الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما يتعلق به حق الوثيقة

                                                                                                                                                                        وهي متعلقة بعين المرهون قطعا . وأما غير العين ، فضربان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : بدل العين فلو جنى على المرهون ، وأخذ الأرش ، وانتقل الرهن إليه ، كما ينتقل الملك لقيامه مقام الأصل ، ويجعل في يد من كان الأصل في يده . وما دام الأرش في ذمة الجاني ، هل يحكم بأنه مرهون ؟ وجهان . أحدهما : لا ; لأن الدين لا يكون رهنا . فإذا تعين ، صار مرهونا ، والحالة المتخللة ، كتخمر العصير وتخلله بعد . والثاني : نعم ; لأنه مال بخلاف الخمر ، وإنما يمتنع رهن الدين ابتداء .

                                                                                                                                                                        قلت : الثاني : أرجح ، وبالأول قطع المراوزة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والخصم في بدل المرهون ، هو الراهن . فلو ترك الخصومة ، فهل يخاصم المرتهن ؟ قولان . أظهرهما عند الأصحاب : لا ، كذا قاله في " التهذيب " .

                                                                                                                                                                        [ ص: 101 ] قلت : وقطع الإمام ، والغزالي ، بأنه يخاصم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإذا خاصم الراهن ، فللمرتهن حضور خصومته ، لتعلق حقه بالمأخوذ . ثم إن أقر الجاني ، أو أقام الراهن بينة ، أو حلف بعد نكول المدعى عليه ، ثبتت الجناية . وإن نكل الراهن ، فهل يحلف المرتهن ؟ قولان ، كغرماء المفلس إذا نكل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا ثبتت الجناية ، فإن كانت عمدا ، فللراهن أن يقبض ويبطل حق المرتهن . وإن عفا عن القصاص ، ثبت المال إن قلنا : مطلق العفو يقتضي المال ، وإلا لم يجب ، وهو الأصح ، كذا قاله في التهذيب . وإن عفا على أن لا مال ، فإن قلنا : يوجب العمد أحد الأمرين لم يصح عفوه عن المال ، وإن قلنا : موجبه القود ، فإن قلنا العفو المطلق لا يوجب المال لم يجب شيء ، وإن قلنا : يوجبه ، فالأصح : أنه لا يجب أيضا ; لأن القتل لم يوجبه ، وإنما يجب بعفوه ، وذلك نوع اكتساب ، ولا يجب عليه الاكتساب للمرتهن . وإن لم يقبض ولم يعف ، فقيل : يجبر على أحدهما . وقيل : إن قلنا : موجبه أحد الأمرين ، أجبر ، وإلا ، فلا ; لأنه يملك إسقاطه ، فتأخيره أولى بأن يملكه .

                                                                                                                                                                        قلت : ينبغي أن يقال : إن قلنا : إذا عفا على أن لا مال لا يصح ، أجبر ، وإلا ، فلا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن كانت الجناية خطأ ، أو عفا ووجب المال ، فعفا عنه لم يصح عفوه على المشهور لحق المرتهن . وفي قول العفو موقوف ، ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن ، [ ص: 102 ] فإن انفك الرهن ، رد إلى الجاني ، وبان صحة العفو ، وإلا بان بطلانه . ولو أراد الراهن المصالحة عن الأرش الواجب على جنس آخر لم يصح إلا بإذن المرتهن . وإذا أذن ، صح وكان المأخوذ مرهونا ، كذا نقلوه .

                                                                                                                                                                        ولو أبرأ المرتهن الجاني لم يصح ، لكن لا يسقط حقه من الوثيقة على الأصح ; لأنه لم يصح الإبراء ، فلا يصح ما تضمنه . كما لو وهب المرهون لرجل .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : زوائده ، فإن كانت متصلة ، كسمن العبد ، وكبر الشجرة ، تبعت الأصل في الرهن . وإن كانت منفصلة ، كالثمرة ، والولد ، واللبن ، والبيض ، والصوف لم يسر إليها الرهن ، وكذا الأكساب والمهر ، وما أشبه ذلك مما يحدث بعد الرهن . ولو رهن حاملا ، واحتيج إلى بيعها حاملا ، بيعت كذلك في الدين ، لأنا إن قلنا : الحمل يعلم ، فكأنه رهنهما ، وإلا ، فقد رهنها والحمل محض صفة . ولو ولدت قبل البيع ، فهل الولد رهن قولان . إن قلنا : الحمل لا يعلم ، فلا ، وإلا فنعم . وقيل : قولان ، لضعف الرهن عن الاستتباع . فإن قلنا : لا ، فقال في ابتداء العقد : رهنتها مع حملها ، لا يكون مرهونا على الأصح . ولو جاز ذلك ، لجاز إفراده بالرهن . أما إذا حبلت بعد الرهن ، وكانت يوم البيع حاملا ، فإن قلنا : لا يعلم ، بيعت ، وهو كالسمن ، وإلا ، فلا يكون مرهونا ، ويتعذر بيعها ; لأن استثناء الحمل متعذر ، ولا سبيل إلى بيعها حاملا وتوزيع الثمن ; لأن الحمل لا تعرف قيمته .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو رهن نخلة ، ثم أطلعت ، فطريقان : أحدهما : أن بيعها مع الطلع ، على القولين كالحمل . والثاني : القطع بأن الطلع غير مرهون . فعلى هذا يباع النخل ، ويستثنى [ ص: 103 ] الطلع ، بخلاف الحامل . ولو كانت مطلعة وقت الرهن ، ففي دخول الطلع ، على ما سبق في الباب الأول . فإن أدخلناه ، فكان وقت البيع طلعا بعد ، بيع مع النخلة ، وإن كانت قد أبرت ، فطريقان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : على القولين ، كما لو ولدت الحامل . والثاني : القطع ببيعه مع النخلة ; لأنه معلوم مشاهد وقت الرهن .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الاعتبار في مقارنة الولد الرهن وحدوثه ، وسائر الزوائد ، بحالة العقد على الصحيح . وقيل : بحالة القبض ; لأن الرهن به يلزم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أرش البكارة ، وأطراف العبد مرهون لأنهما ليسا من الزوائد ، بل بدل جزء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ضرب الرجل الجارية المرهونة ، فألقت جنينا ميتا ، لزم الضارب عشر قيمة الأم ، ولا يكون مرهونا ; لأنه بدل الولد ، فإن دخلها نقص لم يجب بسببه شيء ، ولكن قدر أرش النقص من العشر يكون رهنا ، فإن ألقته حيا ومات ، ففيما يلزم الجاني قولان . أظهرهما : قيمة الجنين حيا ، وأرش نقصان الأم إن نقصت . فعلى هذا ؛ القيمة للراهن ، والأرش مرهون . والثاني : أكثر الأمرين من أرش النقص ، وقيمة الجنين . فعلى هذا ، إن كان الأرش أكثر ، فالمأخوذ رهن كله . وإن كانت القيمة [ ص: 104 ] أكثر ، فقدر الأرش رهن . وأما البهيمة المرهونة ، إذا ضربت فألقت جنينا ميتا ، فلا شيء على الضارب سوى أرش النقص إن نقصت ، ويكون رهنا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية