الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        لو ادعى رجل على رجلين أنهما رهناه عبدهما بمائة ، وأقبضاه ، فأنكرا الرهن ، أو الرهن والدين جميعا ، فالقول قولهما مع اليمين . وإن صدقه أحدهما ، فنصيبه رهن بخمسين ، والقول قول المكذب في نصيبه مع يمينه . فلو شهد المصدق للمدعي على شريك المكذب ، قبلت شهادته ، فإن شهد معه آخر ، وحلف المدعي ، ثبت رهن الجميع . ولو زعم كل منهما أنه ما رهن نصيبه ، وأن شريكه رهن ، وشهد عليه ، فوجهان . ويقال : قولان : أحدهما : لا تقبل شهادته ; لأن كل واحد يزعم أن صاحبه كاذب ظالم بالجحود . وطعن المشهود له في الشاهد ، يمنع قبول شهادته له . وأصحهما : تقبل ، وبه قال الأكثرون ; لأنه ربما نسيا . فإن تعمدا ، فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق . ولهذا ، لو تخاصم رجلان في شيء ، ثم شهدا في حادثة ، قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم . فعلى هذا ، إذا حلف مع [ ص: 114 ] كل واحد ، أو أقام شاهدا آخر ، ثبت رهن الجميع . وقال ابن القطان : الذي شهد أولا يقبل ، دون الآخر ; لأنه انتهض خصما منتقما .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ادعى رجلان على رجل أنه رهنهما وأقبضهما ، فإن صدقهما أو كذبهما لم يخف الحكم . وإن صدق أحدهما ، فنصف العبد رهن عنده ، ويحلف للآخر . وهل تقبل شهادة المصدق للمكذب ؟ قال ابن كج : نعم . وقال الآخرون : لا . وحكى الإمام والغزالي وجهين بناء على أن الشريكين إذا ادعيا حقا أو ملكا بابتياع أو غيره ، فصدق أحدهما ، هل يستبد بالنصف ، أم يشاركه الآخر فيه ؟ فيه وجهان . إن قلنا : يستبد ، قبلت ، وإلا ، فلا ; لأنه متهم . وقال البغوي : إن لم ينكر إلا الرهن ، قبل . وإن أنكر الرهن والدين ، فحينئذ يفرق بين دعواهما الإرث وغيره . والذي ينبغي أن يفتى به ، القبول إن كانت الحال لا تقتضي الشركة ، والمنع إن اقتضت ; لأنه متهم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        منصوص عليه

                                                                                                                                                                        ادعى زيد وعمرو على ابني بكر ، أنهما رهنا عندهما عبدهما المشترك بينهما بمائة ، فصدقا أحد المدعيين ، ثبت ما ادعاه ، وكان له على كل واحد منهما ربع المائة ، ونصف نصيب كل واحد منهما مرهون به . وإن صدق أحد الابنين زيدا ، والآخر عمرا ، ثبت الرهن في نصف العبد ، لكل واحد من المدعيين في ربعه بربع المائة . فلو شهد [ ص: 115 ] أحد الاثنين على أخيه ، قبلت . ولو شهد أحد المدعيين للآخر ، فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        منصوص في المختصر

                                                                                                                                                                        ادعى رجلان على رجل ، فقال كل واحد : رهنتني عبدك هذا وأقبضتنيه ، فإن كذبهما ، فالقول قوله ، ويحلف لكل واحد يمينا . وإن كذب أحدهما ، وصدق الآخر ، قضي بالرهن للمصدق . وفي تحليفه للمكذب قولان . أظهرهما : لا . فإن قلنا : يحلف ، فنكل ، فحلف المكذب يمين الرد ، ففيما يستفيد بها وجهان . أحدهما : يقضى له بالرهن وينزع من الأول . وأصحهما : يأخذ القيمة من المالك ، ليكون رهنا عنده . وإن صدقهما جميعا ، نظر ، فإن لم يدعيا السبق ، أو ادعاه كل منهما ، وقال المدعى عليه : لا أعرف السابق ، وصدقاه ، فوجهان . أحدهما : يقسم بينهما ، كما لو تنازعا شيئا في يد ثالث فاعترف لهما ، وأصحهما : يحكم ببطلان العقد ، كما لو زوج وليان ولم يعرف السابق . وإن ادعى كل واحد السبق ، وأن الراهن عالم بصدقه ، فالقول قوله مع يمينه . فإن نكل ، ردت اليمين عليهما . فإن حلف أحدهما ، قضي له . وإن حلفا ، أو نكلا ، تعذر معرفة السابق ، وعاد الوجهان . وإن صدق أحدهما في السبق ، وكذب الآخر ، قضي للمصدق . وهل يحلفه المكذب ؟ فيه القولان السابقان . وحيث قلنا : مقتضى الصدق ، فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب . فإن كان ، فقولان . أحدهما : يقضى لصاحب اليد . وأظهرهما : المصدق يقدم ; لأن اليد لا دلالة لها على الرهن . ولو كان العبد في أيديهما ، [ ص: 116 ] فالمصدق مقدم في النصف الذي في يده ، وفي النصف الآخر ، القولان . والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض ، لا العقد . حتى لو صدق هذا في سبق العقد ، وهذا في سبق القبض ، قدم الثاني .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو قال المدعى عليه : رهنته عند أحدكما ، ونسيت ، حلف على نفي العلم . فإن نكل ، ردت عليهما ، فإن حلفا ، أو نكلا ، انفسخ العقد على المذهب الذي قطع به الجماهير في الطرق ، ونقله الإمام وغيره عن الأصحاب . وخرج وجه : أنه لا ينفسخ ، بل يفسخه الحاكم ، وبهذا الوجه قطع صاحب الوسيط ، وهو شاذ ضعيف . وإن حلف الراهن على نفي العلم ، تحالفا على الصحيح ، كما لو نكل . وفي وجه : انتهت الخصومة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        دفع متاعا إلى رجل ، وأرسله إلى غيره ليستقرض منه للدافع ويرهن المتاع ، ففعل ، ثم اختلفا ، فقال المرسل إليه : استقرض مائة ورهنه بها ، وقال المرسل : لم آذن إلا في خمسين ، نظر ، إن صدق الرسول المرسل ، فالمرسل إليه مدع على المرسل بالإذن ، وعلى الرسول بالأخذ ، فالقول قولهما في نفي دعواه . وإن صدق المرسل إليه ، فالقول في نفي الزيادة قول المرسل ، ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى المرسل ; لأنه مظلوم بزعمه . وإن لم يصدقه ، رجع عليه . هكذا ذكره ، وفيه إشكال ، وينبغي أن يرجع على الرسول وإن صدقه في الدفع إلى المرسل .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية