الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        ومن المحجور عليهم ، المريض مرض الموت ، وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : يصح إقراره بالنكاح بموجبات العقوبات ، وبالدين والعين للأجنبي ، وفي إقراره للوارث بالمال ، طريقان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يقبل قطعا . وأصحهما عند الجمهور : على قولين . أظهرهما : القبول . واختار الروياني مذهب مالك رضي الله عنه ، وهو أنه إن كان متهما ، لم يقبل إقراره ، وإلا فيقبل ، ويجتهد الحاكم في ذلك . فإن قلنا : لا يقبل ، فهل الاعتبار في كونه وارثا بحال الموت ، أم بحال الإقرار ؟ فيه وجهان .

                                                                                                                                                                        وقيل : قولان . أظهرهما وأشهرهما وهو الجديد : بحال الموت ، كالوصية . ولو أقر في مرضه أنه كان وهب وارثه ، وأقبضه في الصحة ، أشار الإمام إلى طريقين :

                                                                                                                                                                        أحدهما : القطع بالمنع ؛ لأنه عاجز عن إنشائه .

                                                                                                                                                                        والثاني : أنه على القولين في الإقرار للوارث ، ورجح الغزالي : المنع ، واختار القاضي حسين : القبول .

                                                                                                                                                                        [ ص: 354 ] قلت : القبول أرجح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو أقر لوارثه وأجنبي معا ، وقلنا : لا يقبل للوارث ، قبل في نصفه للأجنبي على الأظهر .

                                                                                                                                                                        الثانية : لو أقر في صحته بدين لرجل ، وفي مرضه بدين لآخر ، فهما سواء ، كما لو ثبتا بالبينة ، وكما لو أقر بهما في الصحة أو المرض .

                                                                                                                                                                        قلت : وحكى في " البيان " قولا شاذا : أن دين الصحة يقدم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو أقر في صحته أو مرضه بدين ، ثم مات فأقر ورثته عليه بدين لآخر ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : يتساويان فيتضاربان في التركة ؛ لأن الوارث يقوم مقامه ، فصار كمن أقر بدينين .

                                                                                                                                                                        والثاني : يقدم ما أقر به المورث ؛ لأنه بالموت تعلق بالتركة ويجري الوجهان فيما لو ثبت الأول ببينة ثم أقر وارثه ، وفيما لو أقر الوارث بدين على الميت ، ثم أقر لآخر بدين آخر ، وسواء كان الدين الأول مستغرقا للتركة ، أم لا . ولو ثبت عليه دين في حياته أو موته ، ثم تردت بهيمة في بئر كان حفرها بمحل عدوان ، ففي مزاحمة صاحب البهيمة رب الدين القديم الخلاف السابق فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه ، قاله في " التتمة " .

                                                                                                                                                                        الثالثة : مات وخلف ألف درهم ، فادعى رجل أنه أوصى له بثلث ماله ، فصدقه الوارث ، ثم جاء آخر فادعى عليه ألف درهم دينا ، فصدقه الوارث ، قيل : يصرف الثلث إلى الوصية ، لتقدمها . وقيل : يقدم الدين على الوصية كما هو المعروف فيهما . ولو صدق مدعي دين أولا ، قدم قطعا . ولو صدق المدعيين معا ، قال الأكثرون : يقسم الألف بينهما أرباعا ، لأنا نحتاج إلى الألف للدين ، وإلى ثلث المال للوصية ، فيخص الوصية ثلث عائل ، وهو الربع . وقال الصيدلاني : تسقط الوصية ، ويقدم الدين [ ص: 355 ] كما لو ثبتا بالبينة ، وهذا هو الصواب ، سواء قدمنا عند ترتب الإقرارين الأول منهما ، أو سوينا .

                                                                                                                                                                        الرابعة : أقر المريض بعين مال لإنسان ، ثم أقر لآخر بدين مستغرق أو غير مستغرق ، سلمت العين للأول ، ولا شيء للثاني ؛ لأن المقر مات ولا يعرف له مال . ولو أقر بالدين أولا ، ثم أقر بالعين ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : أنه كما لو أقر بالعين أولا ؛ لأن الإقرار في الدين ، لا يتضمن حجرا في العين ، ألا ترى أنه ينفذ تصرفه فيها .

                                                                                                                                                                        والثاني : يتزاحمان ، لتعارض القوة فيهما .

                                                                                                                                                                        قلت : لو أقر المريض أنه أعتق عبدا في صحته ، وعليه دين يستغرق تركته ، نفذ عتقه ؛ لأن الإقرار ليس تبرعا ، بل إخبار عن حق سابق . ولو ملك أخاه ، فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته ، وهو أقرب عصبته ، نفذ عتقه . وهل يرث ؟ يبنى على الإقرار للوارث . إن صححناه ورث ، وإلا فلا ؛ لأن توريثه يقتضي إبطال حريته ، فيذهب الإرث . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية