الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وألغي مرض كيومين وغيبتهما لا إن كثر )

                                                                                                                            ش : يعني أن شريكي العمل إذا مرض أحدهما يوما ، أو يومين ، أو غاب يوما ، أو يومين وعمل صاحبه في اليومين المذكورين فالعمل بينهما ويلغى مرض اليومين وغيبتهما ، وأما ما كثر فلا يلغى وهو يشير إلى قوله في المدونة : وإذا مرض أحد شريكي الصنعة ، أو غاب يوما ، أو يومين ، فعمل صاحبه فالعمل بينهما ; لأن هذا أمر جائز بين الشركاء إلا [ ص: 139 ] ما تفاحش من ذلك وطال فإن للعامل إن أحب أن يعطي لصاحبه نصف ما عمل جاز ذلك ، وإن لم يعقدا في أصل الشركة أن من مرض منهما ، أو غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر بينهما انتهى .

                                                                                                                            فاختصار المصنف مطابق للمدونة إلا أنه يحتاج إلى تنبيهات ( الأول ) أن المؤلف قال : كيومين فيفهم منه أن ما قارب اليومين له حكمهما ، واقتصر في المدونة على ذكر اليومين وكأن المصنف اعتمد على مفهوم قوله في الشق الثاني إلا ما تفاحش من ذلك وطال ، ولم يبينه وكأنه أحال على العرف ، وقد تقدم عن الشيخ أبي الحسن في مسألة الرد على أحد الشريكين ما باعه صاحبه في غيبة البائع أنه يفرق في ذلك بين القرب والبعد ، وأن القرب اليومان ، والثلاثة والبعد العشرة قال وما بينهما من الوسائط يرد ما قارب القرب إلى القرب وما قارب البعد إلى البعد انتهى .

                                                                                                                            وينبغي أن يجري مثل ذلك في ما شابه مثل ذلك من الأبواب ( الثاني ) الضمير في غيبتهما راجع إلى اليومين وتحير الشارح في ذلك في الكبير ورده إلى الشريكين ، وتكلف له بأن فيه تجوزا وأن المراد غيبة أحدهما ، وإنما قال غيبتهما لئلا يتوهم أن الغيبة لو حصلت من أحدهما ثم حصلت من الآخر لم تغتفر فنبه على ذلك ، وإن اغتفر ذلك مع غيبتهما فلأن يغتفر مع غيبة أحدهما من باب ، أولى والصواب ما تقدم وهو شامل لما ذكره الشارح ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) لم يفهم من قول المصنف لا إن كثر كيف يعمل في ذلك ، وإنما فهم منه أنه لا يلغى ، واقتصر البساطي في شرحه على ذلك ، وكلام الشارح يوهم أن العامل يختص بأجرة ذلك قال في الشرح الكبير : أي فإن كثر اختص به العامل وليس كذلك ، وكذلك كلامه في المدونة ليس فيه ما يدل على ذلك ، وقد صرح بذلك اللخمي ، وغيره ، وإن معناه أن الأجرة بينهما وللعامل على المريض أجر عمله قال اللخمي في تبصرته وإذا عقد الشريكان الإجارة على عمل ثم مرض أحدهما ، أو غاب ، أو مات كان على الآخر أن يوفي بجميع ذلك العمل ، وسواء كانت الشركة على أن العمل مضمون في الذمة ، أو على أعيانهما ; لأنهما على ذلك يشتركان ، وعليه يدخل الذي يستأجرهما ; لأنهما متفاوضان فلزم أحدهما ما لزم الآخر ، وإن كانت الإجارة في الصحة ثم مرض أحدهما مرضا خفيفا ، أو طويلا ، أو غاب أحدهما إلى موضع قريب ، أو بعيد كان على الصحيح الحاضر القيام بجميع العمل ، وكذلك إذا عقد الإجارة على شيء في أول المرض ثم برئ عن قرب ، أو بعد ، أو في سفر أحدهما إلى قرب من المكان ثم رجع عن قرب ، أو بعد إن بعد فكل ذلك سواء فإن على الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل هذا في حق الذي له العمل ، وكذلك في المسمى الذي عقدا عليه هو بينهما نصفان في الوجهين جميعا ، ويفترق الجواب في رجوع الذي عمل على صاحبه فإن كان المرض الخفيف ، والسفر القريب لم يرجع ; لأن العادة العفو عن مثل ذلك ، ولولا العادة لرجع ، فإن طال المرض ، أو السفر رجع على صاحبه بإجارة المثل انتهى .

                                                                                                                            ويكون ربح العمل بينهما ، ونقله القرافي في ذخيرته وقبله ، وكذلك الشيخ أبو الحسن ، ونحوه للرجراجي ونصه : وأما البدنية فإن كان المرض يسيرا مما الغالب فيه التسامح فالربح بينهما ، ولا شيء للمعافى على المئوف فإن كان كثيرا فهل يكون المعافى متطوعا أم لا ؟ قولان أحدهما أنه متطوع له ، وهو قول أشهب والثاني لا يكون متطوعا له وهو قول ابن القاسم فعلى قوله يكون الربح بينهما ، ويطالبه بأجرة عمله انتهى .

                                                                                                                            وأطلق الربح على الأجرة ، ويعني بالمئوف المريض ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) انظر هل يلغى من الكثرة يومان قال البساطي ظاهر كلامه أنه لا يلغى منه شيء انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) ويأتي الخلاف فيه في القولة التي بعدها ( الخامس ) علم من قول اللخمي في كلامه المتقدم حيث قال : ثم مرض أحدهما ، أو مات ، أو غاب أن [ ص: 140 ] الموت كالغيبة والمرض ، وعليه فينبغي أن يقال : إن عمل بعد موته يوما ، أو يومين ألغي ذلك ، وإن كثر لم يلغ كما تقدم ( السادس ) علم أيضا من كلامه أنه لا فرق بين أن يكونا أخذا الشيء الذي يعملان فيه في الصحة ، أو بعد مرض أحدهما ، أو سفره وهو جار على ما تقدم من أن ما أخذ أحدهما لزم شريكه عمله ، وضمانه ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( السابع ) قال ابن يونس عن ابن حبيب : هذا في شركة الأبدان ، وأما في الشركة بالمال فللذي عمل نصف أجرته على صاحبه ، والفضل بينهما ; لأن المال أجره انتهى .

                                                                                                                            وقال الرجراجي قبل كلامه المتقدم : وإذا مرض أحد الشريكين فإن كانت مالية فالربح بين المعافى والمئوف ، وله أجر عمله ; لأن المال سبب الربح وأما البدنية وذكر ما تقدم ، والله أعلم .

                                                                                                                            الثامن قال اللخمي : ولو عقد أحدهما إجارة بعد طول المرض ، أو بعد السفر كان ذلك له وحده ; لأن الشركة حينئذ قد انقطعت ، وكذلك ضمان ما هلك إذا كان العقد عليه في موضع لم تنقطع الشركة كانت القيمة عليهما ، وإن كانت بعد أن انقطعت كانت عليه وحده انتهى .

                                                                                                                            ونقل ابن يونس صدر هذا الكلام عن بعض القرويين وأقره ( التاسع ) علم من هذا الكلام أن ما عقد عليه أحد الشريكين قبل طول الغيبة وطول المرض يكون ضمانه منهما وهو جار على ما تقدم .

                                                                                                                            ( العاشر ) الفرق بين شريكي العمل وبين الأجيرين إذا استأجرهما أحد على عمل فمرض أحدهما فعمل الآخر جميع العمل قال في المدونة : للمريض نصيبه ، ولا شيء عليه وصاحبه متطوع ، وقال الرجراجي : إن الشريكين كل واحد منهما حميل عن صاحبه ضامن عنه ما يقبلاه إذا كان المتاع مما يضمن فلهذا لم يصر الصحيح متطوعا وأما الأجيران فليس أحدهما ضمينا ، ولا حميلا فلهذا صار الحافر متطوعا انتهى .

                                                                                                                            واعلم أن القول بأنه لا شيء للعامل في مسألة الأجيرين لا يجري على القول بالرجوع بالقيام بالواجب بل الجاري عليه أن يقال إن المريض إن كان يمكنه عمل ذلك بأجيره ، أو بنفسه إذا صح فصاحبه متطوع ، وإن كان لا يعمل ذلك بنفسه ، ولا بد أن يستأجر فالعامل له أجره ، وراجع المسألة في كتاب الإجارة ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية