الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وعجل إن عين ، أو بشرط ، أو عادة ، أو في مضمونة لم يشرع إلا كراء حج فاليسير [ ص: 394 ] وإلا فمياومة )

                                                                                                                            ش : اعلم أن التعيين تارة يكون في الأجرة وتارة يكون في المنفعة المستأجرة ، واعلم أنه يقضى بتعجيل الأجرة إذا شرط التعجيل سواء كانت الأجرة شيئا بعينه ، أو شيئا مضمونا في الذمة ، وكذلك يقضى بالتعجيل إذا كانت العادة التعجيل سواء كانت الأجرة شيئا معينا أو شيئا مضمونا ، وسواء في ذلك الأجرة المعينة ، والمضمونة ، وكذلك يقضى بالتعجيل إذا كانت المنفعة المستأجرة مضمونة في ذمة الأجير وتأخر شروعه في العمل يومين ، وأما لو أخره إلى يوم واحد فيجوز التقديم والتأخير وقول المصنف إن عين مستغنى عنه ; لأن الأجر إذا كان معينا ، فإن شرط تعجيله ، أو كان العرف تعجيله صحت الإجارة وقضي بتعجيله للشرط والعرف ، وهو مستفاد من قوله : أو بشرط أو عادة ، وإن لم يكن شرط ، ولا عرف فالإجارة فاسدة كما سيصرح به المؤلف فتأمله ، ولا يرد هذا على ابن الحاجب ; لأنه لا يفسد عنده إلا إذا كان العرف التأخير فيحمل قوله : يعجل إن كان معينا على ما إذا لم يكن عرف ، ولا اشترط التعجيل ، وهو خلاف قول ابن القاسم كما قاله في التوضيح قال في أوائل كراء الرواحل منها : ومن اكترى دابة لركوب أو حمل ، أو دارا ، أو استأجر أجيرا بشيء بعينه من عين ، أو عرض ، أو حيوان ، أو طعام فتشاحا في النقد ، ولم يشترطا شيئا ، فإن كانت سنة الكراء في البلد بالنقد جاز وقضي بقبضها ، وإن لم تكن سنتهم بالنقد لم يجز الكراء ، وإن عجلت هذه الأشياء إلا أن يشترط النقد في العقد كما لا يجوز بيع ثوب ، أو حيوان بعينه على أن لا يقبض إلا إلى شهر ، ويفسخ ابن القاسم ، وإن اكترى ما ذكرناه بدنانير معينة ، ثم تشاحا في النقد ، فإن كان الكراء بالبلد بالنقد قضي به ، وإلا لم يجز الكراء إلا أن يعجلها انتهى .

                                                                                                                            قال أبو الحسن قال عياض : قوله : إلا أن يعجلها أي : يشترط ذلك في أصل العقد يبين ذلك ما تقدم واختصره ابن يونس إلا أن يشترط تعجيله في العقد ، وقوله : أولا إلا أن يشترط النقد في العقد ، الاستثناء منقطع كأنه يقول : لكن إن اشترط النقد في العقد جاز انتهى .

                                                                                                                            ثم قال في المدونة إثر الكلام السابق كقول مالك فيمن ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض ، أو غيره ، فإن شرط ضمانها إن تلفت جاز ، وإلا لم يجز البيع فأرى إن كان الكراء لا ينقد في مثله فلا يجوز إلا أن يشترط عليه إن تلفت فعليه مثلها ، ولا يجوز اشتراط هذا في طعام ، ولا عرض في بيع ، ولا كراء ; لأنه مما يبتاع لعينه فلا يدري أي الصفقتين ابتاع ، ولا يراد من المال عينه ، وقال غيره في الدنانير : هو جائز ، وإن تلفت فعليه الضمان انتهى .

                                                                                                                            أبو الحسن قوله : فأرى الكراء إن كان لا ينقد في مثله ، معناه ليس من سنتهم النقد ، وذكر بعضهم عن بعض الشيوخ أنه قال : يحتمل أن يريد بقوله : إن كان لا ينقد في مثله كبيع الخيار ، قال : ولم أره لغيره انتهى .

                                                                                                                            وهذا الذي أشار إليه المؤلف في فصل كراء الدابة بقوله وبدنانير عينت إلا بشرط الخلف انتهى .

                                                                                                                            وقوله : أو في مضمونة لم يشرع فيها يريد لم يشرع فيها إلا بعد طول ، وأما إن قرب الشروع ، فيجوز تأخير الكراء ، ويجوز اشتراط ذلك قال المتيطي : فإن كان المضمون في الكراء إنما هو على أن يأتيه بها تلك الليلة ، أو في الغد فلا بأس باشتراط تأخير الكراء إلى أجل وقوله : إلا كراء حج فاليسير لو أدخل الكاف لكان أشمل قال المتيطي روى أبو زيد عن ابن القاسم ذلك في الكراء المضمون ، ولم يذكر الحج ، ونصه : تعجيل النقد في الكراء المضمون إلى أجل هو . الأصل ، ولا يجوز تأخيره بشرط واختلف في تعجيل بعضه وتأخير باقيه دون شرط فقال مالك فيمن أكرى إلى الحج في غير إبان الحج ليخرج في إبانه لا بأس أن يقدم منه الدينار والدينارين ، ولا يجوز في غيره وروى أبو زيد عن ابن القاسم ذلك في الكراء المضمون ، ولم يذكر الحج ، وقال : كم من كري ذهب بالكراء ، وروى ابن المواز [ ص: 395 ] عن مالك كراهة تأخير النقد إلا أن ينقد أكثره ، أو ثلثيه ، وقال مثله أشهب ، ثم قال : قال مالك قد اقتطع الأكرياء أموال الناس فلا بأس أن ينقده الدينار والدينارين يريد في غير الحج انتهى .

                                                                                                                            وفي التوضيح عن الموازية مثل الحج في غير إبانه ، واليسير الدينار والديناران على ما رجع إليه مالك والله أعلم .

                                                                                                                            وقوله : وإلا فمياومة أي ، وإن لم تكن الإجارة مضمونة بل كانت معينة ، أو كانت مضمونة إلا أنه شرع فيها ، ولم يكن شرط ، ولا عرف والأجر غير معين فإنما تستحق الأجرة مياومة ، وهذا عند المشاحة ، وإلا فيجوز التقديم والتأخير صرح بذلك في أول مسألة من كتاب الجعل والإجارة من البيان ، ونقله ابن عرفة ( تنبيهات الأول : ) يعترض على المصنف بما اعترض به على ابن الحاجب في قوله ، فإن لم يكن شرط ، ولا عادة أخذ مياومة قال ظاهر كلامه يتناول الصنائع ، بل الإجارة في العرف مقصورة عليها والمذهب أن الصانع لا يستحق الأجرة عند الإطلاق إلا بعد تمام العمل انتهى .

                                                                                                                            ومثله يقال عليه ، وما قال : إنه المذهب هو في كتاب الجعل والإجارة من المدونة قبل ترجمة الدعوى في الإجارة ، ونصها : وإذا أراد الصناع والأجراء تعجيل الأجر قبل الفراغ وامتنع رب العمل حملوا على المتعارف بين الناس ، فإن لم تكن لهم سنة لم يقض لهم به إلا بعد فراغ أعمالهم ، وأما في الأكرية في دار أو راحلة ، أو في إجارة بيع سلعة ونحوه فبقدر ما مضى ، وليس للخياط إذا خاط نصف القميص أخذ نصف الأجرة حتى يتم ; إذ لم يأخذه على ذلك انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني : ) ما تقدم من أنه إذا كانت الإجارة غير مضمونة بل معينة يجوز التقديم ، والتأخير محله ما إذا شرع في العمل ، أو تأخر الشروع نحو العشرة الأيام ، وإن طال ذلك لم يجز تقديم الأجرة قال ابن رشد في أول كتاب الجعل والإجارة من البيان : الإجارة على شيء بعينه مثل نسج الغزل وخياطة الثوب على قسمين : مضمونة في ذمة الأجير فلا تجوز إلا بتعجيل الأجر أو الشروع في العمل ، أو تعجيلهما ، ومعينة في عينه فتجوز بتعجيل الأجر وتأخيره على أنه يشرع في العمل ، فإن شرع إلى أجل لم يجز النقد إلا عند الشروع في العمل انتهى .

                                                                                                                            وتأخير الشروع إلى يومين لا يضر قاله في المدونة أبو الحسن وإلى عشرة أيام وانظر كلامه عند قول المؤلف : وكراء دابة إلى شهر ، ونقل كلام ابن رشد فعلى هذا إذا كان العمل معينا على أن لا يشرع في العمل إلا إلى أجل ، وكان الأجر شيئا معينا تفسد هذه الصورة ; لأن كون الأجر معينا يقتضي تقديمه ، وكون العمل في عين الأجير إلى أجل يقتضي تأخيره ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث : ) قال ابن رشد : إن صرح بكون العمل مضمونا كقوله : استأجرتك على كذا في ذمتك إن شئت عملته بيدك ، أو بغيرك أو معينا كاستأجرتك على عمل كذا بنفسك فلكل منهما حكمه ، وإن لم يصرح ، وظاهر اللفظ أنه مضمون كقوله أعطيتك كذا على خياطة هذا الثوب حمل على المضمون اتفاقا إلا أن يعرف أنه يعمله بيده ، أو كان عمله مقصودا لرفقه وإحكامه ، وإن كان ظاهره التعيين كاستأجرتك على خياطة هذا الثوب ، أو على أن تخيطه ، ولا يقول : أنت ففي حمله على المضمون ، أو المعين قولان المشهور : أنه يحمل على المضمون أيضا إلا أن يعلم أنه يعمله بيده ، أو يكون قصد عمله لرفقه وإحكامه انتهى .

                                                                                                                            ( الرابع : ) قال ابن عرفة عن ابن فتوح : إن قام من آجر عبده يطلب أجره بعد تمام عمله فأجرته تجري مجرى الحقوق في الفسحة وضرب الأجل ، وإذا آجر العبد نفسه ، أو الحر وطلب ذلك بعد الخدمة قال ابن حبيب : لا ينبغي أن يحملا كالحقوق عند وجوبها ، ويجب تعجيل أجرهما لقوله عليه الصلاة والسلام { أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه } إلا أن يؤخر الأجير من استأجره بأجرة سنة ، ثم يطلب فيحمل محمل الحقوق انتهى .

                                                                                                                            ( الخامس : ) قال في الذخيرة عن ابن يونس : كره [ ص: 396 ] مالك نقد الكراء في السفن ; لأنها لا تجب إلا بالبلاغ ، وجوزه ابن نافع ، وقال : له من الكراء بحساب ما قطع ، فإن عطب قبل البلاغ وادعيت النقد صدق عليك ; لأن الأصل عدمه ، ولا يشهد بعضهم لبعض للتهمة ، وقيل : يجوز كما في قطع الطريق انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية