الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا أقر بمجمل ، إما شيء ، وإما غيره ، مما سنذكره إن شاء الله تعالى ، وطالبناه بالتفسير ، فامتنع ، فأربعة أوجه . أصحها : نحبسه كحبسنا من امتنع من أداء الحق ؛ لأن التفسير واجب عليه .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يحبس ، بل ينظر ، إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى ، وامتنع من التفسير ، جعل منكرا ، وتعرض اليمين عليه . فإن أصر ، جعل ناكلا ، وحلف المدعي . وإن أقر ابتداء ، قلنا للمقر له : ادع عليه حقك ، فإذا ادعى ، وأقر بما ادعاه ، أو أنكر ، أجرينا عليه حكمه . وإن قال : لا أدري ، [ ص: 373 ] جعلناه منكرا ، فإن أصر ، جعلناه ناكلا ؛ لأنه إذا أمكن حصول الغرض بلا حبس ، لا يحبس .

                                                                                                                                                                        والثالث : إن أقر بغصب ، وامتنع من بيان المغصوب ، حبس . وإن أقر بدين مبهم ، فالحكم كما ذكرنا في الوجه الثاني .

                                                                                                                                                                        والرابع : إن قال : علي شيء ، وامتنع من التفسير ، لم يحبس . وإن قال : علي ثوب ، أو فضة ، ولم يبين ، حبس ، قاله أبو عاصم العبادي ، وأشار في شرح كلامه إلى أن الفرق مبني على قبول تفسير الشيء بالخمر ونحوه ، فإنه لا يتوجه بذلك مطالبة وحبس .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا فسر المبهم بتفسير صحيح ، وصدقه المقر له ، فذاك ، وإلا فليبين جنس الحق وقدره ، وليدعه ، والقول قول المقر في نفيه . ثم إن كان من جنسه ، بأن فسر بمائة درهم ، وقال المقر له : لي عليك مائتان ، فإن صدقه على إرادة المائة ، فهي ثابتة باتفاقهما ، ويحلف ليقر على نفي الزيادة . وإن قال : أراد به المائتين ، حلف المقر أنه ما أراد المائتين ، وأنه ليس عليه إلا مائة ، ويجمع بينهما بيمين واحدة على الصحيح . وقال ابن المرزبان : لا بد من يمينين . فلو نكل ، حلف المقر له على استحقاق المائتين ، ولا يحلف على الإرادة ؛ لأنه لا اطلاع له عليها ، بخلاف ما إذا مات المقر ، وفسر الوارث ، فادعى المقر له زيادة ، فيحلف الوارث على نفي إرادة المورث ؛ لأنه قد يطلع من حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره . قال البغوي : ومثله : لو أوصى بمجمل ومات ، ففسره الوارث ، وزعم الموصى له أنه أكثر ، يحلف الوارث على نفي العلم باستحقاق الزيادة ، ولا يتعرض للإرادة .

                                                                                                                                                                        والفرق ، أن الإقرار إخبار عن حق سابق ، وقد يطلع عليه ، والوصية إنشاء أمر على الجهالة ، وبيانه : إذا مات ( الموصي ) إلى الوارث . وأما إذا كان ما ادعاه من غير جنس ما فسر به المقر ، فينظر ، إن صدقه في الإرادة ، فقال : هو ثابت لي عليه ، ولي عليه مع ذلك كذا ، ثبت المتفق [ ص: 374 ] عليه ، والقول قول المقر في نفي غيره . وإن صدقه في الإرادة ، وقال : ليس لي عليه ما فسر به ، إنما لي عليه كذا ، بطل حكم الإقرار برده ، وكان مدعيا عليه في غيره . وإن كذبه في دعوى الإرادة ، وقال : إنما أراد ما ادعيته ، حلف المقر على نفي الإرادة ، وبقي ما يدعيه . ثم إن كذبه في استحقاق المقر به ، بطل الإقرار فيه ، وإلا فيثبت . ولو اقتصر المقر له على دعوى الإرادة ، وقال : ما أردت بكلامك ما فسرته به ، وإنما أردت كذا ، إما من جنس المقر به ، وإما من غيره ، لم يسمع منه ؛ لأن الإقرار والإرادة لا يثبتان حقا له ، بل الإقرار إخبار عن سابق ، فعليه أن يدعي الحق نفسه .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وفيه وجه ضعيف : أنه تقبل دعوى الإرادة المجردة ، وهو كالخلاف في أن من ادعى على خصمه أنه أقر له بألف درهم ، هل تسمع ؟ أم عليه أن يدعي نفس الألف ؟ أما إذا ضم إلى الإرادة دعوى الاستحقاق ، فيحلف المقر على نفيهما على التفصيل المذكور . واتفقت الطرق عليه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        مات المبهم قبل التفسير ، طولب به الوارث . فإن امتنع ، فقولان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يوقف مما ترك أقل ما يتمول . وأظهرهما : يوقف الجميع ؛ لأنه مرتهن بالدين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية