الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( و ) إذا أجيح بطن مما يطعم بطونا كالمقثأة وجنى بطنين مثلا أو اشترى بطنا واحدة مما لا يحبس أوله على آخره كالعنب أو أصنافا كبرني وصيحاني وغير ذلك مما يختلف أسواقه في أول مجناه ووسطه وآخره وأجيح بعضه فإن بلغ ما أجيح ثلث المكيلة وضع عن المشتري كما تقدم و ( نظر ) أي نسب واعتبر قيمة ( ما أصيب ) بالجائحة ( من البطون ) أو ما في حكمها مما ذكرنا ( إلى ) قيمة ( ما بقي ) سليما ( في زمنه ) أي والمعتبر قيمة كل من المصاب والسليم في زمنه فالمجاح يوم الجائحة ويستأنى بغيره ( لا يوم البيع ) خلافا لسحنون وابن أبي زمنين بأن يقال ما قيمة ذلك يوم البيع ثم المعتمد اعتبار كل يوم الجائحة ( ولا يستعجل ) بتقويم السالم يوم الجائحة ( على الأصح ) بل يستأني به حتى يجني السالم ثم يقال ما قيمته على تقدير وجوده زمن الجائحة هذا على ما هو المعتمد وأما على ما مشى عليه المصنف فيقال ما قيمته الآن كما يقال في المجاح ما قيمته يوم الجائحة واعلم أن وضع الجائحة إنما يكون إذا أصابت الثلث فأكثر وأما الرجوع بقيمة المصاب فيثبت [ ص: 185 ] ولو قلت ( وفي ) وضع جائحة الثمرة ( المزهية ) في النخل أو التي بدا صلاحها في غيره فإن لم يبد صلاحها فلا جائحة اتفاقا ولو لم تكن تابعة التابعة للدار أو الأرض المكتراة فإن لم تكن تابعة فالجائحة اتفاقا والمراد بتبعيتها أن تكون الثلث فأقل أي أن تكون قيمتها ثلث قيمة الكراء فأقل واشترط إدخالها بعقد الكراء وعدم وضع جائحتها ( تأويلان ) وإنما يجوز اشتراط غير المزهية التابعة بشروط ثلاثة أن يشترط جملتها وأن يكون طيبها قبل انقضاء مدة الكراء وأن يقصد باشتراطها دفع الضرر بالتصرف إليها فإن كانت غير مزهية وغير تابعة فاشتراط إدخالها مفسد للعقد فإن أزهت جاز اشتراطها مطلقا ( وهل هي ) أي الجائحة ( ما ) أي كل شيء ( لا يستطاع دفعه ) لو علم به ( كسماوي ) كالبرد والحر أي والسموم والثلج والمطر والجراد والفأرة والغبار والنار ونحو ذلك ( وجيش ) لا سارق فإنه يستطاع دفعه وهو قول ابن القاسم وعليه الأكثر ( أو وسارق ) بالرفع عطف على مقدر معطوف على ما ( خلاف ) ومحل كون السارق جائحة على القول به حيث لم يعلم وأما لو علم فيتبعه المشتري ( وتعييبها كذلك ) أي كذهاب عينها فيوضع عن المشتري إن نقص ثلث قيمتها فأكثر ولا ينظر إلى ثلث المكيلة فالتشبيه في مطلق الوضع لا بقيد المكيلة فإن أصابها غبار أو عفن من غير ذهاب عين فإن نقصت ثلث القيمة اعتبرت وإلا فلا

التالي السابق


( قوله ونظر إلخ ) أي ونسب قيمة ما أصيب إلى قيمة ما بقي وما أجيح وحط عن المشتري من الثمن بتلك النسبة ففي كلامه حذف مضافين وحذف الواو مع ما عطفت ( قوله أو ما في حكمها ) أي كصنف من صنفين برني وصيحاني اشتراهما معا وأجيح أحدهما ( قوله ما بقي سليما ) أي مع انضمام قيمة ما أجيح إليها ( قوله في زمنه ) أي ملحوظا قيمة كل من المجاح والسالم في زمنه ( قوله ويستأني بغيره ) أي لزمنه ولا يستعجل على الظن والتخمين فإذا أجيح البطن الأول انتظر لفراغ البطن الثاني والثالث ثم يقال ما قيمة المجاح في زمنه فإذا قيل ثلاثون وما قيمة البطن الثاني في زمانه قيل عشرون وما قيمة الثالث في زمانه قيل عشرة فيرجع بنصف الثمن لأنك إذا نسبت الثلاثين للستين قيمة مجموع المجوح والسالم يكون نصفا وقوله ويستأني بغيره أي خلافا لمن قال إنه يعتبر قيمة المجاح يوم الجائحة ويستعجل بتقويم غيره على الظن والتخمين ففي يوم الجائحة يقال ما قيمة المجاح في ذلك الوقت فيقال كذا ثم يقال وما قيمة السالم في ذلك الوقت لو كان موجودا فيقال كذا وإلى رد هذا أشار المصنف بقوله ولا يستعجل بتقويم السالم يوم الجائحة على الأصح والحاصل أن الأقوال أربعة قيل يعتبر قيمة كل في وقته ولا يستعجل بالتقويم وقيل يعتبر قيمة كل يوم البيع على تقدير وجود البطون فإذ أجيحت بطن مثلا قيل ما قيمتها يوم البيع وما قيمة السالم لو كان موجودا يوم البيع فيقال كذا وقيل تعتبر قيمة كل يوم الجائحة وعلى هذا القول فقيل يستعجل بالتقويم بحيث يقال يوم الجائحة ما قيمة المجاح في ذلك الوقت فيقال كذا وما قيمة السالم لو كان موجودا فيه فيقال كذا وقيل لا يستعجل بتقويم السالم على الظن والتخمين بل بعد انتهاء البطون ينظر كم تساوى كل بطن زمن الجائحة على أنها تقبض بعد شهر مثلا وهذا القول هو المعتمد وقد رد المصنف القول الثاني والثالث بقوله لا يوم البيع ولا يستعجل بتقويم السالم يوم الجائحة على الأصح ولم يتعرض للقول الرابع الذي هو المعتمد هذا محصل كلام المصنف والشارح وفي بن عن أبي الحسن أن الأول لم يقل به أحد من أهل المذهب وإنما اختلفوا هل يراعى في التقويم يوم البيع أو يوم الجائحة وعلى الثاني فقيل يستعجل بتقويم السالم على الظن والتخمين وقيل لا يستعجل بتقويمه وهو الأصح ( قوله زمنين ) هو بفتح الميم ( قوله ما قيمة ذلك ) أي المجاح والسالم يوم البيع أي على تقدير وجود السالم ( قوله هذا على ما هو المعتمد ) فيه نظر بل المعتمد أنه بعد انتهاء البطون ينظر ما قيمة كل بطن زمن الجائحة على أن يقبض في أوقاته فالأولى للشارح أن يقول ثم يقال ما قيمة كل بطن على تقدير أنها تجذ وتقبض وقت كذا ولا شك أن قيمة ما يقبض في أوقات وجوده إذا كانت تعجل الآن أقل من قيمة ما اعتبر وجوده الآن أعني يوم الجائحة لأن الأجل له [ ص: 185 ] حصة من الثمن ( قوله ولو قلت ) أي ولو كانت قيمة المجاح أقل من ثلث قيمة المبيع ( قوله وفي المزهية إلخ ) يعني أن من اكترى دارا أو أرضا فيها نخلة مثلا مزهية وهي تبع للدار أي قيمة ثمرتها ثلث الكراء فأقل واشترط إدخالها في عقد الكراء فأجيحت تلك النخلة فذهب ثلث مكيلتها فهل توضع جائحتها لأنها ثمرة مبتاعة وقع العقد عليها مفردة فهي كغيرها أو لا جائحة ولو ذهب جميعها لأنها تبع والجائحة إنما تكون في ثمرة مقصورة بالبيع قولان ( قوله في النخل ) أي حالة كونها من النخل وقوله في غيره أي حالة كونها من غير النخل ( قوله فلا جائحة اتفاقا ) أي سواء كانت تابعة أو غير تابعة ويفسد الكراء في الثاني كما قال الشارح بعد لا في الأول إذا اشترط إدخالها فيه ( قوله فإن لم تكن تابعة ) أي والحال أنها مزهية ( قوله وإنما يجوز اشتراط غير المزهية ) أي اشتراط إدخالها في عقد الكراء ( قوله فإن أزهت جاز اشتراطها مطلقا ) حاصله أنها إن كانت مزهية جاز اشتراطها مطلقا كانت تابعة للكراء أو لا ولا يدخل في عقد الكراء إلا بالشرط ثم إن كانت غير تابعة وضعت جائحتها اتفاقا وإن كانت تابعة ففي وضع جائحتها وعدم وضعها تأويلان وإن كانت غير مزهية فإن كانت غير تابعة فاشتراطها مفسد للعقد وإن كانت تابعة فلا جائحة فيها اتفاقا ولا يجوز اشتراطها إلا بشروط ثلاثة كما قال الشارح ( قوله كسماوي ) أي كالأمر المنسوب للسماء وقوله كالبرد هو والثلاثة بعده أمثلة للسماوي وقوله والجراد هو والثلاثة بعده داخلة تحت الكاف وقوله ونحو ذلك أي كالدود ( قوله عطف على مقدر معطوف على ما ) أي والتقدير أو ما لا يستطاع دفعه وسارق ( قوله خلاف ) القول الأول لابن نافع وعزاه الباجي لابن القاسم في الموازية قال في التوضيح وعليه الأكثر وأشار ابن عبد السلام إلى أنه المشهور ا هـ والقول الثاني لابن القاسم في المدونة وصوبه ابن يونس واستظهره ابن رشد قائلا لا فرق بين فعل الآدمي وغيره في ذلك لما بقي على البائع في الثمرة من حق التوفية ا هـ بن ( قوله فيتبعه المشتري ) أي ولا يحط البائع شيئا عن المشتري من الثمن وقوله فيتبعه أي سواء كان مليا أو معدما والحال أنه يرجى يساره عن قرب وإلا كان جائحة على كل من القولين ومحل كون السارق المعين الموسر أو المرجو اليسار عن قرب جائحة على القول الثاني دون الأول إذا كانت تناله الأحكام وإلا كان جائحة اتفاقا واعلم أن محل كون الجيش جائحة إذا لم يعرف منه أحد أو عرف منه أحد وكان لا تناله الأحكام أو كان معسرا ولا يرجى يساره عن قرب أما لو عرف منه أحد وكانت تناله الأحكام وهو موسر أو يرجى يساره عن قرب فلا يكون ما أخذه الجيش جائحة توضع بل يضمن جميعه ذلك المعروف كما هو ظاهر المدونة ( قوله وتعييبها كذلك ) يعني أن الثمرة إذ لم تهلك بل تعيبت بغبار وشبهه فإن ذلك جائحة تحط بالشروط السابقة في قوله إن بلغت ثلث المكيلة إلخ لكن يعتبر هنا نقص ثلث القيمة لا نقص ثلث المكيلة كما في ذهاب العين قال في التوضيح فإن لم تهلك الثمار بل تعيبت فقط بكغبار يصيبها أو ريح يسقطها قبل أن يتناهى طيبها فينقص ثمنها ففي البيان المشهور أن ذلك جائحة ينظر لما نقص هل ثلث القيمة أم لا وقال ابن شعبان وهو أحد قولي ابن الماجشون ليس ذلك جائحة وإنما هو عيب والمبتاع بالخيار بين أن يتمسك أو يرد ا هـ بن




الخدمات العلمية