الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( والمثلي ) من طعام وأدم ومكيل وموزون يصح رهنه ( ولو عينا ) وليس منه هنا الحلي لعدم احتياجه لطبع عليه حال كون المثلي ( بيده ) أي بيد المرتهن ( إن طبع عليه ) أي على المثلي طبعا لا قدرة على فكه غالبا أو إذا زال علم زواله [ ص: 237 ] حماية للذرائع لاحتمال أن يكونا قصدا به السلف وسمياه رهنا والسلف مع المداينة ممنوع والطبع المقدور على فكه ، ولا يعلم زواله كالعدم ، ومفهوم بيده أنه لو كان بيد أمين فلا يشترط في رهنه طبع وظاهر المصنف أن الطبع شرط صحة والمعتمد أنه شرط لجواز الرهن وعليه ، فإذا لم يطبع عليه لا يجوز رهنه ابتداء ولكنه يصح ويكون المرتهن أحق به قبل الطبع إن حصل مانع ( وفضلته ) أي فضلة الرهن يصح رهنها بأن رهن رهنا يساوي مائة في دين أقل من مائة كخمسين ، ثم يرهن الزائد على قدر الدين الأول في دين آخر ( إن علم ) الأول ( ورضي ) بذلك ليصير حائزا للمرتهن الثاني وهذا إذا كان الرهن بيده ، فإن كان بيد أمين اشترط رضا الأمين دون المرتهن ( ولا يضمنها ) أي الفضلة المرهونة للثاني المرتهن ( الأول ) إذا كانت بيده [ ص: 238 ] وهي مما يغاب عليها ولم تقم على هلاكها بينة ; لأنه أمين فيها ، وإنما يضمن قدر دينه إن أحضر الثوب الرهن وقت ارتهان الفضلة أو علم بقاؤه ببينة حينئذ وإلا ضمن الجميع وشبه في عدم الضمان قوله ( كترك الحصة المستحقة ) من رهن يغاب عليه أي تركها المستحق تحت يد المرتهن فتلفت فلا يضمنها ; لأنها باستحقاقها خرجت من الرهينة وصار المرتهن أمينا فلا يضمن إلا ما بقي ( أو رهن نصفه ) بالجر عطفا على ترك أي إذا ارتهن نصف ثوب مثلا فقبض المرتهن جميعه فهلك عنده لم يضمن إلا نصف قيمته وهو في النصف الآخر مؤتمن ( ومعطى ) بالتنوين اسم مفعول ( دينارا ) أعطاه له مدين أو مسلف ( ليستوفي نصفه ) قرضا أو قضاء ( ويرد نصفه ) فزعم تلفه قبل صرفه أو بعده فلا يضمنه كله بل نصفه إن أعطاه له ليكون له نصفه من حين الإعطاء وأما لو أعطاه له ليصرفه ويأخذ نصفه فضاع قبل الصرف فضمانه من ربه ، فإن ضاع بعده فمنهما كمسألة المصنف ، فإن أعطاه له ليكون رهنا عنده حتى يوفيه حقه ضمن جميعه ضمان الرهان ثم رجع لتتميم مسألة وفضلته بقوله ( فإن حل أجل ) الدين ( الثاني أولا ) قبل أجل الأول ( قسم ) الرهن بينهما على الدينين ( إن أمكن ) قسمه ويدفع للأول قدر ما يتخلص منه لا أزيد والباقي للثاني إلا أن يكون الباقي يساوي أكثر من الدين الثاني فلا يعطى للثاني منه إلا مقداره ويكون بقية الرهن كلها للدين الأول ( وإلا ) يمكن قسمه ( بيع ) الرهن ( وقضيا ) أي الدينان معا حيث كان فيه فضلة عن الأول وإلا لم يبع حتى يحل أجل الأول ، وعطف على " مشاع " قوله .

التالي السابق


( قوله والمثلي ولو عينا بيده ) الأولى المبالغة على غير [ ص: 237 ] العين فيقول والمثلي إن طبع عليه ولو غير عين وتكون المبالغة على مفهوم الشرط ; لأن الخلاف إنما هو في غير العين إذا لم يطبع عليه وأيضا العين تتسارع الأيدي إليها أكثر فالمتوهم فيه عدم الطبع غيرها .

والحاصل أن المثلي غير العين فيه خلاف بين ابن القاسم وأشهب فابن القاسم في المدونة يقول بوجوب الطبع وأشهب يقول بعدم وجوبه واتفقا على أن العين لا يجوز رهنها إلا بالطبع عليها هذه طريقة المازري وابن الحاجب ، وأما ابن يونس والباجي وابن شاس فلم يذكروا عن أشهب إلا أن طبع العين مستحب كما في التوضيح فعلى هذه الطريقة لا وجه للمبالغة إذ لا فرق عنده بين العين وغيرها في عدم اشتراط الطبع ومذهب المدونة وهو المشهور أن جميع المثليات لا ترهن إلا مطبوعا عليها قال ح .

والحاصل أن المثلي غير العين فيه خلاف بين ابن القاسم وأشهب فابن القاسم يقول بوجوب الطبع وأشهب يقول بعدم وجوبه ، فإن كان عينا وجب الطبع عند ابن القاسم وفي وجوبه أو ندبه عند أشهب طريقتان ا هـ بن ( قوله حماية ) علة لمحذوف أي وإنما اشترط الطبع عليه حماية أي سدا للذرائع أي لأجل حماية الذرائع وسدها ، وقوله لاحتمال إلخ علة للمعلل مع علته أي ، وإنما اشترط الطبع لأجل الحماية لاحتمال إلخ ( قوله والسلف مع المداينة ) أي المصاحب لها سواء كان السلف مشترطا في عقد المداينة أو متطوعا به بعدها ممنوع ; لأنه إن كان مشترطا في عقد المداينة فهو بيع وسلف إن كان الدين من بيع ، وأسلفني وأسلفك إن كان الدين من قرض وإن كان السلف متطوعا به فهو هدية مديان ( قوله كالعدم ) أي فلا يكون كافيا في تحصيل الواجب ( قوله إن الطبع شرط صحة ) أي شرط في صحة الرهن وبه قيل ، وقيل إنه شرط في اختصاص المرتهن بالرهن وكلاهما ضعيف وعلى هذين القولين إذا حصل للراهن مانع قبل الطبع فلا يختص به المرتهن ( قوله ويكون المرتهن أحق به ) يدل لهذا ما في ح عن أبي الحسن ونصه قال الشيخ أبو الحسن انظر لو قامت الغرماء على الراهن قبل أن يطبع على الرهن ففي بعض الحواشي يكون المرتهن أسوة الغرماء الشيخ وليس هذا ببين ; لأن هذا رهن محوز فيكون المرتهن أولى به .

( قوله قبل الطبع ) متعلق بقوله إن حصل مانع ولو قال الشارح أحق به إن حصل مانع قبل الطبع كان أظهر ( قوله وفضلته ) أي وصح رهن قيمة فضلته ( قوله ، ثم يرهن الزائد ) أي من قيمة الرهن ( قوله إن علم الأول ) أي إن علم المرتهن الأول برهنها ورضي بذلك وهذا إذا رهن الفضلة بغير المرتهن الأول أما لو رهنها له فلا بد أن يكون أجل الدين الثاني مساويا للأول لا أقل ولا أكثر وإلا منع وذلك لأنه إن كان أجل الثاني أبعد من أجل الأول يباع الرهن عند انقضاء أجل الأول ويقضى الدينان كما يأتي فيعجل الدين الثاني قبل أجله وهو سلف وإن كان أجل الثاني أقرب من أجل الأول يباع الرهن عند انقضاء أجل الثاني ويقضى الدينان فيعجل الدين الأول قبل أجله وهو سلف وإن كان الدين الأول من بيع لزم اجتماع بيع وسلف وإن كان قرضا لزم أسلفني وأسلفك .

والحاصل أن الفضلة إما أن ترهن للمرتهن الأول وإما أن ترهن لغيره ، فإن رهنت للأول فلا بد من تساوي الأجلين وإن رهنت لغيره جاز مطلقا تساوى الأجلان أو لا . نعم يشترط رضا الحائز له سواء كان هو المرتهن الأول أو كان أمينا غيره .

( قوله وهذا ) أي اشتراط علم الأول ورضاه إذا كان الرهن هو بيده ( قوله اشترط رضا الأمين ) أي لأجل أن يصير حائزا للثاني ، وقوله دون المرتهن أي فلا يشترط رضاه ; لأنه غير حائز ولا يقال لم لم يشترط رضاه ومن حقه أن يقول أنا لم أرض إلا برهنه كله في ديني ; لأنا نقول حيث كان الثاني لا يستحق منه في دينه شيئا إلا بعد أن يستوفي الأول جميع دينه ، فإن فضل شيء كان للثاني وإلا فلا شيء له كما يأتي وإن لم يكن له كلام ; لأن دينه مضمون فيه يأخذه كاملا وإن تغيرت الأسواق ا هـ بن ( قوله ولا يضمنها الأول ) يعني أن الفضلة لا يضمنها الأول إذا كانت بيده وهي مما يغاب عليها وتلفت [ ص: 238 ] ولم تقم بينة ; لأنه فيها أمين ، وإنما يضمن مبلغ دينه فقط ويرجع المرتهن الثاني بدينه على صاحبه وهو الراهن إلا أن يأتيه برهن ثقة وهذا إذا رهنت الفضلة لغير المرتهن ، وأما إذا كان كله عنده في مقابلة دينه وفيه فضل عن دينه فإنه يضمن جميعه إذا تلف وكان مما يغاب عليه ولم تقم بينة على تلفه .

( قوله وهي مما يغاب عليها ) أي وأما لو كانت مما لا يغاب عليها أو قامت على هلاكها بينة فلا ضمان عليه لا للفضلة ولا لما قابل دينه ( قوله إن أحضر إلخ ) هذا شرط في عدم ضمان المرتهن الأول الفضلة ( قوله وإلا ضمن الجميع ) أي ; لأنه يحمل على أنه ضاع بتمامه قبل الرهن الثاني ( قوله من رهن يغاب عليه ) أي وأولى إذا كانت من رهن لا يغاب عليه كعقار أو حيوان إلا أن يقال قيد بذلك لأجل قوله بعد فلا يضمن إلا ما بقي ( قوله فلا يضمن إلا ما بقي ) أي من غير استحقاق فإذا كان المستحق النصف فإنه يضمن قيمة النصف الباقي رهنا من غير استحقاق ، وأما النصف الذي قد استحق فلا يضمن قيمته ( قوله فلا يضمنه كله بل نصفه ) أي ولا يمين عليه إلا إذا اتهم كما في المدونة ( قوله فضمانه من ربه ) أي فضمان الدينار كله من ربه أي لأن القابض له أمين فيه قبل الصرف ( قوله فإن ضاع بعده فمنهما ) أي لأنه بعد الصرف قبض لحق نفسه وحينئذ فيضمن حصته ، فإن تنازعا في كونه تلف قبل الصرف أو بعده فالقول قول الآخذ ; لأنه وكيل كما قرره شيخنا ( قوله فإن حل أجل الدين الثاني ) لم يتعرض لحكم ما إذا تساوى الدينان في الأجل أو كان أجل الثاني أبعد لوضوحه وهو أنه يباع ويقضيان معا مع التساوي ولو أمكن قسمه إذ ربما أدى القسم لنقص الثمن ، وأما إن بعد أجل الثاني فالحكم أنه إذا حل أجل الأول يقسم الرهن إن أمكن وإلا بيع وقضيا ( قوله قسم إن أمكن قسمه ) ويدفع لصاحب الدين الأول من الرهن قدر ما يوفيه ويبقى ذلك رهنا عنده حتى يحل أجله واعترض بأن في القسم إشكالا ; لأن قسم الأول قد يتغير سوقه فلا يفي بدينه مع أنه إنما دخل على رهن الجميع وجواب ابن عاشر أن الفضلة رهنت بعلمه ورضاه فهو داخل على ذلك ، يرد بأن الرهن إذا كان بيد أمين لا يشترط فيه رضا المرتهن كما تقدم تأمل . ا هـ بن ( قوله ويدفع للأول قدر ما يتخلص منه لا أزيد ) أي بأن ينظر لعدد الدين الأول فيعطى من الرهن مقدار ما يوفيه ويبقى ذلك رهنا لحلول أجله .

( قوله والباقي ) أي من الرهن للدين الثاني سواء كان ذلك الباقي يوفيه أم لا ( قوله وإلا بيع وقضيا إلخ ) ظاهره أنه يباع ولا يوقف ويقضى الدينان ولو أتى للدين الأول برهن ثقة وهو كذلك كما استظهره ابن رشد ولا يقال إنه إذا أتى برهن ثقة فإنه لا يقضي الأول ; لأن أجله لم يحل ; لأنا نقول إن الراهن قد أدخل على المرتهن بيع رهنه فأشبه ذلك ما لو باع الرهن بغير إذن المرتهن فإنه يعجل الدين كما يأتي وما قاله ابن رشد هو المعتمد خلافا لما في سماع القرينين من أن محل كونه يقضي الدينان إذا لم يأت برهن كالأول ، فإن أتى برهن كالأول فلا يقضي الدينان ( قوله الدينان معا ) أي من ثمنه وصفة القضاء أن يقضي الدين الأول كله أولا لتقدم الحق فيه ، ثم ما بقي للثاني ( قوله حيث كان فيه فضلة عن الأول ) أي كما أشعر به قوله وقضيا .




الخدمات العلمية