قال تعالى : ( وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير ( 111 ) ) .
قوله تعالى : ( وإن كلا ) : يقرأ بتشديد النون ونصب كل ، وهو الأصل .
ويقرأ بالتخفيف والنصب ، وهو جيد ; لأن " إن " محمولة على الفعل ، والفعل يعمل بعد الحذف كما يعمل قبل الحذف ; نحو لم يكن ، ولم يك .
وفي خبر ( إن ) على الوجهين وجهان ; أحدهما : " ليوفينهم " .
و " ما " خفيفة زائدة لتكون فاصلة بين لام إن ولام القسم كراهية تواليهما ، كما فصلوا بالألف بين النونات في قولهم : أحسنان عني . والثاني : أن الخبر " ما " وهي نكرة ; أي لخلق ، أو جمع .
ويقرأ بتشديد الميم مع نصب كل ، وفيها ثلاثة أوجه ; أحدها : أن الأصل : لمن ما [ ص: 44 ] بكسر الميم الأولى ، وإن شئت بفتحها ; فأبدلت النون ميما وأدغمت ، ثم حذفت الميم الأولى كراهية التكرير ; وجاز حذف الأولى وإبقاء الساكنة لاتصال اللام بها ، وهي الخبر على هذين التقديرين . الوجه الثاني : أنه مصدر لم يلم ، إذا جمع ، لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، وقد نونه قوم ، وانتصابه على الحال من ضمير المفعول في " ليوفينهم " وهو ضعيف . الوجه الثالث : أنه شدد ميم " ما " كما يشدد الحرف الموقوف عليه في بعض اللغات ، وهذا في غاية البعد .
ويقرأ : و " إن " بتخفيف النون " كل " بالرفع ، وفيه وجهان ; أحدهما : أنها المخففة ، واسمها محذوف ، وكل وخبرها خبر إن ، وعلى هذا تكون " لما " نكرة ; أي خلق أو جمع على ما ذكرناه في قراءة النصب . والثاني : أن " إن " بمعنى " ما " و " لما " بمعنى " إلا " أي ما كل إلا ليوفينهم .
وقد قرئ به شاذا ; ومن شدد فهو على ما تقدم ; ولا يجوز أن تكون " لما " بالتشديد حرف جزم ، ولا حينا لفساد المعنى .
قال تعالى : ( ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ( 112 ) ) .
قوله تعالى : ( ومن تاب ) : هو في موضع رفع عطفا على الفاعل في " استقم " ويجوز أن يكون نصبا مفعولا معه .
قال تعالى : ( وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ( 113 ) ) .
قوله تعالى : ( ولا تركنوا ) : يقرأ بفتح الكاف ، وماضيه على هذا ركن بكسرها ، وهي لغة . وقيل : ماضيه على هذا بفتح الكاف ، ولكنه جاء على فعل يفعل بالفتح فيهما ، وهو شاذ . وقيل : اللغتان متداخلتان ، وذاك أنه سمع من لغته الفتح [ في الماضي ] - فتحها في المستقبل على لغة غيره ، فنطق بها على ذلك .
ويقرأ بضم الكاف وماضيه ركن ، بفتحها .
( فتمسكم ) : الجمهور على فتح التاء .
وقرئ بكسرها ، وهي لغة ، وقيل : هي لغة في كل ما عين ماضيه مكسورة ولامه كعينه ; نحو مس ، أصله مسست وكسر أوله في المستقبل تنبيها على ذلك .
قال تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ( 114 ) ) .
قوله تعالى : ( طرفي النهار ) : ظرف لأقم .
[ ص: 45 ] ( وزلفا ) : بفتح اللام جمع زلفة ، مثل ظلمة وظلم .
ويقرأ بضمها وفيه وجهان ;
أحدهما : أنه جمع زلفة أيضا ، وكانت اللام ساكنة مثل بسرة وبسر ، ولكنه أتبع الضم الضم . والثاني : هو جمع زليف ، وقد نطق به .
ويقرأ بسكون اللام ، وهو جمع زلفة على الأصل ; نحو بسرة وبسر ; أو هو مخفف من جمع زليف