الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثاني ) : علم من كلام المدونة المتقدم أن الوكيل المفوض ممنوع [ ص: 193 ] من التبرع فأحرى غيره وقال ابن عبد البر في كافيه ما نصه : وأما الوكيل المفوض إليه فله أن يقبل ، وأن يؤخر وأن يهضم الشيء على وجه النظر ، وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان لذلك وجه وفعله كله محمول على النظر حتى يتبين خلاف ذلك ، فإذا بان تعديه أو فساده ضمن وما خالف فيه الوكيل المفوض إليه وغيره ما أمر به فهو متعد ولموكله تضمينه إن شاء ذلك انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : ينبغي أن يحمل قوله وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان لذلك وجه على أن المراد إذا كان لذلك وجه يعود بتنمية المال كما قالوا في الشريك إن ذلك يمضي إذا قصد به الاستئلاف وإلا كان كلام الكافي مخالفا لما في المدونة والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) علم من كلام صاحب الكافي أن فعل الوكيل محمول على النظر حتى يتبين خلافه وكلامه في التوضيح لا ينافيه والله أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) : قال ابن فرحون : إثر كلامه السابق : ذكر بعضهم أنه يستثنى من الوكالة المفوضة بيع دار السكنى وطلاق الزوجة وبيع العبد القائم بأمور الوكيل وزواج البكر ; لأن العرف قاض بأن ذلك لا يندرج تحت عموم الوكالة وإنما يفعله الموكل بإذن خاص انتهى .

                                                                                                                            وقال في اللباب في كتاب الطلاق : أنه إن وكله على الطلاق معينا لزمه قال وإن فوض إليه جميع أموره ولم يسم له طلاق زوجته فظاهر ما في الجواهر أن له ذلك والذي حكاه ابن أبي زيد أنه معزول عرفا عن طلاق الزوجة وبيع دار السكنى وتزويج البنت وعتق العبد انتهى ( الخامس ) قال في النكاح الأول من المدونة وزوج أخته البكر بغير أمر الأب لم يجز ، وإن أجازه الأب إلا أن يكون ابنا فوض إليه جميع أمره وجميع شأنه ، فيجوز بإجازة الأب ، وكذلك في أمة الأب ، وكذلك في الأخ والجد يقيمه هذا المقام انتهى .

                                                                                                                            وقال المصنف في باب النكاح : وإن أجاز مجبر في ابن وأخ وجد فوض له أموره ببينة جاز انتهى فقول المدونة وقول المصنف هذا لا ينافي قولهم هنا أن الوكالة المفوضة لا تشمل تزويج البكر بل هو موافق له ; لأن معنى ما هنا أنه لا يمضي بل يوقف على إجازة الموكل وإن اتفقا نعم قال أبو الحسن الصغير إثر كلام المدونة المذكور : قوله فوض له يعني بالعادة .

                                                                                                                            وأما لو كان بالصيغة لكان له أن يزوجها ولا يحتاج إلى إجازة الأب لأن الوكيل له أن ينكح ويطلق ويقر على موكله انتهى فهذا مخالف لما قالوه هنا إن الوكالة المفوضة لا تشمل تزويجا ولا طلاق الزوجة ، وكأنه اعتمد على ظاهر كلام ابن شاس كما تقدم في كلام صاحب اللباب في التنبيه الذي قبل هذا ، وأما إقراره على موكله ، فهو جائز كما تقدم ، وأما توكيل الوكيل المفوض إليه غيره من غير أن ينص له على ذلك موكله فسيأتي الكلام عليه ( السادس ) : إذا ابتدئت الوكالة بشيء معين ، ثم قال في توكيله إنه وكله وكالة مفوضة أقامه مقام نفسه وأنزله منزلته ، وجعل له النظر بما يراه ، فإنما يرجع التفويض لما سماه ولا يتعدى الوكيل ما سمى له ; لأن ذلك كله يحمل على ما سماه ، ويعاد إليه ، وأما إن لم يسم شيئا بالكلية ، وإنما قال وكلته وكالة مفوضة ، فهذا توكيل تام في جميع أمور الوكالة ، ويجوز فعله في كل شيء من بيع أو شراء أو صلح أو غيره قاله ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الوكالات قال : وإن قال : وكالة مفوضة جامعة لجميع وجوه التوكيل ومعانيه كان أبين في التفويض ونقله عنه ابن عرفة وقال في المقدمات : إذا وكل الرجل الرجل وكالة مطلقة ، ولم يخصه بشيء دون شيء ، فهو وكيل في جميع الأشياء وإن سمى بيعا أو ابتياعا أو خصاما أو شيئا من الأشياء ، فلا يكون وكيلا إلا فيما سمى وإنما قال في آخر الكلام : وكالة مفوضة لأن ذلك إنما يرجع لما سمى خاصة ، وهذا قولهم في الوكالة إذا طالت قصرت ، وإذا قصرت طالت ونقله في التوضيح وقال البرزلي : قال ابن الحاج : قال ابن عات الذي جرى به العمل ، وأفتى به الشيوخ أنه [ ص: 194 ] متى انعقد في وثيقة التوكيل تسمية شيء ، ثم ذكر بعد ذلك التفويض ، فإنما يرجع لما سمى وإن لم يسم شيئا وذكر التفويض التام ، فهو تفويض تام في جميع أمور الوكالة وكلما فعل من بيع وغيره وعليه تدل رواية مطرف وغيره عن مالك انتهى من مسائل الوكالات .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية