الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( بل حتى يفوض فيمضي النظر إلا أن يقول : وغير نظر إلا الطلاق وإنكاح بكره وبيع دار سكناه وعبده )

                                                                                                                            ش : قال ابن الحاجب الموكل فيه شرطه أن يكون معلوما بالنص أو بالقرينة أو بالعادة ، فلو قال : وكلتك لم يفد حتى يقيد بالتفويض أو بأمر فلو قال : بما لي من قليل وكثير مضى في جميع الأشياء إذا كان نظرا إلا أن يقول : وغير نظر قد ذكر المصنف أن إطلاق التوكيل لا يفيد حتى يقيد بالتفويض أو بأمر ، وهذا الفرع مثال للتفويض وشرط فيه المصنف وغيره أن يكون تصرفه على وجه النظر إلا أن يزيد في التعميم فيقول أو غير نظر ، وهذه هي التي للإباحة وبها يتم تعميم الوكالة وقد جرى عمل الناس عندنا في هذه الجهات أنه يتصرف الوكيل المفوض إليه في كل شيء مع وجود هذا القيد الذي ذكره المصنف إلا في بيع دار سكنى موكله وطلاق زوجته انتهى ونقله في التوضيح ويعلم من هذا أن [ ص: 192 ] قول المصنف إلا الطلاق وما بعده مستثنى من قوله : وغير نظر وجعلها ابن فرحون في شرح ابن الحاجب تبعا لابن راشد وغيره مستثناة من مطلق الوكالة المفوضة ، وهو صحيح ; لأنها إذا استثنيت منها مع وجوب هذا القيد فيها ، فأحرى أن تستثنى مع عدمه لكن لا يصح ذلك في كلام المصنف ; لأنا إذا جعلناها مستثناة من قوله فيمضي النظر اقتضى قوله بعده إلا أن يقول وغير نظر أنه إذا ذكر هذا القيد لا تكون مستثناة وإنما تمضي وهو خلاف ما قاله ابن عبد السلام فتأمله ( تنبيهات الأول ) : اعترض المصنف على ابن الحاجب في قوله إلا أن يقول نظرا أو غير نظر فقال : شرط المصنف في تصرف الوكيل أن يكون نظرا ; لأنه معزول عن غيره بالعادة إلا أن يصرح له بذلك فيقول نظرا وغير نظر خليل وفيه نظر إذ لا يأذن الشرع في السفه فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحل لهما ذلك انتهى . وذكر ابن عرفة أن ابن الحاجب تبع في ذلك ابن بشير و ابن شاس ، ثم اعترض عليهم فقال : مقتضى أصل المذهب منع التوكيل على غير وجه النظر ; لأنه فساد وفي البيوع الفاسدة تقييد بيع التمر قبل بدو صلاحه إذا لم يكن فسادا ، ونقل اللخمي عن المذهب منع توكيل السفيه انتهى . وفهم ابن فرحون كلام ابن الحاجب على خلاف ما فهمه المصنف وابن عرفة فقال إثره هذا مثال لوكالة التفويض ، ولفظ ما يقتضي العموم فلو قال وكلتك بما إلي تعاطيه من بيع وشراء وطلاق وعتق وقليل الأشياء وكثيرها جاز فعل الوكيل في ذلك كله بشرط أن يكون على وجه النظر ، وعكسه هو معزول عنه بالعادة إلا أن يقول له افعل ما رأيت كان نظرا عند أهل البصر والمعرفة أو غير نظر ، وليس مراده افعل ما شئت وإن كان سفها كما فهمه صاحب التوضيح انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : هذا الذي ذكره إنما يتم على القول بمنع توكيل السفيه ، وهو أحد الطريقين في المسألة كما تقدم في باب الشركة ، وأما على القول بجواز ذلك ، فيرجع ذلك إلى ما قاله في التوضيح والحق أن النظر ههنا في مقامين أحدهما جواز التوكيل على هذا الوجه والثاني : مضي أفعال الوكيل وعدم تضمينه ، فأما جواز التوكيل على هذا الوجه ، فإن أريد به الإذن بما هو سفه عند الوكيل ، فالظاهر أن ذلك لا يجوز ، ولا ينبغي أن يتوقف في ذلك وإن أريد به الإذن فيما يراه الوكيل صوابا وإن كان عند الناس سفها فإن كان الوكيل معلوم السفه ، فكذلك لا يجوز وإن كان على خلاف ذلك جاز ، وأما مضي أفعال الوكيل ، وعدم تضمينه فالظاهر أن أفعاله ماضية ولا ضمان عليه في شيء ; لأن الموكل أذن له في ذلك ، وقد قالوا في كتاب الجراح فيمن أذن لإنسان في قطع يده فقطعها أنه : لا قود عليه لإذنه له في ذلك ، فالمال أحرى ، وهذا والله أعلم .

                                                                                                                            هو الذي أراده ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب بل هو المتبادر من قولهم مضى أي وإن كان لا يجوز ذلك ابتداء ، فتأمله نعم هنا وجه يمكن أن يحمل معه كلامهم على الجواز ابتداء ، وذلك أنه قال في كتاب الشركة من المدونة : وما صنعه مفوض إليه من شريك أو وكيل على وجه المعروف لم يلزم ، ولكن يلزم الشريك في حصته ويرد صنيع الوكيل إلا أن يهلك ما صنع الوكيل ، فيضمنه الموكل انتهى .

                                                                                                                            فإذا كان الوكيل ممنوعا من التبرعات فيمكن أن يقال معنى قولهم يمضي النظر أي ما فيه مصلحة تعود بتنمية المال لا التبرعات كالعتق والهبة والصدقة إلا أن يقول وكلتك وكالة مفوضة وأذنت لك أن تفعل جميع ما تراه ، وإن كان غير نظر أي ليس فيه مصلحة تعود بتنمية المال ، وإن كان فيه مصلحة في نفس الأمر فتمضي التبرعات ولا يقضى في هذه الأشياء أنها سفه أو فساد إلا ما تفاحش من ذلك وخرج عن الحد ولم يكن فاعله من أهل اليقين والتوكل فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية