الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : الصفة المحضة . فإذا اشترى حنطة فطحنها ، أو ثوبا فقصره ، أو خاطه بخيوط من نفس الثوب ، ثم فلس ، فللبائع الرجوع فيه . ثم إن لم تزد قيمته ، فلا شركة للمفلس ، وإن نقصت ، فلا شيء للبائع غيره ، وإن زادت ، فقولان . أحدهما : أن هذه الزيادة أثر ، ولا شركة للمفلس ؛ لأنها صفات تابعة ، كسمن الدابة بالعلف ، وكبر الودي بالسقي . وأظهرهما : أنها عين ، والمفلس شريك بها ؛ لأنها زيادة بفعل محترم متقوم ، ويجري القولان ، فيما لو اشترى دقيقا فخبزه ، أو لحما فشواه ، أو شاة فذبحها ، أو أرضا فضرب من ترابها لبنا أو عرصة ، وآلات البناء فبنى بها دارا . أما تعليم العبد القرآن ، والحرفة ، والكتابة ، والشعر المباح ، ورياضة الدابة ، فالأصح أنها على القولين . وقيل : هي أثر قطعا ، كالسمن . وضبط صور القولين ، أن يصنع به ما يجوز الاستئجار عليه ، فيظهر به أثر فيه . وإنما اعتبرنا الأثر ؛ لأن حفظ الدابة وسياستها ، يجوز الاستئجار عليه ، ولا تثبت به مشاركة للمفلس ؛ لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدابة . فإن قلنا : أثر ، أخذ البائع المبيع بزيادته . وإن قلنا : عين ، بيع وللمفلس بنسبة ما زاد في قيمته .

                                                                                                                                                                        مثاله ، قيمة الثوب خمسة ، وبلغ بالقصارة ستة ، فللمفلس سدس الثمن . فلو ارتفعت القيمة ، [ ص: 171 ] أو انخفضت بالسوق ، فالزيادة والنقص بينهما على هذه النسبة . فلو ارتفعت قيمة الثوب دون القصارة ، بأن صار مثل ذلك الثوب يساوي غير مقصور ستة ، ومقصورا سبعة ، فللمفلس سبع الثمن فقط . فلو زادت قيمة القصارة دون الثوب ، بأن كان مثل هذا الثوب يساوي مقصورا سبعة ، وغير مقصور خمسة ، فللمفلس سبعان من الثمن . وعلى هذا القياس . ويجوز للبائع أن يمسك المبيع ، ويمنع من بيعه ، ويبذل للمفلس حصة الزيادة ، كذا نقل في " التهذيب " وغيره ، كما تبذل قيمة البناء والغراس . ومنعه في " التتمة " لأن الصفة لا تقابل بعوض .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : نقل صاحبا " التهذيب " ، وبه قطع صاحب " الشامل " و " البيان " . وقال صاحب " الحاوي " : ولا يسلم هذا الثوب إلى البائع ، ولا المفلس ، ولا الغرماء ، بل يوضع عند عدل حتى يباع كالجارية الحامل . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية