الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن قال : أكريتك للمدينة بمائة وبلغاها ، وقال بل لمكة بأقل ، فإن نقده فالقول للجمال فيما يشبه وحلفا وفسخ ، وإن لم ينقد فللجمال في المسافة ، وللمكري في حصتها مما ذكر بعد يمينهما ، وإن أقاما بينتين قضي بأعدلهما )

                                                                                                                            ش : اعلم أن اختلافهما في المسألة الأولى إنما كان في المسافة فقط ، والخلاف بينهما في [ ص: 450 ] هذه المسألة في المسافة ، وفي قدر الكراء معا ، وقد اختصر المصنف الكلام فيها تبعا للمدونة ، فلم يذكر حكم ما إذا كان اختلافهما قبل الركوب ، أو بعد الركوب بيسير ، أو بعد ركوب كثير اعتمادا على ما تقدم في المسألة التي قبلها فإن الحكم فيها إذا تخالفا قبل الركوب ، أو بعد الركوب اليسير التحالف والتفاسح كما تقدم ، وأما بعد الركوب الكثير فالحكم في ذلك حكم ما إذا بلغا المدينة كما سيأتي في كلام الرجراجي والله أعلم .

                                                                                                                            وقوله : فإن نقده فالقول للجمال فيما يشبه ، وحلفا فسخ يعني أنه إذا كان اختلافهما بعد أن بلغا المدينة يريد ، أو بعد السير الكثير فلا يخلو إما أن يكون اختلافهما قبل النقد ، أو بعده ، فإن كان بعد أن انتقد الجمال الكراء فالقول قول الجمال فيما يشبه ، ويشير بذلك لقوله في كتاب كراء الرواحل من المدونة ، ونصه : قال ابن القاسم : ولو قال الكري : أكريتك إلى المدينة بمائتين ، وقد بلغاها ، وقال المكتري بل إلى مكة بمائة ، فإن نقده المائة فالقول قول الجمال فيما يشبه ; لأنه ائتمنه ، ويحلف له المكتري في المائة الثانية ، ويحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة ويتفاسخان ، وقال الرجراجي : فإن أشبه قولهما ، أو قول الجمال فالقول قوله : فيما انتقد مع يمينه كان ما انتقد كل الذي ادعي ، أو بعضه ويحلف له المكتري فيما لم ينقده ، وهذا الذي قاله الرجراجي خلاف ما قاله أبو الحسن الصغير ، وهو ظاهر كلام ابن يونس فإنه نقل عن ابن يونس أنه قال في كلام المدونة : هذا إذا أشبه ما قالاه جميعا ، وأما إن أشبه قول المكتري خاصة فإنه يحلف على دعوى المكتري ، ويكون له المائة قاله فيما يأتي إذا لم ينقد فأحرى إذا انتقد انتهى .

                                                                                                                            وهو ظاهر ، ويمكن أن يقال : إن قول المصنف بعد هذا : وإن أشبه قول المكري فقط عائدا إلى المسألتين جميعا أعني مسألة الانتقاد وعدم الانتقاد ، ولم يتكلم المصنف على ما إذا أشبه قول المكتري فقط ، وقال الرجراجي : القول قوله مع يمينه ، وتفض المائة على المسافتين ، فما ناب المسافة المتفق عليها كان للكري ، وما ناب المسافة المختلف فيها رده الكري على المكتري يريد بعد حلف الجمال على أن الكراء إنما كان للمدينة والله أعلم .

                                                                                                                            ، ثم قال : فإن نكل المكتري عن اليمين كان القول قول المكري ، ويأخذ ما ادعاه ; لأن المكتري مكنه بنكوله ، وإن لم يشبه قول واحد منهما فإنهما يتحالفان ويتفاسخان ، ويكون للكري في المسافة المتفق عليها كراء المثل وقوله : إن لم ينقد هذا هو الشق الثاني من شقي المسألة ، وهو ما إذا كان اختلافهما بعد أن بلغا المدينة يريد ، أو بعد السير الكثير ولكن لم ينتقد الكراء فقال المصنف : القول للجمال في المسافة ، وللمكتري في حصتها مما ذكرا بعد يمينهما ، وهذا الحكم إذا أشبه قول المكتري وحده ، أو أشبه قولهما معا يبين ذلك قوله : وإن أشبه قول المكري فقط فالقول له بيمين قال في المدونة إثر كلامه السابق : وإن لم ينقده صدق الجمال في المسافة وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانهما ، ويفض الكراء على ما يدعي المكتري ، وقال هو وغيره : وذلك إذا أشبه ما قالا ، أو ما قال المكتري ، وأما إن أشبه قول المكري خاصة فالقول قوله : ويحلف على دعوى المكتري انتهى .

                                                                                                                            وقال الرجراجي : فإن أشبه قول كل منهما ، أو انفرد المكتري بالشبه فالقول قوله : مع يمينه ويفض ما أقر به من الكراء على المسافتين فما ناب مسافة المدينة كان للكري ، وما ناب مسافة مكة سقط عن المكتري ، ويكون له الركوب إلى المدينة إن اختلفا قبل بلوغها ، وإن أشبه قول المكري فقط فالقول قوله مع يمينه ، ويكون له جميع ما ادعاه ، وبقي وجه لم يتكلم عليه المصنف ، وهو ما إذا لم يشبه قول واحد منهما والحكم في ذلك كما قال الرجراجي أن يتحالفا ، ويكون للكري كراء المثل في المسافة المتفق عليها بالغا ما بلغ ، ومن نكل منهما قبل عليه قول صاحبه والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع : ) وإذا اختلفا فيمن يبدأ بالثمن فإنهما يقترعان [ ص: 451 ] نقله أبو الحسن الصغير وقوله : وإن أقاما بينتين قضي بأعدلهما ، وإلا سقطتا إنما نبه على هذه المسألة ، وإن كان الحكم في تعارض البينتين كذلك لينبه على غير قول ابن القاسم في المدونة فإنه قال : أقبل بينة كل منهما إذا كانت عادلة ; لأن كل واحد منهما ادعى فضلة أقام عليها بينة فأقضي بأبعد المسافتين ، وبأكثر الثمنين ، وليس هذا من التهاتر ، وسواء انتقد ، أو لم ينتقد والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية