الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الثالث : القدرة على التسليم ، وهذا الشرط ليس من خواص السلم ، بل يعم كل بيع كما سبق ، وإنما تعتبر القدرة على التسليم عند وجوبه . وذلك في البيع والسلم الحال في الحال ، وفي السلم المؤجل عند المحل . فلو أسلم في منقطع لدى المحل ، كالرطب في الشتاء ، أو فيما يعز وجوده كالصيد حيث يعز لم يصح . فلو غلب على الظن وجوده لكن لا يحصله إلا بمشقة عظيمة ، كالقدر الكثير في الباكورة ، فوجهان . أقربهما إلى كلام الأكثرين : البطلان . ولو أسلم في شيء لا يوجد ببلده ويوجد في غيره ، قال الإمام : إن كان قريبا منه صح ، وإلا فلا ، قال : ولا تعتبر فيه مسافة القصر ، وإنما التقريب فيه أن يقال : إن كان يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة ، لا للتحف والمصادرات صح السلم ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        ولو كان المسلم فيه عام الوجود عند المحل ، فلا بأس بانقطاعه قبله وبعده . وإن أسلم فيما يعم ، ثم انقطع عند المحل لجائحة فقولان . أحدهما : ينفسخ العقد . وأظهرهما : لا ، بل يتخير المسلم ، فإن شاء فسخ ، وإن شاء صبر إلى وجوده . ولا فرق في جريان القولين بين أن لا يوجد عند المحل أصلا ، أو وجد فسوف المسلم إليه حتى انقطع . وقيل : القولان في الحالة الأولى . أما الثانية فلا ينفسخ فيها قطعا بحال ، فإن أجاز ثم بدا له ، مكن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت ثم أرادت المطالبة ، كان لها ذلك .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا هو الصحيح ، وذكر صاحب " التتمة " في باب التفليس وجهين في أن هذا الخيار على الفور أم لا ؟ كالوجهين في خيار من ثبت له الرجوع في المبيع بالإفلاس . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 12 ] ولو صرح بإسقاط حق الفسخ لم يسقط على الأصح . ولو قال المسلم إليه : لا تصبر وخذ رأس مالك لم يلزمه على الصحيح . ولو حل الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدة ، والمسلم فيه معدوم جرى القولان . وكذا لو كان موجودا عند المحل وتأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ، ثم حضر وقد انقطع بعض المسلم فيه ، فقد ذكرنا حكمه في باب تفريق الصفقة . ولو أسلم فيما يعم عند المحل ، فعرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عن المحل ، فهل يتنجز حكم الانقطاع في الحال ، أم يتأخر إلى المحل ؟ وجهان . أصحهما الثاني .

                                                                                                                                                                        فرع فيما يحصل به الانقطاع

                                                                                                                                                                        فإذا لم يوجد المسلم فيه أصلا ، بأن كان ذلك الشيء ينشأ بتلك البلدة ، فأصابه جائحة مستأصلة ، فهذا انقطاع حقيقي . ولو وجد في غير ذلك البلد ، لكن يفسد بنقله ، أو لم يوجد إلا عند قوم امتنعوا من بيعه ، فهو انقطاع . ولو كانوا يبيعونه بثمن غال فليس بانقطاع ، بل يجب تحصيله . ولو أمكن نقله وجب إن كان قريبا . وفيما يضبط به القرب خلاف ، نقل فيه صاحب التهذيب في آخرين وجهين . أصحهما : يجب نقله مما دون مسافة القصر . والثاني : من مسافة لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا . وقال الإمام : لا اعتبار لمسافة القصر . فإن أمكن النقل على عسر ، فالأصح أنه لا ينفسخ قطعا . وقيل : على القولين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية