أو هذه الدار شهرا بعشرة دنانير مؤجلة لسنة ، ثم فلس أو مات قبل استيفاء منفعة تلك الدار أو الدابة التي اكتراها فتحل تلك الدنانير بتمامها بمجرد موته أو فلسه ( قوله لم يستوف المنفعة إلخ ) هذا هو محل الخلاف المشار له بلو في كلام المصنف ; لأن ما حمله الشارح عليه من أن دين الكراء إذا كان مؤجلا ولم تستوف المنفعة يحل بالموت والفلس هو ظاهر المدونة وبه صرح أبو الحسن في شرحها ومقابله قول ابن رشد في المقدمات والنوازل إنه لا يحل بالموت والفلس بل يحاصص المكري بأجرة المدة المستأجرة بتمامها ولكن لا يأخذ إلا أجرة البعض المستوفى ويوقف مقابل ما لم يستوف فكل ما استوفي شيء من المنفعة أي استوفاه الغرماء أخذ المكري ما ينوبه مما وقف ، ومحل الوقف لمقابل ما لم يستوف إذا لم يفسخ الكراء فيما بقي من المدة ; لأنه يخير في الفسخ وعدمه في الفلس لا في الموت وما في خش من حمل كلام المصنف على ما إذا استوفيت المنفعة ففيه نظر ; لأن المنفعة إذا استوفيت يحل دين الكراء المؤجل باتفاق .

والحاصل أن فرع الاستيفاء يمنع من الحمل عليه لكونه محل وفاق وخلاف . ابن رشد إنما هو عند عدم الاستيفاء ولو لرد الخلاف فتعين حمل المصنف على عدم الاستيفاء وحمل الكراء على الوجيبة ; لأنها هي التي يتأتى فيها كون الكراء مؤجلا بخلاف المشاهرة فإن الكراء فيها حال بنفسه فلا يقال فيها وحل به وبالموت ما أجل ، لا يقال ما ذكره المصنف من أن دين الكراء المؤجل يحل بالفلس يخالفه قوله الآتي وأخذ المكري دابته وأرضه ; لأنا نقول المراد أخذهما في الفلس إن شاء لا أنه يتعين الفسخ قبل الاستيفاء كما فهمه المواق انظر بن .

( قوله وإن ترك عين شيئه للمفلس ) أي إلى أن تمضي مدة الإجارة ، ثم يأخذه بعدها ، وقوله وإن ترك إلخ أي والموضوع بحاله من أنه لم يستوف شيئا من المنفعة ( قوله للمفلس ) هو بفتح الفاء وتشديد اللام المفتوحة ويقال فيه أيضا بسكون الفاء وكسر اللام ( قوله وحاصص بها ) أي ببعض المنفعة التي استوفاها وأنث الضمير العائد على البعض لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه ( قوله وإلا ) أي وإلا يكن قبضه ، وقوله حاصص بالجميع أي بجميع الأجرة أي أجرة ما استوفاه المفلس وما لم يستوفه ( قوله أو قدم ) عطف على دين كراء فهو داخل في حيز المبالغة أي ولو قدم المدين الغائب مليا ، وهذا ظاهر قول أصبغ ومقابله اختيار بعض القرويين إذا قدم المدين الغائب مليئا فوجد الحاكم فلسه فلا يحل ما كان مؤجلا عليه . قال لأن الغيب كشف خلاف ما حكم به فصار كحكم تبين خطؤه . قال في التوضيح قال ابن عبد السلام والأول أقرب ; لأن الحاكم حين قضى بتفليسه كان مجوزا لما قد ظهر الآن من الملاء وأيضا فهو حكم واحد ، وقد وقع الاتفاق على أن من قبض شيئا من دينه المؤجل لا يرد ذلك إذا قدم مليئا فكذلك من بقي ا هـ بن ( قوله وليس له أن يدعي ) أي ليس للمدين أن يدعي أن الحاكم قد تبين خطؤه في حكمه بخلع مال [ ص: 267 ] المدين للغرماء ; لأن هذه الدعوى لا تنفعه شيئا ( قوله حلف كل إلخ ) أي إذا كان كل من الغرماء غير محجور عليه ، وأما لو كان منهم محجور عليه فقيل يحلف المحجور عليه أو وصيه ، وقيل لا يمين على واحد منهما ، وقيل يؤخر لرشده ففي ذلك ثلاثة أقوال للأندلسيين ، وأفتى ابن عتاب بالأخير انظر بن ، وقوله حلف كل أي على جميع الحق الذي ادعى به المفلس ، وقوله أي كحلف المفلس أي أن لو كان يحلف ( قوله من الدين فقط ) أي أخذ كل حالف منابه فقط من ذلك الدين بالمحاصة هذا إذا حلف كلهم بل ولو حلف بعضهم ونكل غير الحالف ( قوله سوى قدر نصيبه ) أي بالحصاص من ذلك الدين ( قوله على الأصح ) هو قول ابن القاسم في رواية عيسى وصححه ابن أبي زيد كما في شب ( قوله يأخذ جميع حقه ) أي أنه إذا حلف أحد الغرماء ونكل غيره فإن الحالف يأخذ جميع حقه من ذلك الدين لا نصيبه في الحصاص فقط ( قوله فلا شيء لهم ) أي للغرماء إن حلف المطلوب ، فإن نكل غرم ويقتسمه جميع الغرماء ( قوله فإن نكل غرم بقية ما عليه ) أي ويقسمه جميع الغرماء من حلف ومن لم يحلف فيأخذ الحالف حصة بالحلف وحصة بالحصاص مع الناكلين ، وهذا هو الظاهر دون قول خش واختص به الناكل ا هـ بن .

{ تنبيه } لو طلب من نكل من الغرماء العود لليمين ، فإن كان بعد حلف المطلوب فلا يمكن اتفاقا وإن كان قبل حلفه ففي تمكينه قولان الأظهر منهما عدم تمكينه كما يأتي ذلك آخر الشهادات إن شاء الله تعالى ( قوله وقبل إقراره بالمجلس ) ابن عرفة قال ابن ميسر إقراره بعد القيام عليه جائز إن كانت ديون القائمين عليه بغير بينة أو ببينة وهي لا تستغرق ما بيده أو تستغرقه وعلم تقدم معاملته لمن أقر له وكلام ابن ميسر هذا هو الذي قرر به شارحنا كلام المصنف قد رجحه عبق واعترضه بن بأن قوله أو ببينة وعلم تقدم معاملته إلخ خلاف مذهب المدونة فإن مذهبها أن دين الغرماء الذين قاموا عليه متى كان ثابتا بالبينة فلا يقبل إقراره ولو علم تقدم معاملته لمن أقر له كما في التوضيح فإنه بعد أن ذكر القول الأول وهو قبول إقراره سواء كانت الديون ثابتة عليه بإقرار أو ببينة قال واختاره بعض الشيوخ واستظهره ابن عبد السلام ، ثم قال لكن الذي نص عليه محمد وحملوا عليه المدونة أن هذا خاص بما إذا ثبت الدين الذي عليه بإقراره ، فإن كان ببينة فلا يقبل وإن كان بالمجلس ، ولمالك في الموازية قول ثالث أن من أقر له المفلس إن كان يعلم تقدم مداينة أو خلطة بينه وبين المقر حلف المقر له ودخل في الحصاص من له بينة ا هـ فجعل الثالث خلاف مذهب المدونة ا هـ ( قوله وهذا ) أي عدم قبول إقراره لغير الغرماء إذا كان دين الغرماء ثابتا بالبينة إذا كانت إلخ ( قوله وإلا قبل إقراره ) أي وإلا بأن كانت الديون الثابتة بالبينة لا تستغرق ما بيده أو علم تقدم معاملة للمقر له قبل إقراره ودخل ذلك المقر له مع الغرماء في المحاصة .

إن قلت إذا كانت الديون الثابتة بالبينة لا تستغرق ما بيده لا يفلس كما تقدم ، قلت يفرض فيما إذا كان ما بيد الغريم حال القيام عليه كاسدا لا يساوي الدين ولما فلس حصل للمال الذي بيده غلو وصار الدين لا يستغرقه فإذا أقر له في هذه الحالة قبل إقراره ( قوله وقبل من المفلس مطلقا ) أي سواء كان بالمعنى الأعم أو الأخص سواء كان صحيحا أو مريضا كذا قرر الشارح ( قوله وقبل تعيينه إلخ ) مفهوم تعيينه أنه إذا لم يعين كما لو قال لفلان في مالي قراض كذا لم يقبل كما في ابن عرفة آخر القراض ونصه الصقلي عن ابن حبيب ما عينه في الفلس فربه أحق به وإن لم يعين شيئا فلا يحاصص ربه الغرماء كما لا يصدق في الدين ا هـ بن ( قوله أو كان بعد المجلس بطول ) هذا عطف على قوله لم يعين ربهما فهو داخل في حيز المبالغة أي هذا إذا كان عين ربهما بل ولو لم يعينه هذا إذا كان التعيين لما ذكر في مجلس التفليس أو قربه بل ولو كان بعد المجلس بطول والذي في التوضيح تقييده بالمجلس أو قربه لكن نقل البدر القرافي عن الناصر [ ص: 268 ] في حاشية التوضيح رد هذا التقييد ( قوله إن قامت بينة بأصله ) أي عند ابن القاسم خلافا لأصبغ حيث قال يقبل تعيين القراض الوديعة ولو لم تشهد بينة بأصلهما واختاره اللخمي ( قوله وقبل منه تعيينه ) أي ولو بغير يمين سواء كان ما عينه متهما عليه أم لا ( قوله فلا عبرة بإقراره ) أي خلافا لأصبغ كما علمت ( قوله لأنه معين ) هذا إشارة للفرق بين هذه المسألة والتي قبلها وهي قوله وهو في ذمته وحاصله أن المسألة السابقة فيها إقرار بشيء في الذمة وهنا إقرار بشيء معين ولم يقبل منه ، وقد أعطى ما بيده للغرماء فلم تبق في ذمته ، وظاهره ولو ادعاه المقر له ( قوله ، وأما إن أقر مريض ) أي غير مفلس كذا قرر الشارح ونحوه في بن خلافا لما في خش وعبق من حمل قوله وقبل إلخ على المفلس الصحيح ، ثم قالا وأما إن أقر المفلس المريض ، وهذا تحريف في النقل ( قوله ولو لم تقم بأصله بينة ) لأن الحجر على المريض أضعف من الحجر على المفلس ; لأن للمريض أن يشتري ما يحتاجه بخلاف المفلس كذا فرق ابن يونس ، وهذا يدل على أن مراده مريض غير مفلس لا مريض مفلس كما توهمه خش وعبق ( قوله لمن لا يتهم عليه ) ، فإن أقر لمن يتهم عليه قبل إقراره إن كان بأصله بينة وإلا فلا يقبل ( قوله والمختار إلخ ) أي والمختار عند اللخمي قبول قول الصانع في تعيين ما بيده لأربابه كما هو قول ابن القاسم .

واعلم أن المفلس إذا كان صانعا وعين المصنوع أو كان غير صانع وعين القراض أو الوديعة فالمسألة ذات أقوال أربعة :

الأول لمالك في العتبية عدم قبول تعيينه مطلقا خشية أن يخص صديقه .

والثاني يقبل تعيينه القراض والوديعة إن قامت بأصله بينة ويقبل تعيينه المصنوع مطلقا وهو لابن القاسم .

والثالث يقبل تعيينه القراض والوديعة والمصنوع مطلقا وهو لأصبغ .

والرابع لمحمد بن المواز يقبل تعيين المفلس القراض والوديعة والمصنوع إذا كان على أصل الدفع أو على الإقرار قبل التفليس بينة . قال اللخمي بعد حكاية هذه الأقوال وقول ابن القاسم في الصانع أحسن ; لأن ما بيده أمتعة الناس وليس العرف الإشهاد عليه عند الدفع له وكذا قول أصبغ في القراض الوديعة فاللخمي اختار قول ابن القاسم في تعيين الصانع وقول أصبغ في تعيين القراض الوديعة ولما كان اختياره في القراض الوديعة ضعيفا أعرض عنه المصنف ولما كان اختياره في تعيين الصانع قويا مشى عليه المصنف ، وظهر لك أن المصنف مشى في كل من المسألتين على قول ابن القاسم كذا قرر شيخنا ( قوله لأن الشأن إلخ ) مقتضى هذا التعليل قبول قول الصانع سواء كان الإقرار بالمجلس أو بعده ولو بطول وبذلك صرح عبق ( قوله أيضا ) أتى به لدفع توهم أن المراد واستمر الحجر عليه إن تجدد له مال مع أنه متى حكم بخلع ماله وأخذ المال من تحت يده انفك الحجر عنه بمجرد أخذه منه ولو لم يقتسموه فأفاد المصنف بقوله أيضا أنه حجر ثان ، وحاصله أن المفلس إذا حكم الحاكم بخلع ماله وأخذ ماله منه فقد انفك الحجر عنه فإذا تجدد له مال كان له التصرف فيه حتى يحجر عليه غرماؤه الذين حجروا عليه أولا أو غيرهم بالشروط الثلاثة المتقدمة .

( قوله إن تجدد له مال ) أي ولو لم يحصل قسم بين الغرماء للمال الذي أخذوه منه أولا ( قوله ومفهوم الشرط ) أي وهو إذا فلسه الحاكم ولم يتجدد له مال بعد أخذ المال منه ، وقوله عدم الحجر عليه ولو طال الزمان أي زمان عدم تجدد المال ( قوله وقيل يجدد إلخ ) أي أنه يكشف عن حاله كل ستة أشهر ; لأن الغالب تغير الأحوال فيها وحصول الكسب ، فإن وجد عنده مال حجر عليه وإلا فلا هذا هو المراد ( قوله وانفك الحجر عليه بعد قسم ماله ) الأولى بعد أخذ المال منه فالقسم ليس بشرط بل متى أخذ المال من تحت يده زال الحجر عنه ا هـ عدوي ( قوله ولو بلا حكم ) أي وعلى هذا فالحجر على المفلس ليس كالحجر على السفيه لعدم احتياج فك حجر المفلس لحاكم بخلاف حجر السفيه فإن فكه يحتاج له ورد المصنف بلو على [ ص: 269 ] ابن القصار وتلميذه عبد الوهاب القائلين لا ينفك حجر عن محجور عليه إلا بحكم الحاكم ( قوله لكان أنسب ) أي لأن الحجر ثانيا لما تجدد من المال إنما يكون بعد فك الأول ( قوله ولو مكنهم الغريم ) أي مما بيده ، وقوله فباعوا إلخ مفهومه أنهم لو قاموا عليه فلم يجدوا شيئا فتركوه فداين آخرين ، ثم فلسوه دخل الأولون مع الآخرين ( قوله حيث يسوغ ذلك ) أي بأن كان الدين الذي عليه موافقا لما بيده جنسا ونوعا وصفة ( قوله فلا دخول إلخ ) جواب لو الشرطية في قوله ولو مكنهم أي لأن فعلهم هذا تفليس كتفليس الحاكم ففي سماع أصبغ سمعت ابن القاسم يقول عن مالك في رجل قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله ، ثم داينه آخرون إن الآخرين أولى بما في يده بمنزلة تفليس السلطان ( قوله في أثمان ما أخذه ) أي في أثمان السلع التي أخذها ( قوله وفيما تجدد ) أي ولا فيما تجدد عن أثمان تلك السلع التي أخذها من الآخرين ( قوله إلا أن يفضل ) أي بيد المفلس عن دين الآخرين فضلة فيتحاصص فيها الأولون كما لو كانت السلع عند المفلس وقت التفليس قيمتها أقل من الدين لكسادها ، ثم بعد التفليس حصل فيها رواج وصارت أكثر من الدين فاندفع ما يقال إنه لا يفلس إذا كان ما بيده أكثر من الدين ( قوله كتفليس الحاكم ) الكاف داخلة على المشبه به ( قوله بخلع المال ) أي وإن لم يحصل منه قسم للمال بل وقع القسم منهم .

( قوله إلا أن يفضل فضلة ) أي بعد وفاء الآخرين دينهم فإن الأولين يتحاصون فيها ( قوله إلا أن يتجدد له مال ) هذا استثناء من عدم دخول الأولين مع الآخرين وهو متصل ; لأن المعنى لا دخول للأولين مع الآخرين في حال من الأحوال إلا إذا استفاد مالا من غير أموال الآخرين كإرث ( قوله مع الآخرين ) أي فيتحاصون كلهم فيه .




الخدمات العلمية