الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        صفة القبض هنا في العقار والمنقول ، كما سبق في البيع ، ويطرد الخلاف في كون التخلية في المنقول قبضا ، وعن القاضي : القطع بأنها لا تكفي هنا ; لأن القبض مستحق هناك .

                                                                                                                                                                        [ ص: 66 ] فرع

                                                                                                                                                                        أودع عند رجل مالا ، ثم رهنه عنده ، فظاهر نصه : أنه لا بد من إذن جديد في القبض ، ولو وهبه له ، فظاهر نصه : حصول القبض بلا إذن في القبض ، وللأصحاب طرق . أصحها : فيهما قولان ، أظهرهما : اشتراط الإذن فيهما . والطريق الثاني : تقرير النصين ؛ لأن الرهن توثيق ، وهو حاصل بغير القبض ، والهبة تمليك ، ومقصوده الانتفاع ، ولا يتم ذلك إلا بالقبض ، فكانت الهبة لمن في يده رضا بالقبض . والثالث باعتبار الإذن فيهما ، قاله ابن خيران . وسواء شرط الإذن الجديد ، أم لا ، فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان يتأتى فيه صورة القبض . لكن إذا شرط الإذن ، فهذا الزمان يعتبر من وقت الإذن . وإن لم يشترطه ، فمن وقت العقد . وقال حرملة : لا حاجة إلى مضي هذا الزمان ، ويلزم العقد بنفسه ، والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        قلت : قوله : قال حرملة معناه : قال حرملة مذهبا لنفسه ، لا نقلا عن الشافعي رضي الله عنه ، كذا صرح به الشيخ أبو حامد وآخرون . وإنما نبهت على هذا ، لئلا يغتر بعبارة صاحب " المهذب " فإنها صريحة ، أو كالصريحة ، في أن حرملة نقله عن الشافعي رضي الله عنه ، فحصل أن المسألة ذات وجهين ، لا قولين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فعلى الصحيح ، إن كان المرهون منقولا غائبا ، اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه ونقله . وهل يشترط مع ذلك نفس المصير ومشاهدته ؟ فيه أوجه . أصحهما : لا . والثاني : نعم . والثالث : إن كان مما يشك في بقائه ، كالحيوان ، فإنه معرض للآفات ، اشترط . وإن تيقن بقاؤه ، فلا ، فإن شرطنا الحضور والمشاهدة ، فالمذهب [ ص: 67 ] أنه لا يشترط مع ذلك نقله ، فإن شرطنا النقل ، أو المشاهدة ، فهل يصح التوكيل فيه ؟ فيه وجهان . أصحهما : الصحة ، كابتداء القبض . والثاني : لا ؛ لأن ابتداء القبض له ، فليتمه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ذهب ليقبضه ، فوجده قد ذهب من يده ، نظر ، إن أذن له في القبض بعد العقد ، فله أخذه حيث وجده ، وإلا لم يأخذه حتى يقبضه الراهن ، سواء شرطنا الإذن الجديد ، أم لا ، كذا قاله ابن عبدان ، وكأنه صوره فيما إذا علم خروجه من يده قبل العقد . أما إذا خرج بعده ولم يشترط الإذن الجديد ، فقد جعلنا الرهن ممن هو في يده إذنا في القبض ، فليكن كما لو استأنف إذنا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا رهن الأب مال الطفل عند نفسه ، أو ماله عند الطفل ، ففي اشتراط مضي زمان يمكن فيه القبض ، وجهان . فإن شرطناه ، فهو كرهن الوديعة عند المودع ، فيعود الخلاف المذكور . وقصد الأب قبضا وإقباضا ، كالإذن الجديد هناك .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا باع المالك الوديعة ، أو العارية ممن في يده ، فهل يعتبر زمان إمكان القبض لجواز التصرف وانتقال الضمان ؟ وجهان . أصحهما : نعم . ثم اشتراط المشاهدة [ ص: 68 ] والنقل ، كما سبق في الرهن والهبة ، فعلى هذا ، هل يحتاج إلى إذن في القبض ؟ نظر ، إن كان الثمن حالا ولم يوفه لم يحصل على القبض إلا بإذن البائع ، فإن وفاه أو كان مؤجلا ، فالمذهب : أنه لا يحتاج إليه ، وبهذا قطع الجمهور . وقيل : هو كالرهن ، والفرق على المذهب : أن القبض مستحق في البيع ، فكفى دوامه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا رهن المالك ماله عند الغاصب ، أو المستعير ، أو المستام ، أو الوكيل ، صح .

                                                                                                                                                                        والقول في افتقار لزومه إلى مضي زمان يتأتى فيه القبض ، وإلى إذن جديد في القبض ، على ما ذكرناه في رهن الوديعة عند المودع . وقيل : لا بد في الغصب من إذن قطعا ، لعدم الإذن في أول اليد . وإذا رهن عند الغاصب ، لا يبرأ من الضمان ، فإن أراد البراءة ، رده إلى الراهن ، ثم له الاسترداد بحكم الارتهان . فإن امتنع الراهن من قبضه ، فله إجباره . ولو أراد الراهن إجبار المرتهن على رده إليه ، ثم يرده هو عليه لم يكن له ذلك على الأصح ، وبه قال القاضي ، إذ لا غرض له في براءة ذمة المرتهن . وإن أودعه عند الغاصب ، برئ على الأصح ؛ لأن مقصود الإيداع ، الائتمان ، والضمان والأمانة لا يجتمعان ، فإنه لو تعدى في الوديعة لم يبق أمينا ، بخلاف الرهن ، فإنه يجتمع هو والضمان ، فإنه لو تعدى في الرهن ، صار ضامنا وبقي الرهن . والإجارة ، والتوكيل ، والقراض على المال المغصوب ، وتزويجه للجارية التي غصبها لا يفيد البراءة على المذهب . ولو صرح بإبراء الغاصب من ضمان الغصب ، والمال باق في يده ، ففي براءته ومصير يده يد أمانة ، وجهان أصحهما لا يبرأ .

                                                                                                                                                                        قلت : قطع صاحب " الحاوي " بأنه يبرأ ، وصححه البغوي ، قال صاحبا الشامل والمهذب : هو ظاهر النص . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 69 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو رهن العارية عند المستعير ، أو المقبوض بالسوم ، أو بشراء فاسد عند قابضه لم يبرأ على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : قال صاحب " الشامل " : إذا رهن العارية عند المستعير لم يزل ضمانها ، وكان له الانتفاع بها . فإن منعه الانتفاع ، ففي زوال الضمان وجهان . وقال في الحاوي : في بطلان العارية وجهان . أحدهما : لا تبطل ، وله الانتفاع . فعلى هذا ، يبقى الضمان . والثاني : تبطل العارية ، وليس له الانتفاع ، ويسقط الضمان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية