الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما أنهى الكلام على العيب الثابت وجوده وقدمه ذكر تنازع البائع والمشتري في وجوده وقدمه فقال ( والقول للبائع في ) نفي ( العيب ) الخفي كالزنا والسرقة [ ص: 137 ] ( أو ) نفي ( قدمه ) بأن قال المشتري قديم والبائع حادث بلا يمين في الأولى إذ الأصل السلامة من العيب إلا أن يكون ثم ما يضعف قوله فيحلف كما قدمه في قوله وبول في فرش إلخ وبيمين في الثانية تارة وبعدمها أخرى كما يأتي قريبا وقوله ( إلا بشهادة عادة للمشتري ) بقدمه قطعا ، أو رجحانا فالقول له قيد في قوله ، أو قدمه فقط ( وحلف من لم تقطع بصدقه ) من بائع ، أو مشتر بأن ظنت قدمه فللمشتري بيمين أوظنت حدوثه ، أو شكت فللبائع بيمين ومفهومه إن قطعت بقدمه فللمشتري بلا يمين ، أو حدوثه فللبائع بلا يمين فالصور خمس وهذا في عيب خفي ، أو ظاهر شأنه الخفاء على غير المتأمل ككونه أعمى ، وهو قائم العينين ، وأما الظاهر الذي شأنه أن لا يخفى فلا قيام به ولا يرجع فيه لعادة ولا غيرها ( وقبل ) في معرفة العيب وأنه قديم ، أو حادث ( للتعذر ) لا مفهوم له على المعتمد ( غير عدو ، وإن مشركين ) بشرط السلامة من جرحة الكذب والمراد بالمشرك الكافر ويكفي الواحد ; لأنه خبر لا شهادة ( ويمينه ) أي البائع أي صفتها إذا توجهت عليه في حدوث العيب ، أو عدمه والله الذي لا إله إلا هو لقد ( بعته ) وما هو به في غير ذي التوفية ، وهو ما يدخل في ضمان المشتري بالعقد ( و ) يزيد ( في ذي التوفية ) أي ما فيه على البائع حق توفية بأن لا يدخل في ضمان المشتري إلا بالقبض من مثلي وغائب ومواضعة وثمار على رءوس شجر وذي عهدة وخيار ( وأقبضته ) للمشتري ( وما هو ) أي العيب ( به ) ويحلف ( بتا ) أي على القطع ( في ) العيب ( الظاهر ) كالعور والعرج وخرق الثوب ( وعلى ) نفي ( العلم ) بأن يقول وما أعلمه به ( في الخفي ) كالزنا والسرقة والإباق وسكت [ ص: 138 ] عن يمين المبتاع إذا توجهت عليه وفيها ثلاثة أقوال قيل يحلف على نفي العلم فيهما وقيل على البت فيهما وقيل كالبائع أي بتا في الظاهر وعلى نفي العلم في الخفي بأن يقول : اشتريته وما أعلم به حال العقد عيبا . .

التالي السابق


( قوله والقول للبائع في نفي العيب الخفي كالزنا والسرقة ) أي فإذا ادعى المشتري أن به عيبا قديما كالزنا والسرقة وقال البائع : لا عيب به أصلا فالقول قول البائع ولا عبرة بدعوى [ ص: 137 ] المشتري وجودهما ، أو وجود أحدهما فيه ( قوله ، أو نفى قدمه ) أي بأن وافق البائع المشتري على وجود العيب لكن البائع يدعي حدوثه عند المشتري والمشتري يدعي قدمه ليرد المبيع على بائعه فالقول قول البائع ، ثم اعلم أنه إنما يكون القول قول البائع في حدوث العيب المشكوك فيه إذا لم يصاحبه عيب قديم ثابت ، وأما إن صاحبه عيب قديم فالقول قول المشتري أنه ما حدث عنده مع يمينه وبه أخذ ابن القاسم واستحسنه في التوضيح ومثله في ابن عرفة عن ابن رشد قائلا ; لأن المبتاع قد وجب له الرد بالقديم وأخذ جميع الثمن والبائع يريد نقصه من الثمن بقوله حدث عندك فهو مدع ا هـ . بن ( قوله بأن قال المشتري قديم ) أي هذا العيب الموجود فيه قديم قبل الشراء ( قوله والبائع حادث ) أي وقال البائع إنه حادث أي بعد الشراء ( قوله كما قدمه إلخ ) حاصل ما تقدم أن المشتري إذا ادعى أن العبد يبول في الفرش وأنكر البائع بوله فإنه يوضع عند أمين فإذا قال الأمين : إنه بال عندي حلف البائع أنه لم يحصل منه بول عنده ويمنع المشتري من رده لحمله على الحدوث فقول الأمين قد أضعف قول البائع أنه لا يبول في الفرش أصلا ( قوله كما يأتي قريبا ) حاصل ما يأتي أنه إذا شهدت له بينة بحدوث العيب ، فإن قطعت بذلك كان القول قوله بلا يمين ، وإن رجحت ذلك ، أو شكت كان القول قوله بيمين ( قوله إلا بشهادة عادة ) أسند الشهادة للعادة مع أن الشاهد أهل المعرفة لاستنادهم في شهادتهم لما دلت عليه العادة غالبا ( قوله قيد إلخ ) أي وحينئذ فكان الأولى للمصنف أن يقول بدل قوله ، أو قدمه كقدمه ، وحاصله أنهما إذا تنازعا في قدم العيب وحدوثه فالقول قول البائع في نفي قدمه إلا أن تشهد العادة للمشتري بقدمه ، وإلا كان القول قوله وحينئذ فيثبت له الرد واعلم أنه يعمل بشهادة البينة بقدمه سواء استندوا في قولهم ذلك للعادة ، أو للمعاينة ، أو لإخبار العارفين ، أو لإقرار البائع لهم بذلك .

( قوله وحلف من لم يقطع بصدقه ) ، فإن اختلف أهل المعرفة في قدمه وحدوثه وشهدت بينة للبائع بالحدوث وشهدت بينة للمشتري بالقدم عمل بقول الأعراف ، فإن استويا في المعرفة عمل بقول الأعدل ، فإن تكافآ في العدالة سقطا لتكاذبهما وإذا سقطا كان كالشك على ما استظهره بعضهم ( قوله ومفهومه ) أي مفهوم قول المصنف من لم يقطع بصدقه ( قوله في عيب خفي ) أي كالزنا والسرقة والإباق تنازعا في حدوثه وقدمه ( قوله الذي شأنه أن لا يخفى ) أي ككونه مقعدا ، أو أعمى فاقد الحدقتين ( قوله فلا قيام به ) أي لحمله على أنه علمه ورضي به أي وحينئذ فلا ينفع المشتري شهادة العادة بقدمه ، ولو قطعت بذلك ( قوله وقبل في معرفة العيب ) أي المتنازع في قدمه وحدوثه فقول الشارح وأنه قديم إلخ عطف تفسير ( قوله لا مفهوم له على المعتمد ) أي بل الترتيب بين العدل والمسلم غير العدل عند وجودهما على وجه الكمال فقط ، وأما الكافر فلا يقبل مع وجود المسلم ، ولو كان غير عدل اتفاقا ( قوله ، وإن مشركين ) أي هذا إذا كان غير العدول مسلمين بل ، وإن كانوا مشركين ( قوله ويكفي الواحد ) أي إن أرسله القاضي وكان المبيع حاضرا حيا لا يخفى عيبه ، وإلا فلا بد من عدلين ( قوله إذا توجهت عليه في حدوث العيب ) أي عند التنازع في حدوث العيب وقدمه وذلك بأن شهدت له بينة بحدوثه ظنا ( قوله وعدمه ) أي ، أو توجهت عليه عند التنازع في وجود العيب وعدمه وذلك بأن وجد ما يضعف دعوى البائع عدمه ، أو قام للمشتري شاهد واحد على وجود العيب ونكل عن اليمين معه وتوجهت على البائع فاندفع ما يقال : إن القول قول البائع في نفي العيب بلا يمين فكيف يعمم في قول المصنف ويمينه تأمل ( قوله ويزيد ) [ ص: 138 ] أي بعد قوله بعته وأقبضته وما هو به واعترض بأن قوله وما هو به ليس نقيض دعوى المشتري قدمه ومتعلق اليمين يجب أن يكون نقيض الدعوى كما هو مقتضى القواعد ، وأجيب بأنه متضمن لنقيضه ; لأن نقيض القدم عدم القدم وقول البائع أقبضته وما هو به يتضمن عدم القدم وتضمن اليمين لنقيض الدعوى كاف مثل الحلف على نقيضها .

( قوله إذا توجهت عليه ) أي كما لو شهدت البينة له بقدم العيب ظنا ( قوله فيهما ) أي في الظاهر والخفي فيقول في كل منهما : والله الذي لا إله إلا هو لقد اشتريته ، وهو بذلك العيب في علمي ( قوله وقيل على البت ) أي فيقول بالله الذي لا إله إلا هو لقد اشتريته وفيه هذا العيب قطعا ( قوله وقيل كالبائع ) هذا القول رواية يحيى عن ابن القاسم واختارها ابن حبيب . .




الخدمات العلمية