الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وبقسمته إن طلبت لا بطوله عرضا )

                                                                                                                            ش : [ ص: 150 ] ما ذكره ابن غازي في شرح هذه المسألة كاف في بيانها وملخص النقول التي ذكرها أنه إن أريد قسمه بالتراضي قسم على ما تراضوا عليه من الطول ، أو العرض ، وإن أريد قسمه بالقرعة فالذي مشى عليه المصنف يقسم طولا وطوله هو امتداده بينهما ، وعرضه هو سمك طره فإذا كان الجدار مثلا طوله جاريا بينهما من المشرق إلى المغرب وعرضه جهة الشمال إلى أحدهما وجهة الجنوب إلى الآخر قسم طوله نصفين نصف يلي المشرق ، ونصف يلي المغرب ، ولا يقسم عرضا بأن يأخذ كل واحد منهما نصف عرض الجدار كما إذا كان عرضه مثلا شبرين فلا يأخذ أحدهما شبرا مع طول الجدار ، ويأخذ الآخر شبرا مع طوله أيضا ; لأنه قد يقع لأحدهما الجهة التي تلي الآخر فيفوت المراد من القسمة قال عيسى بن دينار : ولا تصلح القرعة في مثل هذه القسمة قال أبو الحسن : إلا أن يقتسماه على أن من صار ذلك له يكون للآخر عليه الحمل انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال صاحب المسائل الملقوطة وإذا كان حائط بين رجلين ، فانهدم ، فأراد أحدهما بناءه مع صاحبه وامتنع الآخر من ذلك فعن مالك في ذلك روايتان إحداهما أنه لا يجبر الذي أبى منهما على البنيان ، ويقال لطالب ذلك استر على نفسك ، وابن إن شئت وله أن يقسم معه عرض الجدار ويبني لنفسه والرواية الأخرى أنه يؤمر بالبنيان مع شريكه ويجبر على ذلك قال ابن عبد الحكم : وهذا أحب إلينا انتهى .

                                                                                                                            من الكافي انتهى .

                                                                                                                            كلام صاحب المسائل الملقوطة ونقل الروايتين في الجلاب في باب البنيان والمرافق ونفى الضرر وصدر المسألة بقوله : إذا كان حائط مشترك بين اثنين فليس لأحدهما أن يتصرف فيه إلا بإذن شريكه ، وكذلك كل مال مشترك وإذا انهدم الحائط المشترك وكان سترة بين اثنين ، وأراد أحدهما بناءه وأبى الآخر ففيها روايتان إحداهما أنه يجبر الذي أبى على بنيانه مع شريكه ، والأخرى أنه لا يجبر ولكن يقسمان عرصة الحائط ونقضه ثم يبني من شاء منهما لنفسه انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عسكر في العمدة ، ولو تنازع اثنان حائطا بين دارين ، ولا بينة حكم به لمن إليه وجوه الآجر واللبن والطاقات ومعاقد القمط فإن لم تدل أمارة على الاختصاص فهو مشترك وليس لأحد الشريكين أن يتصرف بهدم ، أو بناء ، أو فتح باب ، أو كوة ونحو ذلك إلا بإذن الشريك فلو كان المشترك سترة بينهما فانهدم فأراد أحدهما إصلاحه فهل يجبر الآخر روايتان وعلى القول بعدمه تقسم العرصة ليبني من شاء منهما فلو هدمه أحدهما لغير ضرورة للزمه إعادته كما كان ، وكذلك حكم البئر المشتركة تنهار انتهى .

                                                                                                                            ، وقال في الإرشاد في فصل الاتفاق : وإذا تداعيا جدارا ، ولا بينة فهو لمن إليه وجوه الآجر ، والطاقات فإن [ ص: 151 ] استويا فهو مشترك فلا يتصرف إلا بإذن الشريك ، فمن هدمه لغير ضرورة لزمه إعادته فإن انهدم فإن أمكن قسم عرصته وإلا أجبر على إعادته فإن بنى أحدهما فله منع الآخر من الانتفاع ليؤدي ما ينوبه انتهى .

                                                                                                                            فكلامه في الإرشاد مخالف للروايتين اللتين حكاهما في الجلاب والعمدة فإن ظاهر ذلك أن الرواية الأولى أنه يجبر على البناء ، ولا يقسم معه الحائط وهو مقتضى كلام الكافي أيضا بخلاف ما قاله في الإرشاد ; ولذلك اعترضه شارحه الشيخ سليمان البحيري بأن القسم إنما هو مفرع على الرواية الأخرى بعدم الجبر ، ونصه إثر كلام صاحب الإرشاد المتقدم ، وجملة ذلك أنه إذا لم تكن لأحدهما بينة تشهد له باختصاصه حكم فيه بشهادة العوائد فإن العادة أن توجيه الجدار إنما يكون من جهة المالك ، وكذلك مغارز الأخشاب ونحو ذلك والقمط هي الخشب التي تكون بين البنيان قاله ابن ناجي .

                                                                                                                            ثم قال : فإن لم تدل أمارة على اختصاص أحدهما به كان مشتركا بينهما قاله في العمدة ، وقال بهرام في الشامل : وحلفا عند عدم ترجيح واشتركا فلا يفتح فيه بابا ، ولا روزنة ، ولا يضع عليه خشبه ونحو ذلك إلا بإذن ذلك فإن انهدم الجدار بنفسه ، أو هدمه الشريكان ، أو أحدهما لمصلحة اقتضت ذلك فلا يخلو من أن يمكن انقسام عرصته من غير ضرر ، أو لا فإن أمكن قسمها قسمت وإلا بأن طلب أحدهما الإصلاح وأبى الآخر أجبر على أن يبني مع شريكه هذا ظاهر كلامه والذي في الجلاب : وإن انهدم الحائط وذكر كلام الجلاب المتقدم بلفظه ، ثم قال : فأنت تراه إنما جعل قسمة العرصة مفرعة على القول بعدم جبره على البناء ، وتبعه على ذلك المؤلف في العمدة وشرحها ولم أقف على مستند لما قاله في إرشاده في كلامه ، ولا في كلام غيره ، والذي اختاره ابن عبد السلام والتلمساني في شرح الجلاب الرواية الأولى القائلة بأنه يجبر على البناء من أباه منهما انتهى كلام الشيخ سليمان البحيري بلفظه ( قلت : ) فسر التلمساني في شرح الجلاب الرواية الأولى بأنه إما بنى معه ، أو قاسم إن كان مثله ينقسم ، أو يبيع ممن يبني مع الشريك قال : وهذا القول أقيس فلا اعتراض على صاحب الإرشاد ، وقال ابن عرفة : ولابن عبدوس عن ابن كنانة : لا يجبر أحدهما على بنائه ومن شاء منهما ستر على نفسه ، وقال ابن القاسم : يقال لمن أبى إما أن تبني ، أو تبيع ، أو تقاسم ولابن حبيب عن ابن الماجشون يجبر الآبي منهما على البناء ، وإن طلب قسم موضع الجدار فليس له ذلك انتهى .

                                                                                                                            فالحاصل من كلام صاحب التوضيح وصاحب الإرشاد أنه إن أمكن قسمه قسم ، وإن لم يمكن قسمه فإما بنى معه ، أو باع ، وهذا هو الراجح الذي رجحه صاحب الكافي وابن عبد السلام والتلمساني ، واقتصر عليه في الإرشاد ، وهذا داخل تحت قول المصنف : وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر ، أو يبيع ، والله أعلم وعلى ذلك حمل التتائي كلام صاحب الإرشاد ورد على من اعترض ، ونصه في قول صاحب الإرشاد المتقدم أي ، وإن انهدم الجدار بنفسه فإن أمكن قسم عرصة بينهما قسمت وإلا يمكن قسمتها أجبر الممتنع على البناء معه أي مع الشريك والطالب لذلك ، ومسألة المصنف هذه داخلة تحت قول صاحب المختصر : وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر ، أو يبيع وما اعترض به بعضهم على المصنف من أن هذه مسألة الجلاب ذات الروايتين الأولى الجبر على البناء مع شريكه والأخرى عدم الجبر لكن يقسمان عرصة الحائط ونقضه ، ثم يبني من شاء منهما لنفسه ، وإن ابن الجلاب إنما جعل قسمة العرصة مفرعة على الرواية بعدم الجبر على البناء سهوا ولأن المصنف إنما ذكر الجبر مع عدم إمكان القسم وابن الجلاب مع إمكانه وأين أحدهما من الآخر ، فتأمله انتهى كلامه بلفظه ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية