الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فإن تفاحش أو ثبت نقضت )

                                                                                                                            ش : أي ثبت الجور والغلط ، قال أبو الحسن الصغير في أول كتاب القسمة ، قال الباجي في وثائقه : إنما يرجع بالغبن في القرب ، انتهى . وقال في معين الحكام ، قال بعض الأندلسيين : وأما ما يقام بالغبن فيما قرب وأما ما بعد أمره وطال تاريخه فلا يقام فيه بغبن ، انتهى . وقال ابن سهل عن أبي إبراهيم : وحد ذلك العام ويفيته أيضا البناء والغرس ، انتهى . وقال في معين الحكام أيضا : وإذا ثبت الغبن في القسمة انتقضت ما لم تفت الأملاك ببناء أو هدم أو غير ذلك من وجوه الفوات فإن فاتت الأملاك بما ذكرنا رجعا في ذلك إلى القيمة يقتسمونها وإن فات بعضه وبقي سائره على حاله اقتسم ما لم يفت مع قيمة ما فات ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( كالمراضاة إن أدخلا مقوما )

                                                                                                                            ش : نحو هذه العبارة نقلها أبو الحسن عن أبي عمران ونصها : قال ابن حبيب : وإذا ادعى أحدهما الغلط بعد القسم فإن قسموا بالتراضي بلا سهم وهم حائز والأمر فلا ينظر إلى دعوى ذلك وإن كان الغلط ببينة أو بغير ذلك من أمر ظاهر ; لأنه كبيع التساوم يلزم فيه التغابن وإن قسم بالسهم على تعديل القسم فلا يقبل قوله إلا ببينة أو يتفاحش الغلط فترد فيه القسمة كبيع المرابحة ، قال أبو عمران : إنما يصح قول ابن حبيب على وجه وهو إذا تولوا القسمة بأنفسهم وأما إن أدخلوا بينهم من يقوم لهم ثم ظهر فيها الغبن فسخت القسمة بينهم ; لأنا وإن سميناه تراضيا فلم يدخلوا فيه إلا على التساوي ، انتهى .

                                                                                                                            وظاهرها أن الشركاء إذا لم يدخلوا مقوما وإنما قوموا لأنفسهم أنه لا يقام [ ص: 346 ] في ذلك بالغبن والظاهر أن ذلك ليس بمراد وإنما المراد أن قسمة المراضاة إذا كانت بتعديل وتقويم فإنما يقام فيها بالغبن ، قال اللخمي : دعوى الغلط بعد القسم على أربعة أوجه ، أحدها : أن يعدل ذلك بالقيمة ثم يقترعا أو يأخذ ذلك بغير قرعة ثم يدعي أحدهما غلطا فهذا ينظر إليه أهل المعرفة فإن كان سواء أو قريبا من السواء وإلا نقض القسم وكان القول قول من ادعى الوهم والغلط ، والثاني : أن يقولا هذه الدار تكافئ هذه وهذا العبد يكافئ هذا من غير ذكر القيمة ثم يقترعان أو يأخذان ذلك بغير قرعة والجواب فيه كالأول ; لأن مفهوم ذلك التعديل والمساواة في القيم وكذلك إذا قالوا هذه الدار تكافئ هذا المتاع أو هذه العبيد ثم أخذ كل واحد منهم أحد الصنفين بالتراضي بغير قرعة ثم تبين أن القيمة غير مختلفة ، والثالث : أن يقول أحدهما خذ هذه الدار وهذا العبد من غير تقويم ولا ذكر مكافأة فإن كانت القسمة بالتراضي مضت المغابنة على ما كانت في نصيبه إلا على قول من لم يمضها في البيع وإن كانت القسمة بالقرعة وهما عالمان بتغابنهما كانت فاسدة تفسخ بالجبر وإن لم يدع واحد منهما إليه ; لأن القرعة على ذلك غرر وإن كانا يظنان أنها متساوية كانت جائزة والقيام في ذلك كالعيب والرابع أن يختلفا في الصفة التي وقع القسم عليها مثل أن يقتسما عشرة أثواب فكان بيد أحدهما ستة ، وقال : هي نصيبي على هذا اقتسمنا ، وقال الآخر : الواحد منها لي وأنا سلمته غلطا فاختلف فيه على ثلاثة أقوال ، وقال ابن القاسم : القول قول الحائز له مع يمينه إذا أتى بما يشبه ; لأن الآخر أقر بالقسم وادعى ما في يد صاحبه ، وقال أشهب : القول قول الحائز مع يمينه ، وقال محمد بن عبدوس : يتحالفان ويتفاسخان ذلك الثوب وحده ثم ذكر كلاما لابن حبيب في هذا . القسم الرابع : قال الرجراجي : إذا ادعى أحدهم الغلط في القسمة فذلك على وجهين ، أحدهما : أن يلوا القسم بأنفسهم ، والثاني : أن يقدموا من يقسم بينهم فإن تولوا القسم بأنفسهم ثم ادعى أحدهم الغلط فذلك على أربعة أوجه وذكر هذه الأوجه الأربعة التي ذكرها اللخمي ثم قال : وأما إذا قدموا من يقسم بينهم فادعى أحدهم أن القاسم جار أو غلط ، فقال ابن القاسم في المدونة : لا يلتفت القاسم إلى قولهم وليتم قسمته فإذا فرغ منها نظر السلطان فيها فإن وجدها على التعديل مضى ما قسم ولا يرد فإن رضي جميعهم برده ونقضه ليستأنفا القرعة أو التراضي بقسمته مرة أخرى لم يجز ; لأنهم ينتقلون من معلوم إلى مجهول وهو ما يخرج لهم في المستقبل ولو تراضوا بنقضه بشرط أن يأخذ كل واحد شيئا معلوما معينا جاز وإن وجد السلطان غبنا فاحشا نقضه قولا واحدا وإن كان غير فاحش ، فقال ابن القاسم في المدونة : إنه يرد ، وقال أشهب : لا يرد ، انتهى . وقال في التنبيهات القسمة على أربعة أضرب ، قسمة حكم ، وإجبار وهي قسمة القرعة ، وقسمة مراضاة وتقويم ، وقسمة مراضاة على تعديل وحكم هذه حكم البيوع في كل وجه ولا يرجع فيها بغبن على القول أنه لا يرجع في البيوع ويرجع بالغبن في الوجهين الأولين ويعفى عن اليسير في ذلك في قسمة المراضاة واختلف في اليسير في قسمة القرعة كالدينار والدينارين من العدد الكثير فذهب ابن أبي زيد وبعضهم إلى أنه معفو عنه وأبى ذلك آخرون وقالوا تنقض القسمة ; لأنه خطأ في الحكم يجب فسخه ولا يفرق فيه بين القليل والكثير ، انتهى . ونحوه لابن ناجي كما نقله ابن عرفة ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية